لا تقل ماذا أعطتنا مصر.. ولكن قل ما الذي نعطيه لمصر.. أغنية شهيرة تغني بها الناس كثيراً أيام حرب رمضان. السادس من أكتوبر ..1973 كلمات عامية تنبع من القلب "ماتقولش ايه اديتنا مصر. قل هاندي ايه لمصر.. يا حبيبتي يا مصر". هل نكتفي بأن نتغني بهذه الكلمات دون أن نسعي إلي تفعيلها. نضعها موضع العمل والتنفيذ؟ يجب علينا جميعاً أن نحدث أنفسنا بها.. نعم اعطتنا مصر الكثير الأمان والسكينة. والحياة الهادئة الناعمة.. الظلال الوارفة. الهواء النقي.. الطقس المستقر.. الشمس المضيئة الغنية بضيائها. ودفئها.. الليل العاشق لنغمات القلب النابض. والشوق الدافيء. وضياء الفجر الساهر. والساحر يهدهد العشاق. يؤنس السمار. وينشر ضوءه الفضي علي الافاق. فتنتعش النفس. وتصفو القلوب. وتنطلق العواطف. تنشد أجمل الألحان. وأعذب الأشجان.. تتناثر في سمائه النجوم فتبدو كعقد من المصابيح تناثر في سماء هادئة مبهرة فتهتز المشاعر. وتمتليء الأرواح بهجة وإشراقاً. فإذا ما أطل الصباح علي الكون في مصر. يبعث نشاطاً وهمة. فيتراقص الزرع. وتبتسم الحياة. ويستيقط الوجود. ويتحرك كل شيء فيك يا مصر طيبة وخيراً. وتعاوناً ومروءة. اعطتنا مصر الوفاء والأمل. وشفافية ورقة. وحباً واستئناساً. تتعانق المحبة والصفاء والوطنية والإخلاص. لا نرضي بمصر بديلاً ولا نعشق غيرها وطناً ولا نري غيرها جمالاً. اعطتنا مصر تاريخاً عميقاً نفخر به بين الأمم.. حضارة سامقة وثقافة إنسانية رائعة. علمت الدنيا الوحدانية. والأخلاق الفاضلة. والعدل والاستقامة. حملتها إلينا معابد الآباء ومسلاتهم وحجارتهم. وجدران مبانيهم ووصاية الآباء للأبناء وتعاليم الكهنة والكتاب. ورسائل المواطنين إلي الحكام يبثون إليهم شكاواهم ومطالبهم ويشرحون حقوقهم.. اعطتنا مصر الثقافة التي يتعمق في أرواحنا حبها وتنتفس أشواقنا التعلق بها والعودة إليها مهما باعدت بيننا وبينها المسافات والأيام. وجاء الدور علي الجميع أن نعطي مصر ما يجب أن نعطيه لها. ونكون جديرين بحبها وبأن نحمل اسمها ونفخر بمصريتنا.. جاء الدور علي الاغنياء فيها أن يعطوا لمصر مما أنعم الله عليهم. وأفاء من خيراتها في خزائنهم. فصاروا منافسين لأثرياء العالم: مالاً وقوة وامكانيات وقدرة اقتصادية ملحوظة. ألم يأن لهؤلاء أن يشاركوا في بناء مصر الحديثة. مصر المتطلعة إلي رعاية فقرائها. والعناية بشبابها. ودفع اقتصادها بمشاريع بناءة. وصناعات نحن وهم في حاجة إليها لنعوض البلاد ما فاتها من رفاهية. وما حرمت من صحة وتعليم واستقرار وأمن.. يقيمون مدارس. ومعاهد تعليم. مصر في حاجة إليها لمحاربة الجهل والمستشفيات تعالج المرضي ومساكن تؤوي الشباب المشتاق إلي الحياة في أماكن تليق بالإنسان ولا تهين كرامته. وتعمل الدولة علي خصم ما انفقه رجال الأعمال في تلك المشاريع من صافي أرباحهم لنشجعهم علي المساهمة في بناء الوطن.. استفاد هؤلاء من مصر الكثير والكثير. وآن الوقت لأن يردوا إلي مصر بعض الدين. فتتالف الناس. وينتفي غول الفقر. فلا تتأذي النفوس ولا تمتليء بالأحقاد. من واجبهم - ايضا - أداء الضرائب المستحقة لهذا الوطن مقابل الأرباح المتدفقة إلي جيوبهم بعد استقطاع ما انفقوه في سبيل الوطن من أعمال تقدم ذكرها. فيعم التعاون في القضاء علي الفقر والجهل والمرض. أما آن للمهاجرين من أبناء مصر والعاملين بالخارج. الذين أنعم الله عليهم أن يردوا بعض الخير الذي ميزهم في البلاد التي ذهبوا إليها.. أن يردوا بعض الحقوق إلي وطنهم فيشاركوا في نهضته. ويدعموا العلم فيه بالمال ممن لديهم منه الكثير. بالتخطيط والتوجيه والفكر الهادف إلي نهضة الوطن. ممن لديهم العلم والقدرة والخبرة.. مصر في حاجة إلي كل عقل متفوق وفكر ثاقب. وجهد يبذل.. في حاجة إلي مشاركة أبنائها داخل مصر وخارجها لبناء نهضتها وتقدم شعبها.. في حاجةپإلي كل لبنة يضعها مخلص لمصر. وكلمة يكتبها عاشق. وهمسة يعزفها مصري أمين في حب هذا الوطن.. في حاجة لكل بناء وصانع وتاجر ومثقف. ومعلم وطبيب وصانع وعامل وزارع حتي نعيد للوطن قيمته. ونقيم نهضة في حاجة إليها. نعم اعطانا الوطن الكثير فهل آن الأوان بأن نعطيه مما اعطانا ونعيد له فضلاً ونرد إليه خيراً.. كم تغنينا وصفقنا وهتفنا أناشيد تحمل معاني الحب والهيام بمصر. دون أن نعمل لها أو نشارك في بنائها. هل نكتفي بالهتاف والغناء حتي نكون أوفياء لهذا الوطن.. أن الحب والهيام به لا يكون إلا العمل والكفاح والجهاد في سبيل هذه الأمة. وهذه الأرض التي أرضعتنا خيرها. ونعمنا بهوائها. وسعدنا في ظلها. وشربنا من مياهها. وسرنا في دروبها. نتآنس ونسعد ونحب ونذوب عشقاً في كل جميل بها. وفي كل عبير تتنفسه زروعها.. اما آن لنا أن نخجل من أجدادنا الذين علموا الدنيا الحضارة والرقي.. اما آن لنا أن نتذكرهم ونسير علي دربهم ونحاكي همتهم وشجاعتهم وخلقهم الإنساني الجميل.. اما آن لنا أن ننظر إلي تاريخنا القريب في النصف الأول من القرن العشرين حين كانت الوطنية مشتعلة في قلوب الناس وعقولهم. فتفوقوا في الثقافة والفن والأدب وكان منا العقاد المفكر الجبار وطه حسين الذي تحدي كل صعب وعائق. ليضع لنفسه مكاناً عالياً بين أدباء العالم. شوقي. حافظ إبراهيم. أحمد حسن الزيات. وعلي محمود طه. وناجي والكثير من رجال السياسة والصحافة رغم احتلال البلاد. كان منا طلعت حرب الذي أنشأ بنك مصر ليقيم هذا البنك شركات عديدة في السينما والتأمين والتصنيع. وكافة الشركات الكبري التي ملأت البلاد حاملة اسم مصر وأنشأ لها مباني بنظام معماري عندما تراها فتعرف أنها إنشاءات البنك المصري الخالص. وااسفاه.. لم نحافظ عليها ولم ندفعها إلي طريق التنمية فكدنا نضيعها كلها. في حديث مع الأستاذ محمد جبريل الأديب المبدع العاشق لمصر مستعرضاً ما نحن فيه من مشاكل قال: نحن لا نستحق عظمة هذه البلاد وشموخها ولا نستحق أن ننسب إليها.. وله كل الحق في ذلك. من يصدق أن الأمة المصرية ذات التاريخ العريق الضارب في أعماق الحياة تصل إلي ما هي عليه الآن من تخريب وتدمير وبيع للقطاع العام وفوضي تعم الشارع. وتمزق خلقي مخيف. وهمجية مزعجة لا تدع للعقل مكاناً. نكتفي بإلقاء اللوم علي بعضنا البعض دون أن نعمل علي التغيير أو المساهمة لبناء هذا الوطن أو تقدمه. اما آن للأموال التي هربت للخارج أن تعود إلي وطنها عملاً مثمراً. وتنمية هادفة. يزيل الفقر والجهل والمرض.. هذه الأمة في حاجة إلي جهد ابنائها وفكر مثقفيها وأموال أغنيائها. حتي تستطيع أن تخرج من نفق التناحر إلي آفاق مستقبل باهر يليق بكرامة الإنسان.