تتميز نظم الحكم الديمقراطية بقدرتها علي اكتساب شرعيتها من الشعب علي أساس برامجها الانتخابية وعبر التنافس السلمي في الاستحقاقات الانتخابية. وتحرص علي تأكيد شرعيتها واستمرارها في الحكم بتحقيق انجازات يلمسها الناس علي أرض الواقع تساهم في حل مشاكلهم وتحقيق تطلعاتهم واحداث نهضة مجتمعية ترتقي بالدولة وتضعها في مكانة متقدمة بين الامم. وأحد أهم أسباب نجاح الحكومات الديمقراطية في ممارسة وظيفتها السياسية والخدمية أن الناخب هو صاحب السلطة الفعلية عليها وله حق محاسبتها والرقابة عليها ومسألتها وانهاء وجودها. فهي تعمل لدي الشعب بما فيها رأس السلطة سواء الرئيس أو رئيس الوزراء. ويحاسبهم البرلمان باعتباره نائبا عن الشعب. ويكون له كافة الصلحيات في مكافأة المجد وتوقيع العقاب علي المقصر والمفرط. ولذلك تحرص الحكومات الديمقراطية علي انتقاء عناصرها واختيار الشخصيات المؤهلة والقادرة علي القيام باعباء خدمة المجتمع والوطن. ومن هنا جاءت فكرة وضع قوانين وضوابط وقواعد صارمة لاختيار الرئيس معاونيه ومستشاريه وكبار رجال الدولة وعد هذا من التقاليد السياسية الراسخة في الدول الديمقراطية. فقد جربت هذه الدول خطورة الاعتماد علي أهل الثقة والبطانة المرتبطة بالحاكم بمصالح أو صلات قرابة. ولهذا منح البرلمان سلطات واسعة في مراجعة الرئيس والاعتراض علي اختياراته. واقرت قوانين تستوجب أن تكون الكفاءة والعلم والمؤهلات والخبرة والنزاهة وحسن السلوك والسمعة هي أساس الاختيار عند تولي المناصب العامة والدخول في دائرة الرئيس. ولم تكتفي القوانين بذلك ولكن تم تحديد واجبات ومسئوليات الجميع بدقة ووضعت قيود لا يستطيع الحاكم تجاوزها هو أو بطانته وسنت عقابات رادعة علي منتهكها تصل الي حد السجن والاجبار علي الخروج من الحياة العامة نهائيا. ويشهد التاريخ أن اهدار هذه المعايير والضوابط في انتقاء المساعدين واختيار افضل العناصر المعاونة للحاكم في القيام بواجبات واعباء الحكم أدي الي الدخول في صراعات وفتن وأزمات وكوارث راح ضحيتها ارواح الابرياء وعصف بأمن واستقرار العديد من البلاد. حيث تم الاستعانة ببطانة فاسدة شرهه للسلطة ومتكالبة علي الجاه والنفوذ والمال. وتمكنت عبر اساليب عديدة من الاستحواذ علي مقدرات الدولة واصبح بيدها مقاليد الحكم الفعلية وتدير شئون الدولة وتتحكم فيها وفق اهوائها ومخططاتها. وتمكنت من عقد اتفاق سري بينها وبين الحاكم للتستر علي الافعال المجرمة التي يرتكبوها جميعا والتكاتف في مواجهة من يحاول فضحها من المعارضين. وربما يحمل لنا التاريخ الحديث من تجربة هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا خير مثال علي ديكتاتورية الحاكم وتأثير بطانته السيء الذي لولاهم ما كان يستطيع ارتكاب جرائمهم في حق شعبه وادخال العالم في حروب اهلكت الانسانية. والمؤسف أن دول العالم الثالث وقعت فريسة لديكتاتوريات تجرأت علي شعوبها ومارست الخداع والكذب والنهب والفساد حتي افقرت الشعوب واذلتهم. وكشفت ثورات الربيع الاساليب والادوار الخبيثة التي لعبتها بطانة السوء في النهب المنظم وسياسات الافقار التي تسببت في تراجع هذه الدول وانهيار مكانتها بين الدول وزيادة معاناة الناس واوجاعهم وتعميق مشاكلهم. ويؤكد المستشار توفيق وهبة. رئيس المركز العربي لبحوث التراث. إن الدول الديمقراطية لا تعرف مصطلح ¢البطانة¢ بالمفهوم المتعارف عليه في دولنا. موضحا أن الانظمة الديمقراطية تأخذ بالمفهوم الوظيفي. حيث مجموعة من المساعدين والمعاونيين والمستشارين حول الرئيس لمساعدته في دراسة الملفات وتقديم المشورة والأفكار بلا ممارسة أي دور في اتخاذ القرار او التأثير فيه ويخضع هؤلاء لرقابة مكثفة ونشطة من كافة الاجهزة الرقابية الرسمية والشعبية ووسائل الاعلام المختلفة وليس لهم حصانة. ويكشف أن البطانة في دول العالم الثالث تنفرد بسمات تجعلها جزء من تركيبة النظام بحكم قربها من الرئيس وعنصر الثقة الذي اختيرت علي أساسه. مبينا أنها تمارس مهم خطيرة تصل الي حد اختيار الوزراء والمحافظين والسفراء ورؤساء الجهات الرقابية وغيرها من المناصب المهمة في الدولة ولا تراعي في الاختيار سوي مدي الثقة في ولائها وخضوها للنظام السياسي واركانه. وقال إن دورها تشعب واصبحت هي التي تملك السلطة الفعلية بعد ان تمكنت من عزل الحاكم عن شعبه وتوجيها من خلال المعلومات التي تقدمها وفي الغالب تكون غير حقيقة وتخدم مصالحها وتخلق توزنات ومراكز قوي داخل الدولة. معتبرا أن نجاح الدول الديمقراطية في ترسيخ وتأكيد مبدأ تداول السلطة في جميع مستويات وأجهزة الدولة أدي الي ضمان عدم انفراد أحد بالسلطة ومنع احتكارها واحداث حراك أداري واجتماعي وتجذير قيم المؤسسية في العمل. ومنح المؤسسات حصانات ضد تعسف وتدخل الحاكم وبطانته وغل يداه عن التدخل في شئونها وعملها. والتأكيد علي قيم حرية الإعلام واعتباره سلطة رقابية شعبية غير خاضعة للحاكم أو بطانته ورفع سقف الحرية الإعلامية وتقنيين حرية تداول المعلومات. أكد الدكتور محمد أبو غدير. أستاذ الدراسات الصهيونية بجامعة الأزهر. أن احترام متطلبات العمل الديموقراطي دستوريا وقانونيا وسياسية هي ضمانات ضد تغول الدائرة التي تحيط بالرئيس في الدول الغربية الديمقراطية. مضيفا أن هذه الدول نجحت في وضع أسس قوية لضمان حصول الحراك السياسي والاجتماعي. بحيث يكون متاح أمام جميع الفئات والأفراد عبر تفعيل دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة وجعل المجال العام والسياسي عاما للتداول والممارسة. وليست حكرا علي الحاكم وحزبه والأحزاب التي تدور في فلكه.