في تقديمه للموسوعة النقدية لقصيدة النثر العربية يذهب الناقد عبد الله السمطي إلى أن تلك القصيدة هي بمثابة توسيع لمساحة الشعرية العربية الحديثة وفضاءاتها. ويضيف السمطي الذي أصدر هذا العمل في الرياض حيث يقيم ويعمل أنه كما كانت الموشحات الأندلسية تمثل أفقا جديدا لشعرية عربية مختلفة كسرت حدة عمود الشعر ورتابته، فإن قصيدة النثر هي الوجه الحضاري لتطور الحياة العربية صوب أفق شعري جديد مغاير، له إيقاعه الخاص المرتبط بشكل جوهري بالمعنى لا بالشكل، وفي ظل هذا الوعي فإن القبول بهذا النمط هو قبول بتحولات الشعرية العربية الحديثة وانبجاساتها واستقصاءاتها المتعاقبة. وتتألف تلك الموسوعة من سبعة كتب، استغرق عمل السمطي عليها نحو عشر سنوات، وهي بحسب مؤلفها تتوخى قراءة التحولات التي طرأت على قصيدة النثر، عبر القرن العشرين، ولا تهدف إلى وضع قوانين معينة لتلك القصيدة، بل إلى وصف الحالة الجمالية التي تجلت فيها عبر تحولاتها المختلفة حتى مطالع القرن الواحد والعشرين. ويتناول الكتاب الأول موضوع "قصيدة النثر: المصطلح وإشكالياته"، ويستهله السمطي بالتأكيد علىأن قصيدة النثر هي ابنة شرعية لتحولات اللغة العربية معرفيا وحضاريا لأنها اتخذت من الشعر صوره وأخيلته وتركيبه، ومن النثر سرده وبساطته، وهي إذ ذاك تمثل في نماذجها العليا الوجه البارز لإبداع العربية في هذا العصر. ويتناول الكتاب الثاني من "الموسوعة النقدية لقصيدة النثر" موضوع إرهاصات قصيدة النثر، مركزا على استقراء جملة من النصوص النثرية التي كتبها رواد الشعر والنثر في مطالع القرن العشرين. كما تناول عبد الله السمطي في هذا الكتاب المفاهيم والمسميات التي أطلقت على هذا الشكل التعبيري في إرهاصاته الأولى والأسئلة الاصطلاحية التي دارت بين هؤلاء الرواد وكيفية تلقي هذه المسميات وكيف كان يصدر كتاب هذا الشكل كتاباتهم وكيف كانوا يسمونها وأثر ظهور هذا الشكل على تغيير المفاهيم حول الشعر والنثر الأدبي. أما الكتاب الثالث فيدور حول "تجارب أولية في قصيدة النثر"، وفيه قام المؤلف بقراءة مجموعة من النصوص لأورخان ميسر وعلي الناصر وادوار الخراط (1926) ونقولا قربان ومنير رمزي وفؤاد سليمان، رأى أنه مطابقة للشروط الفنية لقصيدة النثر. وتناول الكتاب الرابع "مجلة شعر وأصوات التأسيس"، وفيه يرى السمطي أن مجلة "شعر" البيروتية هي صاحبة الفضل في التبني الجمالي لقصيدة النثر بوصفها أحد الأشكال الشعرية المهمة التي توسع من آفاق الشعرية العربية وتعطي قدرا من الحرية للبحث عن إيقاعات جديدة ولغة مغايرة. أما موضوع الكتاب الخامس فهو "القضايا الجمالية في قصيدة النثر"، ويسعى إلى وصف أبرز القضايا الجمالية في مرحلة جديدة من مراحل قصيدة النثر العربية يمكن أن نسميها بمرحلة التجريب والتفكيك كما يقول عبد الله السمطي. ويتحدث الكتاب السادس عن "الذات الشاعرة في قصيدة النثر"، ويرصد تحول الذات الشاعرة من ذات رائية في قصيدة الحداثة إلى ذات متناقضة متغيرة في قصيدة ما بعد الحداثة. أما الكتاب السابع والأخير من الموسوعة فعنوانه هو "انبثاق قصيدة النثر النسوية""، ويذهب السمطي في مقدمته إلى أن التحولات الدالة لقصيدة النثر تكشفت عن انبثاق صيغة جلية للكلام الجمالي النسوي، أصبحت فيه المرأة العربية المبدعة أكثر تفتحا واشراقا وتعبيرا عن همومها الحقيقية بشكل غير مسبوق في الشعرية العربية القديمة والمعاصرة على السواء.