عرف التاريخ الكليات العلمية المنتظمة.. داخل اروقة الأزهر. توصل المؤرخون لبدايات المعاهد العلمية فوجدها داخل الجامع الأزهر فالجامعات في العالم عرفت بدايتها مع انشاء الأزهر. الأزهر.. جامعة.. أول صرح علمي أكاديمي عرفته البشرية. علي هداه تم انشاء الجامعات في العالم بشكلها الحالي. لأول مرة في التاريخ الاسلامي تحتل مصر مكانة الخلافة والسيادة علي العالم الاسلامي ويكون الازهر هو رمز هذه الدولة.. وهي الدولة الفاطمية. ولذلك أخذ الأزهر شهرته العالمية والتاريخية فهو الجامع.. والجامعة في دولة مثل مصر.. وهو في نفس الوقت دار الخلافة والهيمنة لا دار ولاية. والأزهر منذ افتتاحه عام "972" وبالتحديد في 23 يونيو لم ينشأ ليكون جامعة أو معهداً عادياً. وليس من ملابسات انشائه ولا في سيرته الأولي ما يدل علي أنه انشيء لمثل هذه الغاية العلمية أو الدراسية بل كان الهدف من إنشائه أن يكون مسجداً رسمياً للدولة الفاطمية في عاصمتها الجديدة "القاهرة" ورمزاً لسيادتها الروحية ومنبراً لدعوتها الدينية. امتثالاً لنهج الولاة في مصر حيث بني عمرو بن العاص مسجده ليكون رمزاً للدولة الاسلامية الوليدة في العاصمة الجديدة "الفسطاط" وأنشأت الدولة الطولانية مسجد أحمد بن طولون في العاصمة الجديدة "القطائع" وجاء الفاطميون لتكون مصر مقر الخلافة في مدينتهم الجديدة "القاهرة" والأزهر رمزها. اتجاه بالصدفة أما الاتجاه العلمي والدراسي بالأزهر فقد جاء وليد الصدفة والملابسات التي تمثلت في فكرة جالت في خاطر يعقوب بن كلس وزير الخليفة والتي تقبلها وتحمس لها الخليفة العزيز بالله. في عام 198 عرض الوزير ابن كلس علي الخليفة مشروعاً علمياً يتلخص في أن تقوم الدولة باختيار جماعة من الفقهاء للتدريس والقراءة في الأزهر بصفة دائمة ووفق نظام مرتب. وحدد ابن كلس في مشروعه التزامات الدولة حيال هؤلاء الطلاب. كان عليها أن تشملهم برعايتها. فترتب لهم أرزاقاً شهرية وجراية "أي مجموعة من الأرغفة من الخبز تصرف لهم بانتظام" وتعد لهم داراً للسكن علي مقربة من الجامع الأزهر وهذا هو نظام المدن الجامعية بكل دقة. فضلا عن نظام المكافآت التي تصرف للطلبة. والنظام الجامعي وهو الانتقام في الدراسة. لقي هذا المشروع الفريد من نوعه استجابة فورية من الخليفة العزيز بالله فأمر بتعيين خمسة وثلاثين طالباً اختارهم ابن كلس. واعتمد الخليفة تعيينهم. واكثر من ذلك سمح الخليفة لهؤلاء الطلاب بركوب البغال حيث كانت مقصورة علي العلماء فقط. اولي الحلقات الدراسية ويذكر المقريزي في "الخطط" أن اولي الحلقات الدراسية التي أقيمت في الأزهر كانت في عهد الخليفة المعز لدين الله في عام 975 حيث اجتمع رمط كبير من العلماء والكبار ليستمعوا إلي درس يلقيه أبو الحسن علي بن محمد بن النعمان القيرواني قاض القضاة حيث أثبت قاض القضاة أسماء الحضور. ثم قام بشرح مبادئ الفقه الشيعي. وهو مختصر لكتاب في الفقه الشيعي الاسماعيلي الذي وضعه والده الذي كان يعرف ب "ابن حيون" حلقة "ابن كلس" ويرجع د. محمد عبدالله عثمان في مؤلفه "تاريخ الجامعة الأزهر" أول مجالس جامعية حقيقية عقدت في الأزهر الي حلقة الوزير ابن كلس. حيث جلس في رمضان عام 369 هجرية بالأزهر وقرأ علي الناس كتاباً قد ألفه في الفقه الشيعي علي مذهب الإسماعيلية يسمي "الرسالة الوزيرية" وقد هرع إلي هذه الحلقة العلمية القضاة وكبار رجال الدولة ورجال القصر والحكومة والادباء والفقهاء.. وكانت تمتاز الحلقات هذه عن حلقات بن النعمان بتحررها من القيود الرسمية واتجاهها نحو الغايات العلمية قبل اتجاهها نحو المثل المذهبية. دراسة شاملة اصبحت الدراسة في الأزهر هي الشغل الشاغل لطلاب العلم في مصر حيث يقوم الطالب بدراسة الفقه والدراسات اللغوية من نحو وصرف وبلاغة وغيرها من المواد الأدبية والأمور تسير بالأزهر علي خير ما يرام حتي تعرض الأزهر لاولي الضربات التي وجهت إليه عبر التاريخ جاءت هذه الضربة من الدولة التي أنشأته ففي عام 1005 حيث أنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة لتضاهي الأزهر في نوعية دراسته. بل أصبحت دار الحكمة هي محل اهتمام الكبراء وجذبت الطلاب إليها بعيداً عن الأزهر حيث كان يدرس فيها الطب والفقه بالاضافة إلي عقائد المذهب الاسماعيلي وهي عقائد سرية. لكن الأزهر حافظ علي وضعه في تخصصه بدراسة المبادئ العامة للفقه الشيعي دون إغراق في الدراسات الشيعية المتخصصة فكانت وظيفة الأزهر تخريج علماء الدين واللغة. أما دار الحكمة فاختصت بتلقين الدعوة السرية الفاطمية وهذا يؤكد أن الأزهر منذ بداياته لم يكن جامعة للتدريس المذهبي المتعصب. طريق واضح وهذا ما يؤكده المؤرخ عبدالعزيز الشناوي يقول: الطريق الذي سلكه الأزهر ايام الحكم الفاطمي كان واضحاً ومستقيماً لا تري فيه عوجاً ولا أمتا وظل موئلا للثقافة الدينية والدراسات اللغوية والأدبية مع الاهتمام بالعلوم الدينية والمبادئ العامة للفقه الشيعي دون أن يحد من حريته القيد المذهبي الدقيقي التزمت وبعبارة أخري كان الأزهر يقوم بتدريس المبادئ الفاطمية الظاهرة مثل تعظيم آل البيت دون تدريس المبادئ الخفية وهي مبادئ موغلة في الإلحاد. محاربة الأزهر وتدخلت السياسة لتعصف بنشاط الأزهر الجامعي زهاء ثمان وتسعين سنة أي من عام 1171: 1267م" حيث اعتمد صلاح الدين الأيوبي سياسة الموت البطئ لجامعة الأزهر. كي ينسي الناس المذهب الفاطمي المخالف لمذهب "المذهب الشافعي" حيث اصدر قاضي القضاة قراراً بعدم جواز اقامة خطبتين للجمعة في بلدة واحدة. وعلي ذلك ابطل صلاة الجمعة بالجامع الأزهر وإقامتها في مسجد الحاكم بأمر الله وبالتالي أمر صلاح الدين بعدم اقامة صلاة الجمعة بالأزهر وأريد بهذا القرار طمس أهمية الأزهر في اذهان الجماهير. وتبع هذا القرار عدة قرارات أخري حين أمر صلاح الدين بحرمان الأزهر من موارده المالية وقطع الكثيرون من أوقافه. لم تتحرك الدولة وقتها ضد بعض الناس الذين اغتصبوا بقية اوقاف الأزهر مستغلين موقف صلاح الدين ضد الأزهر وحرم الازهر من اقامة الحفلات الدينية والصلوات التي كانت تقام في رحابه في المناسبات الرسمية وتحرك إمراء وأثرياء الدولة الايوبية في القضاء تماماً علي دور الأزهر التعليمي فأنشأوا عدة مدارس لتكون بديلاً عن الأزهر منها: المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي علي مقربة من مسجد عمرو بن العاص. والمدرسة القمحية لتدريس المذهب المالكي والمدرسة السيوفية لتدريس المذهب الحنفي ومدرسة أخري بجوار مقام الامام الشافعي وتولي التدريس في هذه المدارس جماعة من كبار الاساتذة وأجريت عليهم الأموال الطائلة من بيت المال الأمر الذي أدي إلي هرولة من كان يدرس بالأزهر إلي هذه المدارس وظل الازهر طيلة حكم الدولة الايوبية في الظل متخلفاً عن مساجد مصر. الأزهر والظاهر عاش الأزهر "جامع وجامعة" في الظل متخلفاً عن مساجد القاهرة زهاء ثمان وتسعين سنة. كانت هذه المدة هي حكم الدولة الأيوبية وسبع عشر سنة من حكم المماليك البحرية حتي اتيحت للأزهر شخصية اخذت علي عاتقها مسألة الأزهر وايجاد حل لها وهو السلطان الظاهر بيبرس. ففي عام 1267 سعي الامير عز الدين ايدمر نائب السلطنة للسلطان وتحدث معه في موضوع الأزهر فلقي حديثه استحساناً من السلطان واستعداداً طيباً. وأمده بالأموال. وتبرع نائب السلطنة بأموال وفيرة من ماله الخاص لترميم الجامع. وتوسعة الجامع. وأعاد السلطان أموال الأزهر وأوقافه التي نهبها الناس واغتصبوها. وأراد السلطان أن يعيد صلاة الجمعة للأزهر فاستغني العلماء فانقسموا إلي فريقين الأول افتي بجواز اعادة صلاة الجمعة بالجامع الأزهر وفريق عارض ذلك وتزعم هذا الفريق تاج الدين بن بنت الأعز قاضي القضاة ويذكر السيوطي أن السلطان حينما رأي تعنت قاضي القضاة علي موقفه عزله وعين قاضياً حنفياً فاذن بصلاة الجمعة. وأقيمت صلاة الجمعة بالأزهر في 17 ديمسبر 1267 وكان يوماً مشهوداً في المجتمع المصري. وكانت اعادة صلاة الجمعة بالأزهر واعادة أوقافه رداً للاعتبار لهذا الجامع العتيق فقد استرد مركزه التاريخي القديم كما يقول المقريزي "إن الجامع الأزهر اخذ منذ ذلك الوقت يتزايد أمره حتي صار أرفع الجوامع بالقاهرة قدراً". وبدأ الأزهر يجتذب كبار العلماء من الكليات والجوامع الأخري بل قصده العلماء والذين يفدون إلي مصر ويلتف حولهم علماء الأزهر وطلبته حتي وصل الأمر أن حفل الازهر كجامعة باعضاء هيئة تدريس نوابغ الفكر الاسلامي في شتي العلوم ولم يحدث أن اجتمع في عصر من العصور مثل هؤلاء الشوامخ اعضاء هيئة التدريس بالازهر ومنهم: ابن خالدون. والقلقشندي. والمقريزي. وابن حجر العسقلاني وبدر الدين محمود العيني. وسراج الدين البلقيني. وشرف الدين المناوي. وابن تغري بردي. وشمس الدين السخاوي. وجلال الدين السيوطي. ومحمد بن أحمد بن إياس والشيخ محمد تقي الدين الغاس من المغرب. وللعلم فإن مؤلفات هؤلاء الشوامخ اعضاء هيئة التدريس بالأزهر ترقي إلي مستوي الموسوعات الاكاديمية وأن مؤلفات هؤلاء العمالقة لا تزال إلي اليوم تفرض نفسها فرضاً في شتي مجالات الدراسات والبحث في كل جامعات العالم. الاجازة العلمية انتظمت الدراسة بالجامع الأزهر وتجمع الطلاب في قري ومدن مصر والدول الاسلامية للاقامة في الاروقة للدراسة واهتم الأزهر بنظام الإجازات العلمية وهي الشهادات الجامعية بالمصطلح الحديث وأذكر هنا أن شهادة الأزهر كانت لها قيمة أدبية عظيمة في المجتمع فضلا عن كونها سلاحاً في يد طالب الأزهر المتخرج يخوض بها معترك الحياة وتنقسم شهادات الأزهر في ذلك الوقت إلي ثلاث شهادات. إجازدة الفتيا والتدريس وهي شهادة تعطي للطالب الذي وصل إلي مستوي علمي يؤهله لإصدار الفتاوي والتريس وبمقتضي هذه الشهادة يأذن له شيخه في أن يفتي ويدرس ويذكر فيها الشيخ الكتب التي قرأها الطالب. إجازة بعراضة الكتب: وكانت تصدر في أحوال معينة فإذا حفظ الطالب كتاباً معيناً في أحد فروع العلم فإنه يعرضه علي مشايخ الازهر فينتدبون أحد كبار العلماء في نفس التخصص وموضوع الكتاب. ليناقشه فيه. ويقف علي مدي هضمه للمادة العلمية في الكتاب. والثالثة اجازة بالمرويات علي الاستدعاءات: وكانت هذه الاجازة تصدر لطلاب العلم دون اسلامية غير مصر ويصدر احد كبار علماء الأزهر لطلاب العلم من الخارج دون ان يحضروا للقاهرة بناءً علي معرفة العالم بعلم الطالب وخلقه ويمكن ان يطلق علي هذه الشهادات "شهادة فخرية". وكان الاستاذ في الأزهر يعين بمرسوم يذكر فيه اسمه ولقبه العلمي ومن هذه الألقاب: الجناب الشريف والجناب الكريم. والجناب العالي. عروبة مصر وظل الأزهر كجامعة يؤدي دوره العلمي في العصر العثماني وازداد توسعه واستقلاله وبدأ ينتخب له شيخ له من قبل جمهرة علماء الأزهر والمشايخ وتدخل في الحياة العامة حتي وصل بعلماء الأزهر أنهم ملاذ الشعب المصري يلوذون بهم في الشدائد والازمات السياسية. وأدت الدراسة الجامعية بالأزهر إبان الحكم العثماني إلي الحفاظ علي عروبة مصر. والحفاظ علي النمط السلوكي المصري في الوقت الذي كانت السيادة علي مصر للوالي العثماني الذي لا يعرف العربية ويتحدث التركية. واستمر الوضع للازهر المستقل بالحياة العلمية والسياسية في مصر والدول الاسلامية حتي قدوم بونابرت وظهر الدور البطولي السياسي لطلاب الأزهر مع احتفاظهم بالطابع العلمي واستمراره وبعد أن استتب الأمر بدأ في إنشاء مدارس تنزع الريادة العلمية من الأزهر. وانكمش دور الأزهر بعد أن كانت له الصدارة انكمش دوره في عهد الدولة العلوية "اسرة محمد علي" بسبب انصراف ابناء المصريين إلي الكليات المستحدثة وانتصر دوره علي تخريج طلبة العلم الديني واللغوي حتي جاءت ثورة 23 يوليو وأصدر الزعيم جمال عبدالناصر قانون تطوير الأزهر "1961" وبموجبة تم انشاء كليات أزهرية وعلمية داخل جامعة الأزهر وقسم الأزهر إلي إدارات وأنشأ مدينة البعوث الاسلامية والمدن الجامعية لتكون بديلاً عن الرواق. وجدير بالذكر هنا ألا نغفل الدور البطولي للامام الاكبر د. عبدالحليم محمود والشيخ جاد الحق علي جاد الحق في السعي لنشر التعليم الأزهري قبل الجامعي بالعمل علي نشر المعاهد الأزهرية في جميع قري ومدن مصر فقد توفي د. عبدالحليم محمود وعدد المعاهد الأزهرية قارب الألف بعد أن كان لا تتجاوز اكثر من عشرة معاهد وتوفي الامام الأكبر الشيح جاد الحق علي جاد الحق وعدد المعاهد الأزهرية قد جاوز ستة ملايين معهد وتم الاتساع في إنشاء كليات أزهرية في جميع محافظات مصر. وانشاء جامعة فرعية لأبناء الصعيد في أسيوط. وبالرغم من اتساع التعليم الأزهري إلا أن الأزهر اجتذب الطلاب الضعاف من التعليم العام وألحقهم بمعاهده وكلياته الأمرالذي ادي إلي ضعف التعليم الأزهري حتي الآن.