الحوار مع الدكتور أحمد عيسي المعصراوي- شيخ عموم المقارئ المصرية ورئيس لجنة مراجعة المصحف بالأزهر الشريف وأستاذ الحديث بجامعة الأزهر- له مذاق خاص لأنه يتناول كل القضايا المتعلقة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة..بل مجرّد الفوز بلقاء معه يُعدّ سبقاً صحفيا يتمناه الكثيرون لأن معظم وقته يقضيه في المشاركة والتحكيم في المسابقات القرآنية الدولية..وفي هذا الحوار فتح د. المعصراوي قلبه وكان صريحا جدا في إبداء رأيه علي كثير من المظاهر والظواهر الموجودة علي الساحة. * لا شك أن اللجنة التي ترأسها ذات طبيعة خاصة لأهمية دورها في مراجعة كتاب الله تعالي والتصريح بطبعه..فما هي آلية عملها تحديدا؟ 1⁄41⁄4 هذا صحيح فهي من أهم وأخطر اللجان في الأزهر الشريف وقد لا يعرف الكثير من الأزهريين قدرها! وتكمن الصعوبة فيها من جانب أنه لو توفيّ عالم أزهري لوجدنا مكانه عشرة وفيما يتعلق بالمعاهد المتخصصة في القراءات فقد كان يوجد معهدان حتي عام 76 وكانا يُخرّجان علماء وحين تولي مشيخة الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود وتوسّع في إقامة المعاهد حتي وصل اليوم عددها حوالي 215 معهدا للقراءات لكن للأسف الشديد لا يُخرّجون علماء لدرجة أنك تجد من يحمل شهادة القراءات وهو لا يحفظ القرآن! وتتكشّف لنا هذه الكوارث حينما نُعلن عن مسابقة لأعضاء جدد باللجنة فمنذ 4 سنوات ونحن نُجريها وفي سنة لم ينجح أحد وفي سنة نجح اثنان وفي أخري أربعة وهي المرة الوحيدة التي ينجح فيها 4 مرّة واحدة! وهذه النسبة من بين 60 متقدّماً وهم لا يُجيدون الحفظ رغم أنهم من خريجي كلية القرآن! دستور المسلمين * هذا ينقلنا للتساؤل عن واقع العالم الإسلامي وهجره لدستوره وكتاب ربه سبحانه وتعالي مما عاد عليه بالتخلف الحضاري؟ 1⁄41⁄4 لاشك أن القرآن الكريم متعدد الجوانب كدستور ومنهج لحياتنا كمسلمين وما نتحدث عنه مما يقع في لجنة المصحف شئ آخر يتعلق بالمراجعة ورسم وضبط الألفاظ وتصحيح الكلمة والحفاظ عليها من التحريف والتبديل. أما فيما يتعلّق بكيفية حفاظنا علي القرآن الكريم فهذا يتم بمعايشتنا له وسعينا الدائم لتطبيقه في حياتنا وأن نعيش في ظلاله دوما وأن نتخلّق بأخلاقه وآدابه وأن يكون هو منهجنا وقبلتنا دائما في كل شئون حياتنا. تجرؤ الجاهلين * وما رأيك فيمن يتجرّأ ويتطاول علي هذا الكتاب العظيم المقدّس؟ 1⁄41⁄4 من يفعل هذا فهو أولا جاهل بالدين ولم يرسخ الإيمان في قلبه وليس عنده أدني علاقة بخُلُق الإسلام ودينه الحنيف ولو كانت عنده ذرّة من الدين لما تجرّأ وتطاول علي الدين والقرآن لأن الإسلام هو القرآن ولولا القرآن لما كان هناك إسلام فالقرآن هو الذي حوي كل ما جاءت به الرسالة المحمدية. * البعض يقول بأنه يُؤّل ويُفسّر القرآن كما فسّره السابقون؟ 1⁄41⁄4 ليس كل تخريف نقول عنه تفسيرا فالتفسير له رجاله وعلماؤه المتخصصون الذين يستطيعون التفسير والتأويل ولا يصح أن يُترك الأمر ¢سداح مداح لكل من هبّ ودبّ¢ ونحن نري هذه الكارثة علي الفضائيات يوميا وهي من أخطر ما يكون علي الدين. والحق يُقال فإن هذا الأمر لم أجده بهذا الشكل سوي في مصر حيث يُردّدون بأن الدين للجميع وهم لا يدركون أن الدين للجميع كعبادة وعمل وليس فتوي واستخراج أحكام لأن المنوط به هذا هم أهل العلم والتخصص ويتجرّؤون ويتطاولون علي علماء الدين! وعلي العكس نجد الاحترام للعلماء في معظم إن لم يكن كل الدول العربية والإسلامية. التعلم.. علي الشيخ * وماذا عمن يقول بأنه لا يحتاج لمن يتعلّم علي يديه من العلماء والمشايخ..وأنه يقرأ بنفسه ليصبح كالسلف؟ 1⁄41⁄4 هذا الكلام غير منطقي ولا يصح خاصة مع القرآن الكريم ولو كان الأمر كذلك لكان الأولي به سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أوحي الله له وحيين "وحي القرآن ووحي السنة" فالقرآن وحي جلي ظاهر حيث كان ينزل سيدنا جبريل بالآيات ويقرأ علي رسول الله يُحفّظه ويسمع منه ويشاهده ويعاينه أما السنة فكانت تأتيه إما إلهاماً أو رؤيا وبطرق مختلفة واللفظ في القرآن هو نفسه كما نزل به الوحي أما في الحديث فهو بالمعني ولذلك يقول تعالي: ¢لا تُحرّك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه¢ فقد أُمر الرسول باتباع قراءة جبريل وقد أثني رسول الله علي قراءة ¢ابن أم عبد¢ لذلك قال فيما معناه: من أحب أن يقرأ القرآن غضّاً طريّاً كما أُنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد. كما قال أيضا:¢ أقرأني جبريل علي حرف...¢ لذلك فالقرآن الكريم يختلف تماما عن أي علوم أخري لأنه يعتمد علي التلقين والتحفيظ من فلان لفلان لأنه بلفظه ومعناه وحي من الله بلّغه جبريل ليس هذا فحسب بل استمع كذلك لكيفية حفظ النبي له وكان يعرضه عليه في شهر رمضان سنويا وفي العام الذي توفي فيه عرضه عليه مرّتين والعرض أي الاستماع والإلقاء من الجانبين حتي يتأكد سيدنا جبريل أن سيدنا رسول الله حفظ كما سمع ولذا فمن يقول بخلاف هذا فهو إنسان جاهل جاحد. * لقد منّ الله عليك بالمشاركة في العديد من المسابقات الدولية للقرآن الكريم..فكيف تري حال كتاب الله بين المسلمين؟ 1⁄41⁄4 لاشك أن تعدد المسابقات القرآنية الموجودة حاليا علي الساحة كان لها الفضل الكبير والدور الفعّال في تحقيق النهضة القرآنية في العالم العربي كله تقريبا ومنذ 10 سنوات أو يزيد لم تُسبق فبعد أن كنا نقول في السابق بأهمية الكتاتيب وزوايا تحفيظ القرآن- مع ما لها قديما وحديثاً من دور هام وفّعال- إلا أن المسابقات تفوّقت في هذا الدور تفوّقا كبيراً فالنهضة القرآنية حاليا أكبر بكثير من السابق فقد ساهمت كثيرا في انتشار الحفظة والمُحفّظين علي مستوي العالم العربي والإسلامي كله خاصة وأن التنافس لم يعد معنويا وأدبيا فقط بل صار ماديا أيضاً الأمر الذي أدّي إلي تغيير حال كثير من الحفظة والمُحفّظين كذلك خاصة في المسابقات التي ترتفع فيها قيمة الجوائز المالية والتي قد يفوز بها إنسان مُعدم فتتغير حياته تماماً وهذا ما جعل الحفظة المشاركين في المسابقات الدولية يحرصون علي الذهاب لمُحفّظين مهرة مُتخصصين كي يضمنوا الفوز بمراكز متقدمة لدرجة أن بعضهم يتفق علي الحصول علي جزء معيّن من الجائزة بعد الفوز كما يحدث في عدد من الدول مثل نيجيريا التي تفوّق أبناؤها في حصد جوائز مسابقات دولية عديدة. فهذه المسابقات لعبت دورا كبيرا جدا في كثرة الحفظة وإتقانهم وبعد أن كانت مسابقة ماليزيا" منذ 59 عاما" ثم تلتها مسابقة مكّة" وعمرها 37 عاما" أما اليوم ومنذ 15 سنة فقط لدينا مسابقة مصر والكويتودبي والبحرين والجزائر وقطر وتونس والأردن وليبيا التي خصّصت مسابقة للنساء وأعتقد أنه لا توجد دولة اليوم إلا ولها مسابقة دولية هذا بالإضافة إلي المسابقات المحلية داخل كل دولة علي حدة والمسابقات الدولية تشهد مشاركات من 80 أو 90 دولة ومركز إسلامي للتنافس في حفظ كتاب الله تعالي. التراجع المصري * وما هي أكثر الدول فوزا وحصدا للجوائز والمراكز الأولي؟ 1⁄41⁄4 في السابق كانت مصر لها نصيب الأسد لكنها تراجعت عن المنافسة في الفترة الأخيرة نتيجة عدة أسباب لعل علي رأسها عدم الاهتمام والتدقيق في اختيار المشاركين وربما¢الواسطة¢ هي أخطر سبب وراء سوء الاختيار وعدم إحرازنا لمراكز متقدمة غير أن هذا التراجع لن يستمر طويلا وستعود مصر بقوة في المرحلة القادمة بإذن الله وسيكون لها التواجد المميز هذا العام في المسابقات القرآنية علي الساحة الدولية خاصة بعد أن أجرينا ¢غربلة¢ تامة ودقيقة للحفظة من خلال لجنة شاركتُ فيها ومعي الشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ عبد اللطيف عبد الحكيم واخترنا أجودهم وأتقنهم وأفضلهم إن شاء الله. لكن من الملاحظ في السنوات الأخيرة أن الأكثر إتقانا وأداءً في هذه المسابقات هم الليبيين الذين كسبوا في مسابقة دبي ما يقرب من 8 مرّات فهي تقريبا من أكثر الدول حصدا للمراكز الأولي عالمياً فهم مع حفظهم للقرآن الكريم يؤدون أداءً جيدا وهذا شئ طيب. ثم تأتي دولة نيجيريا بعد ذلك ثم تايلاند والمغرب وقد بدأت بعض الدول في حصد عدد من المراكز مثل الكويت وقطر والسودان والمهم في كل هذا أن المشاركة لم تعد قاصرة علي بلد بعينها كما كان في السابق محصورا في مصر وهذا يعني أن الفرص أصبحت متساوية بين الدول في التنافس. كثرة الكتاتيب * من الملاحظ أن عدد الكتاتيب قلّ في الفترة الأخيرة بالرغم من زيادة عدد مسابقات القرآن محليا ودوليا؟ 1⁄41⁄4 علي العكس من ذلك لم يقلّ عدد كتاتيب تحفيظ القرآن ففي القاهرة مثلا كثرت الكتاتيب والمعاهد ودُور ومراكز تحفيظ القرآن الكريم لكن ملاحظة قلّة الكتاتيب فهذه في القري والريف المصري مقارنة بما كان عليه الأمر سابقا فالقري تعاني بالفعل فقرا ونقصا في عدد الكتاتيب بل إن بعض القري لا يوجد بها كُتّاب واحد فالأمر انعكس وصارت المدن والحضر أكثر حرصا واهتماما بتحفيظ القرآن من القري التي كانت معروفة بهذا التوجه بل إنها الآن أكثر نشاطا وتضم كل الفئات والمراحل العمرية ولم تعد قاصرة علي السن الصغيرة فهناك كتاتيب ومراكز تحفيظ قرآن للكبار رجالا ونساءً وأنا لدي 15مركزا موزعين في محافظاتالقاهرة والإسكندرية والشرقية والقليوبية. * ولماذا انقلب الحال من وجهة نظرك؟ 1⁄41⁄4 في السابق كان الناس في القري والريف عامة أكثر حُبّاً وارتباطاً بالقرآن وكانوا يحرصون علي تحفيظ أبنائهم القرآن- علي الأقل من باب أن ذلك يُعينهم علي الدراسة والتفوق فضلا عن كون ذلك¢بركة¢ في البيت حتي أن كثيرا من البيوت الميسورة كانت تحرص علي استضافة القُرّاء وخاصة خلال شهر رمضان المعظم أما اليوم فقد انشغل الناس بالتليفزيونات والفضائيات وأمور الحياة المعيشية هذا بالإضافة إلي حالة الفقر التي تعاني منها القري أكثر من المدن جرّاء الحالة الاقتصادية اليوم وكذا ندرة وجود المشايخ والقرّاء في تلك القري مما أثّر سلباً علي وجود الكتاتيب وحتي إن وجدوا فهم ليسوا علي درجة الإتقان والضبط مثل من هم في المدن والمتاح لهم فرص التعلُّم بشكل أوسع وأتقن وإن وجد الكُفء فلن يستطيع التكسّب والعيش من قيامه بهذا العمل الجليل. وبالرغم من كل هذا فإنني آمل كثيرا في سد هذا النقص والعجز والخلل بعد تولي الدكتور أحمد الطيب أمور مشيخة الأزهر لأنه يتجه بقوة نحو إحياء وإعادة القرآن الكريم إلي قلوب وصدور الناس مبتدئاً بالأطفال وخاصة في القري والريف والمعاهد الأزهرية عامة مؤكدا أن التلميذ ينبغي ألا يصل إلي المرحلة الرابعة من الابتدائية إلا ويكون حافظا للقرآن الكريم كاملاً وهذا شئ طيب ومحمود من شيخ الأزهر د. الطيب الذي يسعي للإكثار من الكتاتيب المؤهلة لذلك وليته يُعيد نفس المنهج والأسلوب الذي كان مُتّبعاً في السابق بإيجاد إعانات لتلك الكتاتيب لدعمها وبإشراف كامل من الأزهر وبشروط معينة كأن يكون المُحفّظ مُلزماً بتسليم عدد معيّن من الأطفال الحفظة لأجزاء من القرآن شهريا وهكذا وأذكر أنه تم رصد مبلغ 15 مليون جنيه في آخر مسابقة نظّمها الأزهر الشريف في حفظ القرآن وأري أنه لو تم رفع قيمة المكافأة أو الراتب للمحفّظ ليكون ألف جنيه شهريا بدلا من 50 أو 60جنيها لكان هذا دافعا قويا لتوجّه الكثيرين للحفظ والتحفيظ. مثار للسخرية * يتعرّض القارئ وعالم الدين عموما للتشويه والاستهزاء والسخرية منه في وسائل الإعلام المختلفة..فما هي الأسباب والآثار المترتبة علي ذلك؟ 1⁄41⁄4 هذا الوضع للأسف الشديد ليس وليد اليوم بل هو من سنوات طويلة وإن كان هذا الأمر قد ازداد سوءاً في الفترة الأخيرة حيث يسخر الإعلام من كل من هو¢مُعمّم¢ أو¢مُكوكل¢ أي يرتدي العمّة والكاكولا فكان لهذا أثره البالغ في إظهار العالم في صورة سيئة جدا ومُزرية ومشينة جعلت المجتمع كله ينظر له نظرة دونية مُحقّرة لمكانته ولشخصه وأنه ليس إلا رجل¢تُربي¢ متخلّف أو¢فقي¢ كما يقولون حتي إن بعضهم يهدد الآخر إن لم يسكت بجعله¢فقي¢ أي يخرق عينه ويجعله ¢أعور¢..فهذا هو تصوّر المجتمع للعالم وصاحب الزيّ الأزهري خصوصاً الذي يُعرض ويُقدّم في الإعلام علي أنه شخص¢متبهدل¢ ورقيع وراقص و¢هُزُء¢ فمن يقبل أن يضع ابنه في هذا الموضع؟! * في السابق كنا نعرف ¢الشيخ المدرسة¢ أو صاحب الموهبة المتميّزة التي تُميّزه عن غيره واليوم أصبح الجميع مجرّد¢مقلّد¢ وصورة لغيره..فلماذا حدث هذا؟ 1⁄41⁄4 للأسف الشديد هذه حقيقة وإن كانت مؤلمة فلم نجد هذه المدارس إلا في المشايخ الكبار الأولين وأعتقد أن آخر مدرسة للمواهب هو الشيخ محمد محمود الطبلاوي وأميز شئ فيه أنه لو سمعه أي شخص يستطيع التعرّف عليه دون جهد فهو صاحب ¢ ستايل¢ أو ¢بصمة¢ مخصوصة مثل عبد الباسط والحصري والمنشاوي والبنا. وفي عصر الستينيات تكاد الأصوات تكون مقلّدة للأصوات السابقة فنجد مثلا الشيخ راغب غلوش كان يأخذ من الشيخ مصطفي رفعت ولكن له طريقته وصوته المميز وإن لم يصنع له مدرسة جديدة كالطبلاوي الذي ليس فيه أي تقليد لسابق فهما قرناء ومعهما شعبان الصياد الذي كان مميزا لكنه مُقلّد ولم يخرج عن عباءة التقليد وكذا الشيخ شبيب وأحمد عامر واليوم طنطاوي وحجاج والشحّات أنور الآخذ من مدرسة الزناتي فالذين وجدوا في هذه الفترة هم ¢ عالة¢ علي أصوات عصر الخمسينات وحتي الآن لم تظهر موهبة لماذا؟ لو ظهرت فلن تجد من يصقلها أو يرعاها نحن لا نُعيب علي من يقرأ ويُقلّدفالفيلسوف يبني فلسفته علي سابقيه مع تنميتها والإضافة إليها ويضعها في قالب خاص به ونفس الشئ مع قارئ القرآن ولكنه يحتاج لمن يأخذ بيده ويؤهله ويُعدّه ليكوّن مدرسة خاصة وكل الموجودين علي الساحة اليوم مُقلّدين مثل د. أحمد نعينع. * وما رأيك في القُرّاء المغالين في أجورهم؟ 1⁄41⁄4 بداية تعالي نتفق علي أن هذا الأمر هيّن بالنسبة لمن يقوم بالإمامة ويتفق علي ¢قبض¢ الآلاف!فهذا أسوأ بكثير ومع هذا فالقراءة لم تكن مهنة موجودة من قبل بل هي مستحدثة في عصرنا الحاضر ولن أُحرّم أخذ الأجر علي القراءة ولست بأعلم من الشيخ الشعراوي- رحمه الله- الذي أجاز ذلك هو وغيره لكن مسألة الأجر علي القراءة فيها خلاف حول من يري تحديده أو تركه للمقدرةفأخذ الأجر لا بأس فيه أولاً ولكن التحديد هل هو حرام أم لا؟ فالذي يُحضر القارئ الفلاني أو العلّاني فهو لا يُحضره من أجل القرآن ذاته وإنما لإسم القارئ وحتي يسمعه فإذا كانت الراقصة أو المغنّي يأخذ 50 60 ألفاً فما العيب في أن يأخذ الشيخ 1020 ألفاً؟ لكن القضية الأهم هي: هل لهذا القارئ أو الذي أحضره أجر؟ لا أعتقد. لأن الأول قد طلب أجره الدنيوي ولو طُلب مجانا لما ذهب أبدا ولو ¢قطعت رقبته¢ والثاني أحضره للرياء والسمعة وإذا طلب منه¢عينيه¢ لأعطاهما إياه وأحيانا يُحضره ولا يقرأ بل لمجرد الظهور أمام الناس¢لزوم الفشخرة¢ وأنا شاهد علي مثل هذه الأمور لدرجة أن أحدهم طلب مني إحضار قارئ مُعيّن حتي وإن لم يقرأ والقارئ قال لي: لن أذهب ولو أعطاني¢شوال فلوس¢!! فهل تتوقع أن مثل هذين سيحصلان أو حتي ينتظران أجراً فالاثنان خاليان من الأجر الأخروي ولو كان أحضر قارئا عاديا لم يحدد أو يشترط فقد يكون هذا مقبولا عند الله عن غيره..ومعني الحديث الشريف يؤكد ذلك والذي يروي أن ثلاثة أصناف هم أول من تُصعّر بهم النار يوم القيامة..الشهيد والجوّاد والعالم أو قارئ القرآن..لأن كلاً منهم فعل ذلك حتي يُقال عنه شجاع ومقدام أو كريم وجوّاد ومعطاء أو عالم وقارئ قرآن..وقد قيل أي أنه أخذ أجر ما نوي. * لقد شاركت في العديد من المسابقات الدولية واطّلعت علي أحوال معظم المسلمين في العالم أجمع..فما هي الحصيلة التي خرجت بها من دروس وعبر مستفادة وتريد أن تُقدّمها كنصيحة للمسلمين عامة ولشباب المقرئين خاصة؟ 1⁄41⁄4 نصيحتي أن المسابقات القرآنية الدولية أثمرت شيئا دوليا وهو إخراج وإعداد وتأهيل جيل قرآني من النشء الصغير والمطلوب منا أن نأخذ بأيدي هؤلاء النشء ونوجههم الوجهة الصحيحة والسليمة التي تخدم المجتمع الإسلامي فليس تخريج جيل قرآني يتنافس في حفظ القرآن هو المطلوب فحسب وإنما أن أصقل هذا الجيل أخلاقيا وأزوّدهم بالعلم النافع والإقتداء بخطي النبي صلي الله عليه وسلم في كل أمور حياتهم الدنيوية حتي يكونوا الدعائم التي ترتكز عليها الأمة في نهضتها وتقدمها فهم مستقبل الأمة والمنوط بهم إظهار الأمة وتقديمها في الصورة والمكانة التي تليق بها وسط الأمم لأنه إن لم يتحقق ذلك فلا فائدة من تلك المسابقات. إياكم والغرور * كلمة أخيرة تريد أن توجهها إلي شباب المقرئين؟ 1⁄41⁄4 أهم شئ يجب عليهم ألا يقعوا فيه هو التقليد وإنما يكون التقليد في مرحلة أولي ثم ليصنع كلُُ منهم طريقه وموهبته ليُميّز نفسه وأذكر هنا أنني أشرت علي أعضاء لجنة اختيار أصوات المقرئين الجدد بالإذاعة والتليفزيون المصري بضرورة الوقوف بجانب هؤلاء الشباب ودعمهم والأخذ بيدهم وإلا فلن نجد بديلا. وأُحذّر أبنائي المُقرئين الشباب من أخطر آفة تصيب الكثيرين ألا وهي ¢الغرور¢ لأنها مهلكة للقارئ فكل من منحه الله تعالي موهبة في الصوت مع حفظه للقرآن فليحمد الله علي ذلك ولا يغتر أبداً فالقرآن الكريم ليس له كبير وكذلك الصوت وهنا أذكر مثلين في اثنين من القُرّاء المعاصرين قد تُوفيّا في شبابهما وكانا من أجود الأصوات ولكنني كنت أري فيهما نوعاً من الغرور وقد أصيبا في صوتهما قبل وفاتهما بفترة ومُنعا من القراءة في حين أن قُرّاءنا الكبار من القدامي عاش الواحد منهم لأكثر من 70عاما وهو يتمتع بصوته وموهبته فالأحبال الصوتية رقيقة جدا ولا يملكها سوي خالقها الذي يهبها لمن يشاء وينزعها ممن يشاء. لذلك أقول لهم:اتركوا الغرور جانبا وذلّوا أنفسكم لله وللقرآن وتذكروا دوماً أن هذه نعمة من الله وأنها في لحظة ممكن¢تروح¢ وكلما تواضعتم لله رفعكم وسدّد خُطاكم وزادكم من نعمه في الصوت والقرآن وبارك لكم فيما رزقكم وحفظه لكم.