تسبح سفينة الوطن في بحر من الفتاوي التحريضية المتبادلة التي يدفع ثمنها أبناء الوطن الأبرياء الذين قد يدفعهم الحماس الذي يصل أحيانا إلي درجة التعصب إلي فقدان أرواحهم وحرق ممتلكاتهم بل قتل وإصابة ذويهم. وهل كله مرفوض إسلاميا وبعيد عن ما يتصف به الإسلام من الوسطية والاعتدال من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يحذر من الدائرة الجهنمية لفتاوي التحريض الذي يصل أحيانا إلي حد التكفير. لم يتوقف الأمر عند فتوي عاصم عبد الماجد أثناء اعتصام رابعة بأن ¢ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ¢ وعلي عند فتوي الدكتور علي جمعة بإباحة قتل الإخوان وأنصارهم باعتبارهم خوارج حين قال ¢ طوبي لمن قتلهم وقتلوهم ¢. ولا عند فتوي مظهر شاهين بمقاطعة تجار الإخوان وطلاق نسائهم وعدم دفن قتلاهم في مقابر المسلمين وعدم الصلاة عليهم. وعلي عند فتوي الدكتور القرضاوي بالتحريض علي عدم إطاعة الجنود لقادتهم وضرورة نزول كل أبناء الشعب المصري للتظاهر ومن يموت منهم فهو شهيد. ومن لم يستطع النزول بنفسه عليه السماح لزوجاتهم وأولادهم بالنزول. جاءت مؤخرا فتوي الدكتور محمد عبدالمقصود- الأستاذ المفصول من كلية أصول الدين لانقطاعه المستمر عن العمل بدون إذن - بجواز حرق سيارات الشرطة. واستهداف منازل رجال الشرطة استهانة بالغة بالدماء. دونما بيان الأصل الشرعي الذي يمكن أن يستهدف شخصاً لمجرد ارتدائه لزي الشرطة. وقد أثارت هذه الفتوي غضب الكثيرين منهم الجبهة السلفية التي عبرت عن موقفها من خلال بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمها المهندس عبدالمنعم الشحات الذي أكد أن شقيق عبد المقصود كان لواء شرطة. متسائلاً:هل كان يرضي بأن يستهدفه أحد أو يستهدف منزل الأسرة أو العائلة؟. مؤكدا أن استهداف شخص في بيته لا يجوز فيما نعلم إلا في حالة الكافر الحربي أو المعاهد الذي غدرولهذا فإن استهداف البيوت وفيها النساء والأطفال لا تجوز حتي في قتال الكفار. فكيف في مواجهة الحكومات التي يؤكد بيان الإخوان أنهم مسلمون. وأنهم لا يجيزون استعمال العنف معهم. لافتا إلي أن هذه الفتاوي ترتد علي أصحابها فتؤخذ. ويستخرج بها فتاوي للجنود بأن يبدأوا هم وإلا قتلوا. وأستنكر الشحات هذه الفتاوي التحريضية من الجميع لأن هذه الفتاوي كان لها أكبر الأثر فيما آلت إليه الأمور. ومن عجيب الأمور أن يكون التعليل هو أن هذا لا ينافي السلمية والواجب علي من يتصدي لبيان حكم شرعي في واقعة ما أن يعني بمعرفة الأحكام الشرعية وأن يعني بمعرفة الواقع لا أن ينشغل بما تقرره أكاديمية التغيير في قطر أو في غيرها من تعريف السلمية مع أن هذه الأفعال بلا شك خارجة عن السلمية وفق تعريف هذه المناهج التي وإن تجاوزت وقررت أن كل ما دون الرصاص سلمية في التعامل مع مدرعات الشرطة إلا أن استهداف بيوت أفراد الشرطة لا يعد وفق تعريفاتهم من السلمية بل هو ورطة قانونية بالإضافة إلي الورطة الشرعية وهي أدهي وأمر. استهداف الشرطة من المؤسف أيضا انه انتشرت في الآونة الأخيرة نشر صور أفراد الشرطة ونشر أرقام هواتفهم وعناوينهم بغية التحريض علي الاعتداء عليهم أو سياراتهم أو ذويهم بسبب ما يقوم بعض المنفلتين من تجاوز بل إجرام أحيانا وقد صدرت فثاوي تؤيد الاعتداء علي هؤلاء الضباط وذويهم وإحراق مع أن الأصل في الدماء والأملاك والأعراض الاحتياط وعدم التعدي عليها بأي وسيلة. وقد استنكر الدكتور منير جمعة - وهو من علماء المؤيدين للإخوان - هذه الفتاوي المتعصبة الصادرة من بعض رموز الإخوان قائلا: إن كثيرًا من أفراد الشرطة لا علاقة لهم بطبيعة عملهم بفض التظاهرات كمن يعمل بالجوازات أو المرور أو السياحة وما شابه ذلك فليس مجرد انتسابهم للشرطة يوجب الاعتداء عليهم فقد قال تعالي "ولا تزر وازرة وزر أخري" . تحريض مرفوض يشير الدكتور صلاح نصار - خطيب الجامع الأزهر - إلي خطورة مثل هذه الفتاوي المتبادلة التي تفتح الأبواب لإراقة الدماء مع أن الرسول صلي الله عليه وسلم حذرنا من ذلك حين قال ¢ إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا¢. وأوضح الشيخ صلاح نصار إلي أن للدماء في الإسلام حرمة اكبر من حرمة الكعبة فما بالنا إذا كان التحريض علي القتل صادر من العلماء الذين يجب أن يعلموا الناس أحكام الشرع فإذا بهم يفتون بإراقة الدماء مع أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ¢من أعان علي سفك دم امرئ مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمتي¢. اوضح الدكتور عبدالمقصود باشا.رئيس قسم التاريخ بكلية اللغة العربية - جامعة الأزهر. الي انه في أوقات الفتن والصراع السياسي عبر التاريخ الإسلامي تكثر مثل هذه الفتاوي المنفلتة وغير الملتزمة بأحكام من أحكام الشرع ابتداء من الفتنة الكبري نفسها حيث يبرر كل فريق موقفه بأن الدين معه مع أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال ¢ الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ¢ وأشار الدكتور عبدالمقصود باشا. إلي ضرورة قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه باعتباره خير معلم لمن أراد أن يتعلم لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. الوسطية هي الحل عن المخرج من هذه الفتاوي الجهنمية يقول الدكتور محمود السماسيري- أستاذ الإعلام بجامعة اليرموك الأردنية أمين عام المجمع الدولي لإعادة بناء الفكر الإسلامي: الوسطية هي الحل فلابد أن نُعرّف أن أوسط الشيء أعلاه وأن الوسط هو التقاء الطرفين عند نقطة واحدة وهذا ما يعني أن يتحرك كل طرف من النقطة التي يقف فيها الي نقطة الوسط ليلتقي مع الطرف الآخر الذي يفترض أن يقوم بنفس الجهد لتحقيق الهدف عينه.