رفض علماء الإسلام وخبراء الاقتصاد الإسلامي پمطالب بعض أعضاء لجنة وضع الدستور بإلغاء المادة المتعلقة بإحياء الوقف الأهلي من الدستور الجديد?.. وأشاروا إلي أن مثل هذه المطالبات تعبر عن جهل بتاريخ الوقف بوجه عام . والخيري بوجه خاص في تاريخ الأمة العربية والإسلامية ..وأوضحوا ? أن الإقدام علي إلغاء هذه المادةپ جريمة في حق الدين والوطن وتعبر عن عداء واضعي الدستور للهوية العربية والإسلامية لمصر .. وطالبوا بإحياء الوقف وتفعيل دوره دعم الاقتصاد المصري وعلاج الأمراض الاجتماعية عن طريق التوسع في أبوابه ومجالاته الوقف وابتكار أساليب جديدة لاستثماره بسن تشريعات جديدة لتنشيطه. في البداية يوضح الدكتور عبد الحي عزب. الأستاذ بكلية الشريعة والقانون ? جامعة الأزهر پأهمية الوقف من المنظور الشرعي فيقول : الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وللوقف فوائد كثيرة ومنها : وصول الثواب إلي المرء بعد موته باستمرار وجود الوقف وانتفاع المسلمين بهذا الوقف وذلك حسب الجهة الموقوف عليها فقد يكون وقفاً للمجاهدين وقد يكون وقفاً للعلماء طلبة العلم وقد يكون وقفاً علي الفقراء والمساكين وقد يكون وقفاً علي المساجد والحاجة إليه ماسة الآن والصدقة الجارية هي الوقف فلا فرق بينهما. ويشير الدكتور عبد الحي الي أنه اذا كان الوقف في اللغة هو الحبس والمنع. فقد عرف الوقف اصطلاحا بعض الشافعية بقولهم ¢هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه علي مصرف مباح¢.وهو نوعان: أولهما :وقف خيري يتعلق بالجانب الخيري لصالح الناس عموما وهو ما ورد فيه حديث للرسول صلي الله عليه وسلم عن ¢الصدقة الجارية¢ التي يستمر ثوابها حتي بعد ممات صاحبها فقد قال صلي الله عليه وسلم ¢إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له¢ وقال أيضا ¢سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره. من علم علماً. أو أجري نهراً. أو حفر بئراً. أو غرس نخلاً. أو بني مسجداً. أو ورَّث مصحفاً. أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته¢ . أما النوع الثاني فهو : الوقف الأهلي الذي يوقفه المرء لصالح ذريته من بعده للانتفاع بها. وقال الدكتور عبد الحي : يعد نظام الوقف من الصيغ التاريخية الاقتصادية التي ابتكرها المسلمون للتقرب إلي الله من خلال المشاركة في بناء مجتمعاتهم وإعمار الأرض وقد اقتبسها الغربيون ونقلوها عن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر أطلقوا عليها اسم¢منظمات المجتمع المدني¢ ثم پاستوردنا پنفس المصطلح منهم في القرن العشرين بعد أن همشنا دور الأوقاف ومحوناه من عندنا. وانهي الدكتور عبد الحي كلامه بالتأكيد علي أن الوقف شعيرة إسلامية يستفيد منها المسلم وغير المسلم بل وتمتد فوائدها إلي كل الكائنات الحية من الطير والحيوان وقد بدأت في أيام الرسول صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الصحابة والتابعين الذين تنافسوا في الوقف لدرجة أن هناك بابا في كتب الفقه علي اختلاف مذاهبها اسمه الوقف وأحكامه وشروطه ومجالاته وما هي سلطة الحاكم في إلغائه. أي مساس مرفوض يؤكد الدكتور محمد عبد الحليم . أستاذ الاقتصاد الإسلامي - جامعة الأزهر. والمدير السابق لمركز الاقتصاد الإسلامي بها. أن أي مساس أو إلغاء مادة الوقف الخيري من الدستور تعد جريمة كبري ليس في حق الشعب المصري فقط وإنما في حق الدين لأن هذا الإلغاء يحرم المجتمع المصري الذي يعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع الخدمات الحكومية من فعل الخير الذي يثاب فاعله في الدنيا ويستفيد من الفئات المستضعفة في المجتمع الإسلامي بل وإسهامه في سد الحاجات التي لم تستطع الدولة توفيرها وأشار الدكتور عبد الحليم عمر . إلي أهمية توافر الوعي والذكاء لدي القائمين علي وضع الدستور ولا يعميهم صراعهم مع بعض الإسلاميين عن إلغاء المواد الخاصة بالوقف الخيري الذي لعب دورا كبيرا علي مر العصور في دعم نهضة الأمة بل انه من معالم الابتكار والتميز الحضارة الإسلامية في مجالات التعليم والصحة ورعاية الأيتام والفقراء والمحتاجين ليس في القطر نفسه فقط بل انه يمتد إلي خارجه باعتباره نوع من الصدقة الجارية ورفض الدكتور عبد الحليم عمر .أية مبررات لإلغاء هذه المادة إلا إذا كان القائلون بذلك جهلاء بأهمية الوقف الخيري للمجتمع والذي اقتبسه غير المسلمين في الغرب والشرق من خلال المؤسسات الخيرية والاجتماعية المدنية. تنشيط وليس إلغاء طالب الدكتور إسماعيل شلبي أستاذ الاقتصاد الإسلامي . جامعة الزقازيق . بتنشيط الوقف المؤقت الذي يمكنه أن يحقق أغراض كثيرة لراغبي فعل الخير پبوقف أعيان مالهم أو ما ملكوا من منافع أموالهم بشكل مؤقت للحصول علي ثواب وفضل الصدقة الجارية لو بصفة مؤقتة مما يزيد عدد الواقفين وكذلك زيادة عدد المستفيدين من هذه الأوقاف المؤقتة پالتي يمكن من خلالها وفيرپاحتياجات كثير من المحتاجين والتخفيف من أعباء ميزانية الدولة المرهقة بالفعل. وأكد الدكتور شلبي أن النص علي وجود مثل هذا الوقف المؤقت من خلال نصوص قانونية يسهم في تنشيط الوقف الخيري الذي يحقق كثير من المنافع إذا تم الوقف المؤقت لفترة محدودة مثل وقف بعض العقارات أو المساكن وغيرها مما يحقق الانتفاع بها لفترة مؤقتة سواء لأفراد أو لصالح مؤسسة أو جمعية خيرية ولابد من العمل علي توسيع الاستفادة من الوقف ليس في سد احتياجات المحتاجين فقط بل إلي أوسع من ذلك مثل توجيهه لدعم البحث العلمي الذي يعتبر من مستجدات العصر والذي يقاس به تقدم الأمم والشعوب في عصرنا وهو ما يتوافق مع دعوة الإسلام إلي طلب العلم لدرجة جعل طلبه فريضة علي كل مسلم ومسلمة وعد ذلك نوع من الجهاد في سبيل . ولنا أن نتصور واقع البحث العلمي عندنا إذا تم توجيه جزء من أموال الزكاة والصدقات والأوقاف إليه وخاصة أن كثير من الفقهاء أجازوا ذلك شرعا باعتباره لا ينفصل عن پالمشروعات الخيرية حتي يعود خيرها علي المسلمين ويذكرنا بأمجاد الوقف الإسلامي پأيام ازدهار حضارة المسلمين وقت أن كانوا معلمين للأمم وقادة في علوم الدين والدنيا معا وضرورة أن تسن تشريعات وقوانين جديدة تتضمن الحفاظ علي ذلك النوع من الوقف وتنشيطه والإضافة إليه وتوظيف ذلك الوقف في أغراضه. علاج ثغرات القوانين تعجبت الدكتورة زينب الأشوح. أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بنات بجامعة الأزهر من الدعوة لإلغاء مادة الوقف الخيري مؤكدة انه يجب إعادة صياغة القوانين المنظمة للوقف لتكون أكثر فعلية وتحفيز لراغبي الوقف لأن الوقف الأهلي تم إلغاؤه بالقانون180 لسنة1952 الذي قصر التبرع علي المبالغ النقدية فقط ويمنع التبرع سواء بقطعة أرض أو أسهم أو أي ممتلكات أخري ويجب أن يتضمن ما يفيد بإدارة تلك الأوقاف عن طريق هيئات مستقلة تراعي الضوابط الشرعية في إدارتها وليس عن طريق وزارة الأوقاف فقط . فبدلا من مطالبة البعض بإلغاء مادة الوقف الخيري يجب أن علاج الثغرات الحالية حتي لو وصل الأمر لوضع قانون جديد للأوقاف بحيث يسمح بعودة وتنشيط وحماية نظام الوقف وكذلك تعديل العديد من القوانين الأخري ذات الصلة بتأسيس الأوقاف وإدارتها واستثمارها ودورها مثل قوانين الضرائب والجمعيات الأهلية و التعليم والصحة بحيث يسمح للوقف بمزيد من الإسهام في تلك المجالات فضلا عن إعادة النظر في تنظيم إجراءات تأسيس الوقف بوجه عام بحيث تحترم رغبات الواقف في الجوانب المتعلقة بمصارف الوقف والجهة المنوط بها إدارته واستثماره بما لا يخالف أحكام الشريعة أو نظام الدولة وخاصة أن الاحتكام للشريعة الإسلامية يعد واجبا شرعا. وطالبت الدكتورة زينب .بزيادة الإعفاءات الضريبية لراغبي الوقف مما يعد عاملا مساعدا في تنشيط وإدارة الوقف وتسهيل استثماره وكذلك مراجعة قانون الجمعيات الأهلية الذي يجب إيجاد صيغ قانونية أفضل لإدارة الأوقاف والرقابة عليها ليس إلغائها كما يطالب البعض. وأنهت كلامها بالحث علي اتخاذ من خطوات ضرورية لحماية وتنشيط الوقف مثل :إصدار قوانين وأحكام رادعة تعمل علي حماية أموال الأوقاف الموجودة والمحافظة عليها من الغاصبين والمضيعين والمعطلين, وكذلك الحفاظ علي سجلاتها واسترداد أملاك الأوقاف التي تم نهبها أو تحويلها إلي استعمالات أخري وهذا أمر غير مشروع وكذلك دراسة فصل إدارة الأوقاف عن الحكومة إذا أساءت إدارتها ويكون البديل بوضع الخطط اللازمة لاستثمار وتنمية الأملاك الموجودة للأوقاف والعمل علي زيادتها وتنشيط بكسب ثقة راغبي الوقف وضرورة الاستفادة من التجارب الناجحة لبعض الدول في الوقف والنهوض به وما حققه متطلبات التنمية في بعض المجتمعات الإسلامية مثل تجربة الكويت وماليزيا وغيرهما من الدول العربية والإسلامية وخاصة أن الوقف الخيري الإسلامي يعد من أفضل وأرقي الوسائل في نشر الخير والإنفاق في سبيل الله بل انه مظهر من مظاهر ازدهار الأمة وحضارتها عبر التاريخ حيث لعبت الأوقاف الإسلامية أدوارا فريدة وتفنن فيها الواقفون ولم يقتصروا علي بناء المساجد فقط رغم أهميتها كمراكز تعليمية لبث الروح الإسلامية في نفوس المسلمين فأوقفوا للمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والجامعات والكتب والمكتبات والأراضي والمزارع والبساتين وغيرها الكثير من المصالح العامة ومنافع العباد و البلاد . نماذج مشرقة عرض الدكتور يوسف إبراهيم . مدير مركز الاقتصاد الإسلامي - جامعة الأزهر .لنماذج من الوقف الإسلامي عبر تاريخ الدولة الإسلامية فيقول: هي كثيرة وتكتب في مجلداتپفمثلاً ما كان في القرن السادس الهجري في عصر الدولة الزنكية في عهد نور الدين زنكي الذي أوقف أوقافاً كثيرة علي ذوي الحاجات والمساكين والفقراء والأرامل و غيرها . بل انه أوقف علي من كان يعلم اليتامي وجعل لهم نفقة وكسوة وأوقف كذلك أوقافاً خاصة لسكان الحرمين حتي لا يبتزوا الحجاج . وقام ببناء مئات المدارس والمساجد و المستشفيات والاستراحات الكثيرة في الطرقات وكذلك أوقفت زوجته ¢ خاتون عصمت الدين ¢ أوقافاً كثيرة وقلدهما رجال الدولة فأوقف وزيره أبو الفضل الشهرزوري أوقافاً كثيرة منها ما أوقفه علي أهل القدس الذين نزحوا من وجه الاحتلال الصليبي . ونفس الأمر فعله صلاح الدين الأيوبي الذي مات ولم تجب عليه الزكاة قط پحيث استنفدت الصدقة أمواله كلها . واقتدي به وزيره القاضي الفاضل فأوقف أراضي واسعة علي تخليص أسري المسلمين و قال ¢ اللهم إنك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلي منه . اللهم اشهد أني وقفته علي فكاك الأسري ¢ . وأوضح الدكتور يوسف ابراهيم .أن المال مال الله وقد جعله الله في أيدي الأغنياء لمنافع العبادپ فلا يحق لهم أن يحتجزوها دونهم يقول صلي الله عليه وسلم پ¢ إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد . ويقرهم فيها ما بذلوها . فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلي غيرهم ¢ وأشار الدكتور يوسف ابراهيم .إلي انه سيظل يذكر التاريخ أن نظام الوقف الإسلامي ظل يمثل صورة من أروع صور التعاون الإنساني الخيري ومن المؤسف انه في عصرنا أصابها التدهور والجمود والإهمال ولم تتعد تؤتي ثمارها المرجوة ابتداء من خضوع البلاد العربية والإسلامية للاستعمار الأوروبي وخاصة الفرنسي الذي أدرك أن أهمية الوقف في دعم المساجد والمدارس والزوايا فتدخل بشكل مباشر في شئون الوقف ومؤسساته للحد من دوره الإيجابي في تنشيط الوعي الديني الوطني ومقاومة المستعمر.