في البدء كانت الكلمة. خلقها الله نوراً فكان الإيمان به. خلقها الله حرفاً فكان النثر والشعر. خلقها الله نغمة فكانت الموسيقي. خلقها الله لوناً فكانت اللوحة. خلقها الله رحمة فكان الحب في قلوبنا. إن كل ما منحه الله للناس من مواهب ومشاعر يصعب أن يكون حراماً. إنها نوع من الإبداع البشري صاغه الضمير الإنساني ليعلو به علي باقي المخلوقات والكائنات والمفردات. لكن هناك حديث نبوي شريف يقول فيه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: ¢المصورون في النار ¢ لقد استخدم هذا الحديث في تحريم التصوير والنحت والفن التشكيلي. ووصل الأمر بالبعض إلي تحريم رسوم علم الأحياء وتحريم النقود التي عليها صور ورسومات. فمن هم المصورون الذين سيكونون في النار؟ إن من الصعب تقبل فكرة أن تكون لوحات فان جوخ وجويا ومحمود سعيد وبيكاسو وسيف وانلي حراماً. من الصعب تقبل أن تكون لوحات الطبيعة الساحرة حراماً. من الصعب تقبل أن تكون تماثيل الميادين حراماً. إنها نوع من الإبداع يرقي بالإحساس ويزيد من تدفق المشاعر ويخفف من عدوانيتنا وقسوتنا علي غيرنا. لكن من هم المصورون الذين في النار كما في الحديث الشريف؟! إن المصورين الذين في النار هم المصورون الذين يعتقدون أن لله صورة ولو في قلوبهم فيعبدونه عليها. مثل الذين يعتقدون أن الله يشبه البقرة فيقدسونها. أو مثل الذين يعتقدون أن الله يشبه الشمس فيرسمون شمساً علي أنها الله. أو مثل الذين يعتقدون أن الله يشبه نجماً أو ثعباناً أو قمراً أو غيره من المخلوقات. لقد اعتقدوا أن الله يشبه هذه المخلوقات فعبدوها. إن التصوير في هذه الحالة حرام. ويلقي بصاحبه في النار. فهؤلاء نسوا أن الله سبحانه وتعالي منزه عن الكم والكيف والأين والند والضد والشبيه والمثيل والشريك والزوجة والولد وكل ما خطر ببالك هالك والله سبحانه وتعالي دون ذلك. وعندما نزل قول الله سبحانه وتعالي: ¢ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ¢ خط النبي عليه الصلاة والسلام خطاً مستقيماً ثم خط علي يساره 6 خطوط وعلي يمينه 6 خطوط تشبه جريد النخيل. وهو نوع من الرسم التوضيحي الذي لا يمكن أن يكون حراماً. والرسم التوضيحي هو وسيلة من وسائل المعرفة. فنحن نلجأ إليه لنرسم الخطط العسكرية والخرائط الجيولوجية والتضاريس الطبيعية والهندسية وبيان الأنهار والفيزياء. بل إن الحروف التي نكتبها نوع من الرسم. فلا يمكن أن ينهانا الرسول صلي الله عليه وسلم عن أشياء نحن في حاجة إليها. ولا يجب أن نتعامل مع ما يقوله الرسول صلي الله عليه وسلم بهذه السطحية. إنه أوتي جوامع الكلم. فالكلمة قليلة الحروف منه صلي الله عليه وسلم باقية ولها في كل زمان معني إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وعزاؤنا أن شراح القرآن جميعاً قدماء ومحدثين كعمي يصفون فيلاً. يجب أن يسلم كل منهم للآخر. فمن وقعت يده علي شئ صلب وصف الفيل بالصلابة. ومن وقعت يده علي شئ رخو وصفه بالرخوة. ومن وقعت يده علي شعره وصفه به. ومن وقعت يده علي منطقة ملساء وصفه بذلك. لا أحد يقدر علي أن يدعي بأنه محيط إحاطة كاملة بما في القرآن من كنوز وأسرار. وقد كان سيدنا سليمان عليه السلام "وهو نبي ورسول وخليفة وملك" يأمر الجن بصناعة التماثيل ¢ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوارب وقدور راسيات ¢ سبأ آية 13 ومن ثم فإن تمثالاً "أو صورة" في بيت يعبد من دون الله أو يعبد للتقرب إلي الله زلفي أو يعبد لذاته فإن الملائكة لا تدخله. الحرام فقط هو اقتناء تلك الأشياء بغرض العبادة. أما لو كان اقتناؤها لغرض الاستفادة والجمال والزينة فهي حلال. وتدعو الملائكة لزيارة البيت.