منذ تفجرت علي السطح فضيحة نادي بلدية المحلة وصفحات الصحف وبرامج الفضائيات تضج بأخبارها المثيرة ووصل الأمر بالبعض للبحث والتنقيب وراء الفيديوهات ووراء اسماء من شاركن فيها ليبدأ الهمز واللمز وانطلقت الأقاويل هنا وهناك لتطال الكثير من نساء المدينة الصناعية وهو ما يطرح سؤالا مهما حول المسموح والممنوع في نشر ذلك النوع من الجرائم سواء عبر الإعلام المكتوب أو المرئي أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي؟ سؤال حاولنا الإجابة عليه من خلال التحقيق التالي: بداية تقول الدكتورة ماجي الحلواني العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة: للأسف فقد أصبحنا مجتمعاً يغوي الفضائح وما يثير الدهشة هو الإقبال الشديد وغير المعقول وهذا السباق المحموم علي نشر الفضائح الأخلاقية من قبل الكثير من أفراد المجتمع ففور حدوث أي فضيحة أخلاقية يتسابق الجميع علي نشر الخبر بل والبحث عن أدق تفصيلاته وكأننا نزف أخبارا سعيدة للمجتمع كله والمصيبة أننا لا نكتفي حتي بتفاصيل الخبر وننقلها بأمانة بل إننا نزيدها بشكل غير طبيعي وندخل عليها الكثير من البهارات ليصل الأمر إلي حد توريط إناس لا ذنب لهم في تلك الفضيحة وهذا ما حدث مثلا في فضيحة مدرب نادي بلدية المحلة ففي سلوك بغيض زعم البعض أن زوجات أصحاب إحدي المهن ضمن اللاتي تم تصويرهن وهو أمر لا يليق لا أخلاقيا ولا مهنيا ولا دينيا. وتضيف د.الحلواني أن الإعلام لابد ان يعي أن المجتمع المصري يتعرض لهجمة تستهدف القضاء علي كل معايير ومقاييس الأخلاق لديها ولهذا فلابد من ميثاق شرف في نشر اخبار تلك الفضائح خاصة وأن هناك من يستغلون الجنس كإحدي الوسائل الفعالة ونظرة واحدة علي ما يحدث حولنا اليوم سنلاحظ ما فعله ذلك النوع من الفيديوهات في الشارع المصري ففي الماضي مثلا كانت معايير الأنوثة لدي الفتيات تعني الحياء والعفاف والتمسك بالقيم والأخلاق الإسلامية ولكن طوفان التردي الاخلاقي وغابت الاعتبارات الأخلاقية والدينية أو حتي الثقافية وتغيرت معايير السلوكيات الأخلاقية. واعتبرت معاكسات الشباب للفتيات في الطريق شأناً عادياً أما غض البصر فهو ما لم تدع إليه تلك الوسائل . التفحش كانت دار الإفتاء قد أكدت علي أن الله سبحانه وتعالي أمرنا بإحسان القول وطهارة اللسان. في سائر الأحوال والمواقف. مشيرة إلي أن جوامع الأخلاق في الإسلام ثابتة لا تتغير. ولا يوجد حالات استثنائية تتيح للإنسان أن ينفلت من الأخلاق وينشر فواحش الأقوال والأفعال. وأضافت دار الإفتاء - في بيان لها - أن النصوص الشرعية تواترت في التشديد في النهي عن التفحش والحث علي صون اللسان والجوارح عن الفحش والبذاءة. فعن أبي هريرة. أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم. قال: ¢إياكم والفحش. فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش¢.. وعن أبي الدرداء أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: ¢إن أثقل ما يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن. وإن الله يبغض الفاحش البذيء¢. وقوله صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله:¢إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش. والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتي يظهر الفحش والتفحش¢. وشددت دار الإفتاء إلي أن نشر الشائعات والفضائح وكذلك التنابز بالألقاب البذيئة والسباب بين الناس محرمى شرعًا. ولا يجوز في أي حال من الأحوال. بل هو من باب نشر الفاحشة التي يقول الله سبحانه وتعالي فيها: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابى أَلِيمى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ". ¢النور:19¢. وأكدت الدار أن الاحتكام إلي القضاء هو السبيل الشرعي الوحيد لرفع المظالم والفصل فيها حتي ينجلي الحق. مشددة أنه علي من يتولي القضاء والفصل بين المتخاصمين تحري الحقيقة والعدل. ولا يكون ذلك إلا من خلال التحقيق القضائي النزيه والعادل. ورَدَّت دار الإفتاء في بيانها علي من يجيزون ويبررون نشر الفحش والألفاظ البذيئة بدعوي التعرض للظلم. محتجين بقوله تعالي: "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ". بأن من يظن أن هذه الآية الكريمة تبيح الانفكاك من أي التزام أخلاقي فإنه يفتري علي الله الكذب. لأن الشرع في سائر أحوال العزيمة والرخصة يدور في إطار أخلاقي مُحكمي ومنضبط. لا يأذن لصاحبه أبداً بأن يطرح شعائر الدين كلية بدعوي الرخصة والاستثناء. خصوصاً في شئون الأخلاق. التي هي أساس هذا الشرع الشريف. وأوضحت دار الإفتاء أن معني الآية كما قال حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس: ¢أي: لا يحب الله أن يدعو أحد علي أحد إلا أن يكون مظلوماً. فإنه رخَّص له أن يدعو علي من ظلمه. وإن يصبر فهو خير له¢. فجعل ابن عباس الجهر بالسوء من القول لا يتجاوز أن يدعو المظلوم علي من ظلمه الخوض في الأعراض وتقول الدكتورة أمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بنات بالأزهر : لا يجوز للمسلم أن يتتبع عورات الآخرين أو يخوض في أعراضهم. أو يشهّر بهم وبذكر أسمائهم دون مسوغ شرعي لأن تتبع أخبار الناس والتجسس عليهم محرم . كما قال الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمى وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابى رَحِيمى" والرسول صلي الله عليه وسلم صعد المنبر يوما فنادي بصوت رفيع. فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه. ولم يفض الإيمان إلي قلبه. لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم. ولا تتبعوا عوراتهم. فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم. تتبع الله عورته. ومن تتبع الله عورته. يفضحه ولو في جوف رحله ¢ونظر ابن عمر يوما إلي البيت أو إلي الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك. والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. وتضيف الدكتورة أمنة : نشر اخبار الجريمة لابد ان يأخذ في الاعتبار أن الهدف منها أخذ العظة والعبرة وليس نشر الفضيحة وبالتالي فهناك أدبيات وأخلاقيات لابد من مراعاتها فلا يجوز نشر صور تجمع المتهم بآخرين بما يؤدي إلي فضحهم فالإعلام وكذلك الموجودون علي الفيس بوك ليسوا محققين ولا قضاة. فليحفظ كل منا لسانه. وليعلم أن الله لن يسأله لماذا لم تتكلم. إنما سيسأله بماذا تكلمت. ولماذا اتهمت ونشرت .. في موقف عظيم لا يغفر الله فيها مظالم الناس وحقوقهم ولابد أن نتذكر جميعا أن المتهم بريء حتي تثيت إدانته والمتهم مظلوم فيرفع يديه إلي الله فيقصم ظهر من اتهمه. بل نقول: حتي لو ثبت أن المتهم وقع في الجريمة. فإنه لا يجوز لأحد أن يشهر به. فالتشهير أمر خطير وهو عقوبة مرجعها إلي الشرع. وليس لكل أحد . ولابد أن يعي الكل أن القضية قضية دين. والمسألة مسألة حسنات وسيئات . فحافظ علي دينك. وأبقِ علي حسناتك. واعلم أن كلامك سيدخل معك في قبر. وستحاسب عنه يوم حشرك. ورب كلمة لا يلقي لها صاحبها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفا هذه الفيديوهات نشر للفحشاء يحاكم فاعلها في الإسلام بالجلد والستر في الإسلام من القيم الأخلاقية الرائعة. لكن هؤلاء يكشفون ما ستره الله ويشغلون المجتمع بهذه الفواحش. مضيفة أن مَن يقدم علي ذلك غير مؤهل خلقًا ولا دينًا ولا يعرف الحلال من الحرام ولا يدرك ثقل الدعوة ومتطلباتها ومَن يخرج بهذه المناظر ويساعد علي نشرها ليسوا دعاة ولكن فسقة يسعون إلي نشر الفضائح الأخلاقية. ونشر جرأة المجتمع علي الفواحش. نشر الفضيحة ..فضيحة أما الدكتور عبد المقصود باشا الأستاذ بجامعة الازهر فيقول أما التشهير بالمسلم وتصفية الحسابات. يُعد انتهاكًا لما أمر الله بستره من التشهير بالناس. وحتي إذا كانت تلك المقاطع التي قام البعض بترويجها تحتوي علي سيدات أخطئن في حق عائلاتهن وأولادهن فلا يجوز التشهير بهن بتلك الطريقة خاصة أن التشهير لا يؤذي المخطيء فحسب بل يؤذي عائلاتهم أيضا وللأسف فقد استحدم البعض الفضيحة سياسيا لمحاولة ضرب البعض في سمعة زوجاتهم وبناتهم ونسي من يقولون ذلك قوله سبحانه وتعالي ¢وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ¢. وقوله صلي الله عليه وسلم : ¢من فضح مؤمنا فضحه الله ولو في قعر بيته¢ فالواجب في المجتمع المسلم الستر. ويضيف د.باشا: لقد اتفق الفقهاء علي إن ستر الجريمة أولي من الفضح ونحن مع نشر اخبار تخص الجريمة حتي يعتبر الناس ولكن علي أن يكون النشر بعيدا عن النيل من أعراض الناس وقد قال الفقهاء أن من رأي جريمة فالستر أولي من الفضح. وقال النبي صلي الله عليه وسلم لصاحب ماعز ¢هلا سترت صاحبك ولو بطرف ثوبك¢. فنشر الفضيحة لن يفيد المجتمع في شيء بل سيزيد من تردي أخلاقياتنا وسيعلم الناس تقليد أبطال تلك الفضائح بل إن المفارقة أنهم سيكونون أكثر حرصا وهم يمارسون أخطاءهم التي علمها لهم من ساهم في نشر تلك الفضائح إن الالتزام الصحيح يُقاس بالالتزام الخلقي. والرسول الكريم يقول: ¢إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق¢ وقال أيضا ¢إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا¢.