أضع هذا الاقتراح بين أيادي كل الفرقاء, وقبلهم بين يدي خادم المصريين والأمة السيد رئيس الجمهورية: لعل فهمنا المجرد لبواعث الصراع السياسي الحالي يقودنا إلي أن جميع الفرقاء يتوقون إلي العطاء, وسرعة استنقاذ مصر مما أوصلها إليه النظام البائد. دعونا بداية نستبعد مصطلح الصراع المستورد من الغرب, ونتحدث عن التدافع. ولا شك أن التدافع من سنن الله في خلقه... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين(251) البقرة فلنتدافع جميعا نحو العطاء للوطن وكي لا تفسد الأرض. وليس من العطاء أن يقتل أو يصيب أو يقصي بعضنا بعضا. إن إرادة العطاء لا تعطلها سلطة مهما كانت طاغية أو متكبرة أو حتي دموية. والعطاء ليس من شروطه أن يكون المرء في منظومة السلطة, وزيرا أو محافظا أو مسئولا. المحكوم والمرءوس يستطيع أن يكون معطاء أكثر أحيانا من الحاكم أو الرئيس. في لهيب القهر والطغيان والحظر والإقصاء أعطت القوي ذات الفكر الإسلامي للمجتمع مالم تعطه السلطة من خدمات تعليمية وصحية واجتماعية. الكتب الجامعية المنخفضة الثمن, والمدارس, ومستوصفات ومستشفيات ومشروعات العلاج, والتكافل, ومعارض السلع المعمرة والوسيطة استفاد بها ومنها الملايين. لقد أحجمت أو خافت باقي الفصائل الليبرالية والقومية واليسارية من قهر وبطش النظام. نعم أحجمت عن العطاء المجتمعي المادي المفيد بالرغم من البحبوحة السياسية التي رفلت فيها مقارنة بفصائل الإسلاميين. إن الفرصة متاحة والأبواب مفتوحة من اليوم للعطاء والخدمة من صفوف الموالين المعارضين. وقد يكون اقتراحي هذا بتشكيل كتائب العطاء علي مستوي القطر كله فرصة للتنافس المفيد, ثم للتلاقي وتبادل وتوظيف خبرات الإسلاميين قبل الثورة في مجالات شتي. لتفتح الدولة في أقرب فرصة باب التسجيل في عضوية كتائب العطاء القومية أو حتي الحزبية. فلتشجع الدولة ولو بحوافز رمزية المواطنين للعطاء الطوعي كل حسب تخصصه وخبراته أو عمره. ليتولي الجيش ببعض إمكاناته الهندسية والتقنية المسئولية التوجيهية واللوجستية المشتركة مع وزارات الشباب والرياضة والشئون الاجتماعية. كاتب هذه السطور عاش في ظل الحكمين الناصري والساداتي تجربتين من هذا القبيل. الأولي كانت أقرب إلي البلشفة أو الأدلجة فيما عرف بمعسكرات الشباب الاشتراكي في حلوان ومركز شباب الجزيرة. أما الثانية فكانت في بورسعيد وهي كتائب التعمير بعد انتصار أكتوبر.1973 كنا في الحالين شبابا كثيرين من أطياف وفئات اجتماعية متعددة, وبالطبع لم يكن في المجتمع آنذاك فصيل إسلامي. كان الإسلاميون مغيبين مقهورين في سجون عبد الناصر. تعايشنا وعملنا كمتطوعين ليلا ونهارا لخدمة الوطن. منا من كانوا من أبناء الفقراء وأبناء الطبقة الوسطي وقليل من أبناء الأثرياء نسبيا. حملنا في التجربة الثانية الجواريف والمقاطف ونظفنا وأزلنا حطام البيوت التي دمرتها طائرات ومدفعية وصواريخ العدو الصهيوني. كنا في غاية السعادة والزهو الوطني لمجرد العطاء البدني وبذل العرق بلا غرض سوي خدمة بلدنا. أتذكر أيضا إبان حرب73 كيف تطوع آلاف من شباب مصر في كتائب الشباب المركزية بقيادة الدكتور أحمد كمال أبو المجد بارك الله في عمره وصحته. بعد وقف إطلاق النار كانت روح العطاء تتلبسنا بقوة فقررنا نحن طلاب الجامعة في قريتنا أن نواصل العطاء بتقديم دروس خصوصية مجانية لطلاب الشهادة الإعدادية. من كانوا في كليات الطب والهندسة والعلوم أعطوا دروسا مجانية في العلوم والرياضيات, ومن كانوا في كليات العلوم الإنسانية أعطوا دروسا في التاريخ والجغرافيا واللغة العربية والإنجليزية. أنا واثق أن كتائب العطاء لو توافقنا علي قوميتها, بمعني مشاركة كل الأطياف الحزبية فيها, يمكن أن تعيد لنا بعضا مما جمعتنا عليه الثورة في أوجها. ليخلع الجميع رداء الحزبية ولو في سويعات العطاء اليومية أو الأسبوعية. إذا خفنا من الشحناء والبغضاء فلنستحث كل حزب أن يشكل كتائب العطاء الخاصة به, ولنحدد لكل حزب نطاقا جغرافيا في كل قرية أو مدينة. ليتنافس الجميع في تجميل وتنظيف وصيانة منطقته, أو ليتسابقوا في العطاء التعليمي ومحو الأمية, وقوافل الوقاية والعلاج. لمزيد من مقالات حازم غراب