أكد شباب دول حوض النيل أن النهر يمثل شريان الحياة لكل دول وشعوب الحوض. وأن الله تعالي جعله سببا وجسرا للتواصل وتبادل الحضارات والثقافات وبالتالي فلا مجال لتحويله الي سبب للتصارع والاقتتال. مطالبين الجميع بضرورة استثماره في خدمة وتنمية مجتمعاتهم من خلال المشروعات المشتركة التي تعود علي الجميع بالخير. حذّروا من مخططات أعداء الأمن والاستقرار وطوابير الاستعمار التي تسعي للإبقاء علي حال دولهم بدائية دون تقدم وألا تتطور حتي تظل مجرد مصدر للمواد والثروات الخام وسوقاً لاستهلاك المنتجات الغربية. وفيما يلي تصوراتهم ومقترحاتهم للخروج من الأزمات المصطنعة ورؤيتهم لتنمية مجتمعاتهم. وقد تباحثوها خلال تعايشهم معا لمدة أسبوع في المنتدي الخامس للاتحاد العربي للشباب والبيئة بمحافظة الأقصر. في البداية. يؤكد عبد الرحمن بونتي- من أثيوبيا. طالب بكلية الشريعة والقانون بالأزهر- أن العلاقات بين مصر وأثيوبيا ليس فيها مشكلة بالحجم الذي تُصوّره وسائل الإعلام خاصة الأجنبية. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم معرفة كل طرف بوجهة نظر الطرف الآخر مما يزيد من هوة الخلاف الذي قد يصل في بعض الأحيان الي التضاد. غير أن هناك أطرافا تسعي لتأجيج وإشعال الفتنة بين البلدين حتي لا يكون بينهما تقارب أو تعاون. علاقات خاصة ويكشف ¢بونتي¢ عن مشاعر الأثيوبيين تجاه المصريين مشيرا الي أنها مشاعر طيبة وحريصة علي علاقات الود والتفاهم خاصة وأن 90% من الأثيوبيين مسلمون بل وتعلموا في الأزهر الشريف وإن كانت الحكومة بيد غير المسلمين وتنظر لأهداف أخري إلا أن الغالبية ترفض- حتي وإن لم يكن القرار بيدها - الإضرار بمصر وحياة المصريين. غير ان هؤلاء الأثيوبيين في الحقيقة لا يجدون تبادلا في المشاعر نفسها من جانب المصريين. فهناك مثلا من يسيئ لنا ويُصوّرنا علي اننا غير قادرين علي حماية بلادنا. وأنه ليس من حقنا إقامة المشاريع أو تحقيق التنمية والاستفادة من مياه النهر. لدرجة أن بعض الشباب الأثيوبي يثيره جدا تلك الأغاني أو الدعوات التي تتهجم عليهم وتطالب الجيش المصري بتوجيه ضربة وكأن المسألة نزهة أو أننا ضعفاء. فعددنا يقارب ال85 مليون نسمة أي قريب من عدد المصريين. ولا داعي للتلويح بالسلاح أو التهديد بالقوة. حتي أن بعض الشباب الأثيوبي يتحدي تلك الدعوات بقوله: فلننظر ماذا سيفعل معنا الجيش أو المصريون إذا كانوا يريدون مهاجمتنا؟! ليس من العقل أو المنطق استعداء طرف أو جهة لأننا أبناء قارة واحدة ومصير مشترك. ولحل هذه الأزمة يري ¢بونتي¢ ضرورة اللجوء للتفاهم وعدم استعلاء طرف علي الآخر. وتسخير ما تسمونه ب¢القوي الناعمة¢ فهناك الأزهريون والمسلمون في أثيوبيا وهم يرفضون الإضرار بمصر والمصريين. وكذلك هناك الكنيسة الأرثوذكسية بما لها من تأثير علي الكنيسة الأثيوبية. ويمكن إقامة الروابط من الطلبة والشباب. فلتكن لكل دولة من دول الحوض رابطة شبابية من الأزهريين أو غيرهم ثم تجتمع كل تلك الروابط بصفة دورية لبحث المشكلات التي تعترض دول الحوض ووضع الحلول لها بعيدا عن الأطراف الخارجية التي تسعي لإيقاع الفرقة والفتنة لصالح الاستعمار بشكله وفي ثوبه الجديد وهو لا يريد لأفريقيا كلها اي خير بل يريدها مجرد مصدر لاستخراج المواد والثروات الطبيعية الخام ثم سوقا للاستهلاك! وعلينا جميعا أن ننتبه لهذا العدو فهو عدونا المشترك ويسعي جاهدا لتجريف بلادنا من الخيرات والثروات حتي عندما يبرز وينبغ أحد الأفارقة في أي مجال نجد الغرب يستقطبه ويسلبه ويحتكره لخدمة مصالحه ويُنسيه وطنه. ولنؤمن بأن مصالحنا والخير لنا جميعاً في التفاهم والتعاون وحل خلافاتنا فيما بيننا لأن غير هذا السبيل سيضر بالجميع. أياد خارجية ويقول الدكتور وليد السيد- مدير مكتب رئيس الحزب الحاكم بالسودان-: تشهد العلاقات المصرية السودانية الأثيوبية حاليا مرحلة من التفاهم والتعاون الإيجابي حول الوضع المائي رغم ما قد يبدو من اختلافات. لأنه في الحقيقة أن الدول التي يمر بها نهر النيل لا تحتاجه سوي في صيد الأسماك. مع ملاحظة أن مياه الأمطار غزيرة وكثيرة جدا وما يُهدر أكثر بكثير من قدرة أي سد علي احتجازه ومنعه عن الاخرين. غير ان أياد إسرائيلية هي التي تعبث في أعالي النيل وتوعز لدول الحوض بأنها إذا كانت فقيرة في الثروة البترولية والعرب يبيعون البترول. فلماذا لا تقوم هي كذلك باحتجاز مياه النهر وتبيعها كالبترول؟! وهذا ما يجب التصدي له بكل السبل. لكن لابد من القيام بالتنمية والتعاون المشترك في المشاريع الكبري بين كل دول الحوض لتحقيق نهضة شاملة لشعوب دول الحوض جميعا. واقع ملموس يتدخل إنجيلو وليام - حقوق القاهرة. من جنوب السودان - مشيرا إلي أن مجرد الوعود والحديث عن التعاون والتنمية المشتركة دون تنفيذ ذلك علي أرض الواقع يجعل الواقع مريرا. فإذا كان العرب لديهم بعض التطور والتقدم في عدة مجالات فلماذا لا يعودون بها علي أشقائهم الأفارقة؟ فليتخيل العرب كيف يعيش الأفريقي حياة صعبة جدا وغالبا ما تكون بدائية وتقليدية كلها فقر ومرض وجهل. حتي أن 99% مثلا من جنوبيي السودان لا يعرفون الكهرباء! فأين المساهمة العربية في تحقيق التنمية لهؤلاء الناس؟ لابد من التعاون وعلي كل المستويات وفي كل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وإذا كنا ننظر لمصر علي انها الدولة الكبري والمحورية فلابد أن تكون كذلك في تحمل العبء الأكبر حتي وإن كانت تعاني اليوم من بعض المشكلات والأزمات فإنه يجب ألا يُنسيها هذا دورها كدولة كبري في أفريقيا وجميع الأفارقة ينتظرون منها ذلك. لا تهويل ولا تهوين يتفق معه جالو محمد علي - بكلية ألسن عين شمس. من غينيا كوناكري - متسائلا: ماذا قدمت دول الحوض المتقدمة لشقيقاتها اللاتي تعانين من مشكلات عديدة كالفقر والجهل حتي أن كثيرا منها لم تدخلها مياه الشرب الصالحة للاستهلاك الآدمي. ونفس الشئ بالنسبة للكهرباء؟ إذن لابد أن تنظر كل الدول لقضية التعاون والتنمية المشتركة نظرة موضوعية علي انها حياة أو موت وألا تكون مجرد شعارات أو للاستهلاك السياسي بسبب وجود أزمة حاليا. يضيف ¢جالو¢ مطالبا الجميع بالكف عن الإفراط والتهويل من مسألة التدخلات الإسرائيلية ونفوذ اليهود وسيطرتهم علي الأفارقة وكأنهم ضعفاء وليسوا أصحاب سيادة وعزة وكرامة كالعرب. ويقول: علي الأقل نحن ليس لنا علاقات اقتصادية مع إسرائيل كما لا توجد لدينا سفارة إسرائيلية أو علاقات سياسية كبعض الدول العربية. فلا داعي لجعلها فزّاعة أو شماعة نعلق عليها سبب مشاكلنا وعدم تعاوننا وتفاهمنا! إيجاد البدائل يلقي وليد الطاهر جامعة الزقازيق. شرقية - باللوم علي الحكومات المصرية المتعاقبة في إهمال إيجاد البدائل الأخري لموضوع بحجم مياه النيل ونحن جميعا ندرك منذ زمن وجود مخططات ومحاولات ¢لخنق¢ مصر والتحكم فيها من خلال السيطرة علي منابع النيل. ويقول: إذا كان من حق أثيوبيا أو أي بلد آخر استغلال واستثمار مواردها لخدمة شعبها فليس من حق أحد الوقوف ضدها لكن مع مراعاة عدم الإضرار بالآخرين. وهذا يفرض علي الطرفين الجلوس علي مائدة المفاوضات وأن نضع في اعتبارنا مصالح الطرف الآخر وألا نحرمه من تنمية نفسه كما لا نمنحه حق قتل الاخر. وإذا كانت أثيوبيا تريد بناء سد النهضة فلماذا لا يتم الاتفاق معها عليه بحيث لا يقع ضرر علي مصر أو غيرها من دول المصب علي أن يستفيد الجميع سواء من المياه التي سيتم تخزينها او الكهرباء المنتجة. ويتساءل ¢وليد¢ مستنكرا: إلي متي سنظل نعتمد علي مياه نهر النيل ولا نوجد البديل. مع ان الله سبحانه وتعالي وهبنا خيرا كثيرا بأن يوجد لدينا خُمس حصتنا الحالية من النهر في باطن الأرض. فضلا عن إمكانية تحلية مياه البحر ولدينا شواطئ طويلة علي حدودنا. ثم أين مشروع الخطارة الذي درسناه ونحن صغار؟! التوجيه الديني وتدعو هند محمد عسل - دراسات عليا هندسة عين شمس- الي تنظيم حملات إعلامية توعوية حول اهمية المياه وحرمة الإسراف فيها. مستندين علي النصوص الدينية والقيم الوطنية. مع البحث عن الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تُرشّد الاستهلاك وإهدار المياه في المنازل والمصانع والمزارع ودور العبادة. وتقترح أميرة عبد المنعم السيد - معهد خدمة اجتماعية بالأسكندرية- تخصيص يوم كل شهر يتم فيه توعية الأطفال والتلاميذ في الحضانات والمدارس عن كيفية المحافظة علي المياه وعدم الإسراف فيها. أزمة مفتعلة تؤكد الدكتورة جيهان مصطفي البيومي - أستاذ الجغرافيا بآداب حلوان - أن أزمة سد النهضة إنما هي مفتعلة وستنتهي قريبا بلا أي آثار سلبية علي مصر. لأنه إذا كان من حق أثيوبيا تنمية مواردها وتحقيق استثمار أمثل لمياه الأمطار والنهر الموجودة لديها فإنه ليس من مصلحتها في المقابل حجز المياه خلف سد النهضة نظرا لطبيعة أرضها والتي ستحيلها الي مستنقعات وبرك ستؤثر سلبا علي طبيعتها الجغرافية نظرا لكثرة وشدة مياه الأمطار الهاطلة عليها. سوء التوزيع يؤيدها في الرأي الدكتور محمد حافظ أستاذ الجغرافيا بآداب حلوان - مشيرا إلي أنه إذا كانت نسبة 84 % من مياه النهر تأتينا من الهضبة الأثيوبية فإن أكثر من 120 مليار م3 يتم إهدارها في الهضبة ولا يُستفاد منها. وبالتالي فإن سد النهضة لن يؤثر كثيرا علي نسبة المياه الواردة إلينا. صحيح أنها ستقل وستتأثر طاقتنا الكهربائية لكن ليس بالقدر الضار. أضف إلي ذلك فإن سد النهضة لن يستطيع منع المياه تماما عن مصر وإن كان سيتحكم في جزء كبير منها. لكن ليس علي المدي البعيد لأنهم لا يستطيعون حجز المياه لفترة طويلة وإلا تضررت أثيوبيا نفسها من ذلك بالتأثير السلبي علي تربتها. يشير د. حافظ إلي أن المشكلة تكمن في ندرة المياه وسوء توزيعها. فقد تدني نصيب الفرد المصري من المياه حتي وصلنا حد الفقر المائي. فبعد أن كان نصيب الفرد 3500 م3 في السنة تراجع الي 1250م3 عام 2000 ووصل في عام 2010 الي 620 م3 ومن المنتظر أن يقل الي 600م3 عام 2015 ومع ذلك يؤكد د. حافظ أن الصلة التي خلقها نهر النيل علي مر السنين بين شعوب ودول حوض النيل ستبقي ولن تتغير لأن الله تعالي جعل الأنهار للتواصل لا التصارع. لذلك فلابد من التعاون بين جميع دول الحوض ووضع أسس للتكامل في كل المجالات وعلي كل المستويات. ولتعد من جديد علاقاتنا بالدول الأفريقية كما كانت حين كنا نرسل مهندسي وخبراء الري حتي منابع النيل. فقد أدرك سلفنا أهمية ذلك التواصل الذي أهملناه طويلا وحان وقت الرجوع إليه. مصير واحد من جانبها اكدت السفيرة شُهرة قُصيعة- مدير مركز دراسات الأمن المائي بجامعة الدول العربية- وجود تعاون قوي بين الجامعة والاتحاد الأفريقي لحل الأزمة الحالية بما يجعلنا متفائلين لا متشائمين ومتأكدين من انه لن تقع حروب بين مصر وأثيوبيا بسبب مياه النهر لأنهما شعب واحد ومصيرهم مشترك. مطالبة بإيجاد استراتيجية تشاركية مجتمعية بين جميع شعوب الحوض تركز علي الدور الهام لترشيد استهلاك المياه سواء في المنزل أو المصنع أو الزراعة والاعتماد في ذلك علي وعي المرأة باعتبارها عاملاً أساسياً ومحورًا مهمًا في هذه العملية. لأن الوضع المائي العربي بأكمله صعب جدا وليس في دول الحوض فقط . مما يتطلب حماية الحقوق المائية بكل ما نملك. كما تطالب السفيرة ¢شُهرة¢ بوضع قائمة بيانات ومعلومات صحيحة وسليمة وموثقة حول المياه لأننا نفتقد لهذه القائمة وإن وجدت فهي معلومات متضاربة جدا. مع التركيز علي تحسين وتطبيق الإدارة المتكاملة لكيفية التعامل في مسألة المياه. مع ملاحظة امتلاك مصر لخبرات كبيرة ومتميزة في هذا المجال لم يُستفد منها بالشكل الأمثل بسبب ¢عُقدة الخواجة¢! الدبلوماسية الناعمة ويُقدّم السفير محمد العرابي - وزير الخارجية السابق - نصيحته للجميع خاصة الشباب والشعوب والحكومات باتباع سياسة الدبلوماسية الشعبية والناعمة وكذلك الشبابية لتعميق التعاون بين دول حوض النيل. مشيرا الي وجود الكثير من مقومات القوي المصرية الناعمة ممثلة في الأزهر الشريف والكنيسة المصرية فضلا عن الشركات العملاقة مثل المقاولون العرب والسويدي وغيرهما. وإذا كانت العلاقات قد شهدت مرحلة فتور ونتيجتها دخلت دول أخري لمطامعها ومطامحها فلنلجأ لمبدأ التعاون الثلاثي بمعني إذا وجدت دولة أجنبية كالصين مثلا تقيم مشاريع في إحدي الدول فلتكن مصر معهما وقد نجحت هذه السياسة مع اليابان لكنها لم تتبلور لمستوي الطموح المطلوب. أوضح ¢العرابي¢ ان الأنهار هي التي صنعت الحضارات ونقلتها الي الشعوب فكانت جسرا للتواصل لا التصارع. محذرا من أن الاستعمار عمل علي التفرقة والإثنية لوضع فواصل وزرع المشاكل كعادته في كل الدول العربية والإفريقية حتي تظل له يد للتدخل. موضحا ان التعاون بدأ فعليا أيام الراحل عبد الناصر. لكن التاريخ يسجل أن الفراعنة سبقونا الي هذا التواصل وفي عهد الخديوي توفيق نجده يجمع 700 بندقية من السوق ويهديها لنجاشي الحبشة. مؤكداً أن المستقبل يحتم التعاون متعدد الاتجاهات. واقترح إنشاء جامعة أكاديمية تضم المتفوقين في الدول العربية والإفريقية يتعايشون معا فهم قادة المستقبل. وهذا يفيد القارة كلها.