بعدما تراجع الولع المهووس بالشعر وما يقطر فيه من حكمة ومتعة. ولم يعد بوسع أحدهم أن يتمثل ببعض أبياته أو يحتكم إلي منظومة قيمه أو يستطعم حلاوة إيقاعه. فيعمد إلي اجترارها في تأمل هادئ يحاول النفاذ إلي ما كان يطلق عليه روح الكون أو جوهر الأشياء. ما زال هناك مَن يحاول الجهود ويبذلها مخلصة في إزالة الركام عن تراثنا الشعري وما علق به من غبار الزمن والتردي الذي ضرب الذوائق وأعطب الوجدان. مستعيدا تراثا وإرثا من المحاولات الدءوبة والقيّمة التي قام بها رواد النهضة الحديثة. في مجال الأدب والنقد. لإحياء ما يحمل القيمة من تراثنا العريض. ومنه في القلب التراث الشعري الزاخر. واستئناف النظر في جمالياته وقيمه في ضوء المعرفة المستجدة. وبعد أن استهل د. طه حسين محاولته الفذة في اختراق غابات الشعر الجاهلي ممسكا بيد قارئه. هاديا ومرشدا ودليلا» للتعرف علي روح الثقافة العربية في العصر الجاهلي. وتمثيله جماليا في كتابه الرائع ¢حديث الأربعاء¢ راد ¢طه حسين¢ الطريق ووجه أنظار النقاد ودارسي الشعر القديم ومتخصصيه إلي ضرورة التوسط بين المقبلين علي قراءة ودرس الشعر القديم بتشابكاته اللغوية والجمالية والفنية وبين النصوص ذاتها. فتح ¢طه حسين¢ الباب واسعا. وجاء من بعده ¢زكي مبارك¢ في كتبه الكثيرة التي أفردها لقراءة وتحليل الشعر العربي وتذوقه في عصور ازدهاره. ومن بعده الناقد العظيم محمد مندور. وعبد القادر القط. وشكري عياد. وسليمان العطار. وآخرون غيرهم. وها هو واحد من أنبغ تلاميذ العميد. وأكثرهم شغفا بالشعر. الناقد الكبير والأكاديمي البارع الدكتور صلاح فضل. يسير علي خطي أستاذه. وهو التلميذ النابه الذي تشرب مع آخرين من زملائه الباحثين والدارسين تذوق سرده الجميل في ¢أيامه¢. وتمرس بمتعة الفكر الشعري والنقدي في كتاباته الجسورة.. في تمهيد الطريق الوعرة وإزالة الأغصان المتشابكة من أمام قارئه ليأخذ بيده في رحلة ممتعة. ¢حرة¢. ¢متحررة¢. بعيدا عن التنظيرات الأكاديمية المعقدة. والمصطلحات النقدية الصعبة. لمقاربة عيون شعر الموشحات. أحد أمتع وأجمل فنون الشعر العربي علي مر العصور. محللا إياها وكاشفا عن جمالياتها وإيقاعها المتفرد في كتابه الجديد "طراز التوشيح". الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية في طبعة أنيقة وغلاف بديع لافت. الكتاب الجديد الذي يقع في 288 صفحة من القطع المتوسط. حمل عنوانا فرعيا ¢قراءة نصية حرة¢. اقتبسه مؤلف الكتاب من عنوان عموده الأسبوعي الثابت بإحدي الصحف العربية. الذي كان ينشر فيه مقالاته عن الشعر العربي. والموشحات الأندلسية. وهو عنوان شارح ودال أيضا. أراد به مؤلف الكتاب إطلاق قريحته النقدية علي مراحها وهواها في مقاربة ومطارحة القصائد وعيون الشعر الأندلسي دون التقيد بمنهج. أو الالتزام بمصطلح. أو الانطلاق من تصورات أو فرضيات مسبقة. بل هي قراءات أراد له مؤلفها أن تحمل حرارة المطارحة. وبكارة التلقي. وأن تكون بمثابة سياحات حرة فياضة لاكتشاف كنوز وجواهر شعر الموشحات.