استنكر أساتذة جامعة الأزهر رمي العلماء بالكفر معتبرين ذلك كبيرة من الكبائر ومعصية عظيمة وتدخل صارخ في أمر اختصه الله لنفسه وتجرؤ علي مشيئته عزوجل. حذروا من أن تكفير العلماء يتسبب في إحداث فتنة داخل المجتمع "عقيدتي" تحاورت معهم وفي السطور القادمة آراءهم بالتفصيل. الدكتور المحمدي عبدالرحمن الأستاذ بجامعة الأزهر ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر سابقاً قال: إنه لا يمكن لأي إنسان كائناً من يكون أن يحكم علي عالم من العلماء بالكفر ويصفه بهذه التهمة البشعة التي تجعله يخسر الدنيا والآخرة لأن الكفر كلمة عظيمة والكافر هو من يجحد وجود الله ولا يقر بالألوهية وحاشا لله أن يوجد بيننا من يصف العالم أو أي إنسان آخر بهذه الصفة. وأضاف: إذا أخطأ العالم أو حتي نافق السلطان أو أقر أمراً به شبهة فلا يصح بأي حال من الأحوال اتهامه بالكفر إنما يمكن أن نقول إنه جانبه الصواب أو خالف أو أخطأ ونطالب بأن يراجع نفسه فمهما اختلفنا مع شيخ الأزهر ولا يمكن أن نصفه بالكفر والعياذ بالله. وشدد علي أن التكفير مرفوض شرعاً حتي الخوارج الذين خرجوا علي سيدنا علي رضي الله عنه لم يكفرهم ولما سأله أصحابه أكفار هم؟! قال رضي الله عنه: لا هم من الكفار فسروا ذلك استناداً لقول النبي صلي الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وأن سرق وإن زنا فرد عليه أبوذر وقال وإن سرق وإن زنا يارسول الله فكرر النبي وإن سرق وإن زنا وإن شرب الخمر رغم أنف أبي ذر. وأضاف: قد يختلف العلماء مع بعضهم البعض في الآراء والمواقف لكن أن يوصم عالماً بالكفر فهذا هو الخزي والجهل بعينه .. ولولاً الاختلاف ما عشنا علي هذه الأرض فالتنوع والاختلاف هما ثقافة الإسلام ولولا هذا التنوع ما ظهرت لدينا المذاهب الأربعة التي نعيش ونتعايش بها وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيي غير خطأ يحتمل الصواب. أنواع الكفر واستطرد: العلماء قالوا هناك كفر دون كفر فهناك كفر بالله وكفر بالنعمة والحاكم الذي لا يحكم بشرع الله لا يمكن أن نرميه بالكفر إلا إذا أنكر شرع الله ودينه لكن إذا لم يطبقه وأقر به فليس بكافر وإنما يكون مخطيء وفي هذا الصدد وردت ثلاثة ألفاظ في القرآن الكريم حيث قال تعالي: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" . وكذلك قال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" وقوله كذلك: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون". خلق الفتن وأشار د. المحمدي إلي أن من يكفر العلماء عقابه شديد عند الله سبحانه وتعالي لأنه ييأس الناس من رحمة الله عزوجل كما أنه يكون سبباً في أحداث فتنة في المجتمع أضف إلي ذلك أنه يكون ذريعة لقتل من وصف بالكفر. وأضاف: من يكفر عالماً هو إنسان جاهل بحقيقة الدين فما بالنا بالعالم الذي يكفر عالم فعقابه شديد لأنه يثير الفتنة وليس من مهمة العالم إثارة الفتنة داخل المجتمع وإنما مهمته اخمادها لافتا إلي أن العلماء هم ملح البلاد إذا انحرفوا انحرفت الأمة بأسرها. شبهة الكفر ووافقه الرأي الدكتور سعد جاويش أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر قائلاً: من رمي بكلمة الكفر أخيه باء بها أحدهما أما من تحدث وأما من رمي بها ولا يصح إطلاقاً رمي العلماء بالكفر لأن العلماء هم ورثة الأنبياء وإذا ما انحرفوا في أمر من الأمور أو وقعوا في أمر به شبهة أو أخطأوا ليس الكفر هو عقابهم وإنما يمكن القول أنهم أخطأوا وحادوا عن الطريق الصحيح. وأضاف: من قال لا إله إلا الله ليس كافراً مهما أخطأ ولنا في رسول الله القدوة الحسنة حينما قال لأسامة بن زيد لما قتل رجلاً في إحدي المعارك و قبل أن يرمي الرجل بسيقه نطق الرجل الشهادتين لكن أسامة قتله فغضب الرسول صلي الله عليه وسلم وقال له هل شققت عن صدره إن قال قد قالها تقية أم حقيقة فحزن أسامة حزناً شديداً ولاذا بشجرة. وأوضح أن من يكفر عالماً أو مسلماً إسلامه هش وضعيف وجاهل بأمور دينه فالجهل هو الذي يؤدي لذلك. آفة التكفير آما الدكتور عبدالرحمن جبرة وكيل أصول الدين فأوضح أن هناك قاعدة دينية عريضة متفق عليها بين العلماء تنص علي أنه لا يجوز تكفير مسلم أو مؤمن بالوزر مهما كان هذا الوزر أو الذنب الذي ارتكبه.. والعلماء بصفة خاصة لا يجوز تكفيرهم لأنهم ربما تأولوا أمراً لا يعرفوا غيره واجتهدوا في حكم وفهموه بطريقة معينة وهم علي قناعة أنهم علي صواب وبهذا لا يجوز تكفيرهم بحال من الأحوال إنما يترك أمرهم إلي الله سبحانه وتعالي فهو الأعلم ببواطن الأمور وما تخفي الصدور. فالتكفير مبدأ مرفوض في الشريعة الإسلامية والإسلام لما جاء قسم الناس إلي مسلمين وكفار ولم يقسهم إلي مسلم ومنافق وكافر كما أنه لم يجعل النفاق ظاهرة تحارب وتكفر إنما قال إن مرجعهم إلي علام الغيوب الذي يعلم بما تكن صدورهم.. حتي المنافق الذي مصيره يكون مع الكفار في الآخر كما أخبرنا القرآن لا يجيز الإسلام تكفيره أو الحكم عليه بالنفاق لأنه يصلي صلاتنا ويستقبل قبلتنا ويأكل دبيحتنا وعقابه علي الله عزوجل. وشدد د. جبرة علي أن تكفير العلماء معصية عظيمة وكبيرة من الكبائر لا تمر دون عقاب من الله عزوجل كما أن تكفير الناس أو الحكم عليهم بالكفر ليس من شيم العلماء وإنما مهمتهم إظهار الحلال والحرام للناس وتوضيح الأمور الملتبسة كما أنهم ليسوا حكاماً علي عباد الله يطلقوا عليهم أحكاماً قد تؤدي بحياتهم. واستنكر د. جبرة تلك الفتاوي التكفيرية التي يطلقها بعض الدعاة باستباحة دم أناس بعينهم واصفاً هؤلاء الدعاة بعلماء الفتنة كما هم معروفون في التاريخ الإسلامي وليس هذا فحسب فهو يعتبرهم محرضين علي القتل. ولفت إلي أن التكفير قبل أن يكون مبني علي قواعد إنما هو مبني علي أحقاد وضغائن تنفث بها صدور قائلها تؤذي هذا وذاك وتبيح الدماء كما أنه يعد تدخلاً صارخاً في أمر آختصه الله لنفسه وتجرؤ علي الله حينما قال تعالي "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء".