«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلماء‏:‏ حماية المال العام‏..‏ واجب ديني
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 05 - 2011

نادت الشرائع السماوية الحكام والمحكومين بحماية المال العام وأوجبت الحفاظ عليه‏,‏ لما له من دور كبير في سد الحاجات الأساسية للمجتمع‏,‏ ونبهت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة إلي حرمة المساس بالمال العام او إهداره. أو المساس به بأي صورة من الصور أو حرمان المحتاج له, كما حذرت من تخصيصه وفقا للأهواء الشخصية لا بمقاصد الشريعة وضوابطها, وإستخدامه لمصلحة الوطن والمواطن, بما يعود بالنفع علي الجميع.
وأكد العلماء أن إهدار المال العام يعد من أبرز صور الفساد التي استشرت في كثير من المجتمعات الإسلامية بسبب ضعف الوازع الديني, وتعطيل القانون, وعدم محاكمة المسئولين عن إهدار المال العام.
مفهوم المال العام
يعرف الدكتور يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر المال العام في الإسلام بأنه كل مال لا يستحقه فرد بذاته وإنما هو مملوك للعامة,وينبغي أن ينفق علي المصالح التي تهم جميع الناس وليس علي فرد بذاته, وهو يتكون من عدة مصادر أهمها أجرة الأرض المملوكة لجماعة المسلمين وهو الذي كان يسمي بالخراج, وهو مقابل السماح لفرد بذاته أن يستغل موردا مملوكا للجماعة, فما يدفعه يكون جزء من المال العام.
و لدينا من الأموال العامة الزكاة وهي مخصصة للإنفاق علي ذوي الحاجة أساسا, والدعوة إلي الله تعالي, ولذلك يخصص لها قسم في الموازنة العامة, أو موازنة خاصة بها حتي لا تختلط ببقية الأموال العامة التي تنفق علي مصالح الجميع أغنياء وفقراء, مثل بناء الطرق وشق الأنهار وإقامة المصانع وإعداد العدة للدفاع عن المجتمع سواء من الأخطار الخارجية مثل القوات المسلحة, أو الأخطار الداخلية مثل القضاء والشرطة, وتوجد أيضا الضرائب إذا لم تكف الموارد الأخري, بمعني أننا نجمع الإيرادات المذكورة أولا فإذا إحتجنا فوقها لجأنا إلي الضرائب من الأغنياء. وهناك ضوابط لإنفاق المال العام ذكرها سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه عندما قال:( والله الذي لا إله إلا هو ما أحد وله في هذا المال حق, وما أحد أحق به من أحد وما أنا فيه إلا كأحدهم ولكن علي منازلنا من كتاب الله وقسمنا من سنة رسول الله, فالرجل وتلاده, والرجل وغناءه في الإسلام, والرجل وحاجته في الإسلام, والله لئن بكيت ليأتينا الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو في مكانه قبل ان يحمر وجهه( أي لا ينتظر السؤال فيحرج).
ويوضح الدكتور يوسف إبراهيم أن المال العام حق للجميع في الأساس, ولكن يقتسمونه علي الأسس الآتيه: أولا: الفرد وخدمته السابقة في الإسلام, ثانيا: الفرد وما يقدمه للأمة, اي بمقدار ما يغني الرجل عن المسلمين في جلب النفع للمسلمين وبمقدار ما يدفع عنهم من ضررهنا ينال نصيبا من المال العام في صورة أجر أو مرتب أو مكافأة, فكل من فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين فكفايته في هذا النوع من الإسلام, وأخيرا الرجل وحاجته في الإسلام, بمقدار إحتياج الشخص للدولة في توفير الحياة الكريمة له ولأسرته بعد استنفاد وسائله الخاصة يعطي من المال العام ما يوفر له تلك الحياة وينقله من دائرة الفقر والاحتياج إلي دائرة العيش الطيب. وهذه هي خطة الإسلام في توزيع المال العام بين الأفراد أساسها موضوعية مطلقة لا مجال فيها لتدخل العناصر الشخصية فمن حابي قريبا أو صديقا لا يكون عادلا في توزيع المال ولم يوافق توجيه الإسلام, ومن منع مسلما حقا له فقد ظلمه والظلم جزاؤه عظيم في الإسلام.
الإسلام أوجب الحفاظ عليه
يقول الشيخ جمال قطب الأمين السابق للجنة الفتوي بالأزهر أنه بلغ الحفاظ علي المال العام في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه أوقف ماله الذي آل إليه من خيبر وجعله وقفا خاصا لنثريات الحكومة والإدارة العامة حتي لا يظهر في حسابات بيت المال بند النثريات أيا كان سببها.
وقد عين رسول الله صلي الله عليه وسلم خازنا لبيت المال من عامة المواطنين الاكفاء مشترطا فيه ألا يكون هاشميا منعا للقرابة, وحرصا علي شفافية التعامل وتمييزا بين المال العام وبين السلطة ومن يمارسها, ولقد سار علي هذا الطريق أبو بكر الصديق, وعمربن الخطاب رضي الله عنهما, فكانت حسابات بيت المال واضحة ظاهرة للكافة يعلم فيها علم اليقين جانب الإيرادات وجانب المصروفات مع إعطاء كل المواطنين الحق في الإعتراض والتبليغ والمحاسبة.
وقد كان عمربن الخطاب ينتفض إذا سمع أن درهما واحدا من الأموال العامة قد اختلس أو انفق في ترف, وقد خرج رضي الله عنه يعدو ذات مرة وراء بعير أفلت من مطعنه, ويلقاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيسأله: إلي أين يا امير المؤمنين, فيجيبه عمر: بعير فر من إبل الصدقة أطلبه, فيقول له علي: لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك, فيجيبه عمر بكلمات متهدجة والذي بعث محمدا بالحق لو أن عنزا ذهبت بشاطيء الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة, وقد كان أيضا أمير المؤمنين عمربن عبدالعزيز شديد الحرص علي المال العام حتي أنه كان يدير حوارا مع أحد الولاة في شأن الدولة, فلما فرغ أراد أن يحدث الأمير في شأن خاص, فقال الامير: انتظر حتي نطفيء السراج الممول من بيت المال, ثم أشعل السراج الخاص حتي اسمع لك, والمال من أعظم الأمانات التي يجب الحفاظ عليه ورعايته وعدم التجرأ بالإنتقاص منه تحت اي سبب, يقول تعالي:( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا), ويقول تعالي أيضا:( إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا).
وأضاف فضيلة الشيخ جمال قطب أن الشريعة غلظت عقوبة التفريط والإهمال في المال العام, يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:( يؤتي يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة حتي إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار, فقيل يارسول الله كيف ذلك؟ قال: كانوا يصلون ويزكون ويحجون غير أنهم كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم)
أما ما عرف عن بعض الحكام من ناحية استغلالهم للمال العام فإن التاريخ يحتفظ بقصص عن البذخ والإسراف لبعض الأمراء في الدولة الأموية والدولة العباسية, ولكن إذا قيست النفقات بمقياس عصرها فهي تمثل إسرافا وبذخا لا مبرر له ولم يشفع لهم عند الناس تبريرها حتي لا يثوروا عليهم, إلا أن جميع فئات الشعب وجميع أفراده كانوا في عيشه رغدة وحالة ميسورة ولم يحتاجوا لضرورة من الضروريات لذلك خفت صوت الرقابة فالناس قد شبعوا ولم يعد احد من المواطنين بحاجة, ومع ذلك استمرت التصرفات محل ريبة واعتراض وقس علي هذا الطريق الدويلات مثل دولة المماليك ثم ما أصاب الأمة من شتات وأصبح كل ولي يعتبر نفسه خليفة فينفق الكثير لتأكيد سلطته وكل ذلك كان سلوكا خاطئا وسيئا.
وللمواطن حق فيه
ويؤكد الدكتور فياض عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن الملكية في أي مجتمع تنبع جذورها من عقيدة المجتمع وثقافته التي يتشكل فيها النظام الاقتصادي, ونظرة الإسلام إلي الملكية هي أن الأموال التي في أيدي الناس هي أموال الله بخلقه وإنشائه, وأنه خولهم إياها وجعلهم خلفاء فيها, وأنهم بمنزلة الوكلاء, ويترتب علي ذلك قيام الإنسان بواجب الإعمار,في طاعة الله فيما استخلف فيه, فلا يكتسب إلا من الحلال ولاينفق إلا في الطيب, وأن عليه واجب الاستعمال لما يملك في نفعه وفي نفع الناس, ولما كانت الأمة تعيش بهذا المال وتنتفع به فليس لسفيه أن يضيعه, وإذا فعل هذا حجر عليه, وانطلاقا من مفهوم الاستخلاف في ملكية الأموال في الإسلام, ترتبط قضية التنمية بقضية العدالة في المعاملات, و ترتبط قضية الإنتاج بقضية رعاية الفقراء, فالإسلام يبيح الملكية الخاصة ولكنه يجعلها ملكية نظيفة في الكسب والإنفاق, وملكية مقيدة, قوامها القسط وفي نفس الوقت يحمي الملكية العامة, فليس لأحد أن يتملك أو يحتجز بمنافع عامة( موارد الطاقة الطبيعية) لأنها سلع مشتركة بين الجميع, والإسلام جعل واجب الرعاية الاجتماعية بتوفير حد الكفاية لكل فرد في الأمة, في قمة أولويات أهداف الدولة, بتقرير حق الفقير والمحتاج في الزكاة, وبحماية الملكية العامة للانتفاع العام بها من جميع أفراد الأمة بقدر الحاجة, كما يصون الملكية الخاصة فلا عدوان عليها ولا مصادرة لها, وبذلك يتحقق في الإسلام التوازن بين الفرد والجماعة, فلا يطغي الفرد علي الجماعة بإسم الحرية, ولا تطغي الجماعة علي الفرد, يقول تعالي:( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).
فحق الجماعة مقرر بالمصلحة العامة المحدودة شرعا بضوابطها, وهذا واضح عند فقهاء الأمة السابقين, يقول تقي الدين السبكي في شرح المنهاج:( ومما عظمت به البلوي, اعتقاد بعض العوام, أن أرض الأنهار ملك بيت المال( أي ملكية الدولة) وهذا أمر لا دليل عليه, وإنما هو كالمعادن الظاهرة لا يجوز للإمام إقطاعها ولاتملكها, ولإحتياج جميع الناس إليها فكيف تباع ؟, فليس للسلطان تصرف فيها, بل هو وغيره فيها سواء.
و قال عمربن الخطاب لهني حين استعمله علي حمي الربذة: ياهني اضمم جناحيك عن الناس واتق دعوة المظلوم, فإنها مجابة, وأدخل رب الصريمة والغنيمة, ودعني من نعم ابن عفان ونعم ابن عوف, فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلي نخل وزرع, وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ: يا أمير المؤمنين, أفالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق ؟, وقد أراد عمر بن الخطاب أن يوضح أن الملكية العامة ينبغي أن تعطي الأولوية في الإنتفاع بها للفقراء وذوي القدرات المالية المحدودة, أما الأغنياء فلهم مواردهم المالية, وأنه لولا واجب ومتطلبات الدفاع عن حدود الوطن, لكانت كل الأراضي العامة تكون مباحة للجميع للإنتفاع بها.
عقوبة الاعتداء
ويري الدكتور فياض عبد المنعم أنه إذا انحرف الحاكم في تصرفاته في الأموال العامة بإهدارها وحرمان المحتاج منها, وتخصيصها بالأهواء لا بمقاصد الشريعة وضوابطها, فالأمة ممثلة في علمائها وفي أهل الإختصاص في كل فرع واجب بيان وجه المصلحة العامة الحقيقية دون مواربة أو خوف أوتردد, فمصلحة الأمة والشريعة فوق كل المصالح الشخصية, وفوق الحاكم نفسه, والتفريط في هذا الواجب تقاعس من الحاكم يسأل عنه أمام الله سبحانه وتعالي وأمام الأمة بأكملها, يقول صلي الله عليه وسلم:( لا يحل مال إمريء مسلم إلا بطيب نفس منه), ويؤكد أن الإسلام وضع القيم الضابطة لحركة الحياة وفق منهج مستقيم, وأن هذه القيم لضمان توافرها في الواقع تحتاج إلي مؤسسات متخصصة لرعاية كل قيمة, ومنها إنشاء مؤسسة عامة مستقلة وظيفتها حماية الممتلكات العامة ومنع أي إهدار أو إفساد لها, فهذه الأموال العامة ليست ملكا لأفراد الأمة الآن, بل وعلي امتداد أجيالها إلي يوم القيامة.
استخدام المال العام لا يكون إلا للمصلحة العامة وسد الإحتياجات الأساسية التي تهم الجماعة كلها هذا ما يؤكده الدكتور الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, ويضيف أنه لا يجوز أن يسيطر علي هذا المال فرد أو مجموعة من الأفراد, دون التفويض من صاحب المال الأصلي وهو المجتمع, فهو ينفق في خير الوطن ويستعان به في التنمية وإقامة المشروعات العامة التي تخدم أبناء الوطن وترقي بهم, ويجب علي المواطن أن يحرص علي هذا المال كما يحرص علي ماله الخاص, فالمال العام هو مال جميع أفراد الوطن, والإستيلاء عليه أو التفريط فيه يعد جريمة بل خيانة عظمي. ويؤكد إن القائم علي المال العام يجب أن تتوفر فيه شروط معينة كما يقول الدكتور الشحات الجندي من أهمها الكفاءة والأمانة بمعني أن يكون لديه من القدرة والإستطاعة علي معرفة الأوجه الشرعية والمصلحية في استخدام هذا المال في وجوه الإنفاق المشروعة والمطلوبة, ويجب أن يكون متيقظا لحرمة هذا المال وضرورة المحافظة عليه وذلك إمتثالا لقوله تعالي فيما ورد علي لسان سيدنا يوسف:( اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم).
ويضيف أن الشريعة وضعت ضمانات لحماية هذا المال حفاظا عليه ومنعا من المساس به, وقد روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال:( والله إني لأعطي شيئا من هذا المال ولا أمنعه, وإنما أنا قاسم لهذا المال أضعه حيث أمرت وإني لأرجو أن ألقي الله وليس لأحد يطلبني بمظلمة ظلمته إياها في نفس ولا دم ولا مال)., وبلغ من تحرزه أيضا وبعده عن المساس بالمال العام إلي درجة أنه قال:( لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين( كسوتين), حلة للشتاء وحلة للصيف وما أحج به واعتمر وقوته وقوت أهله كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم, ثم أنا بعد ذلك كرجل من المسلمين,
ويتضح من ذلك أن الشريعة الإسلامية نبهت إلي ضرورة منع إستخدام النفوذ بالإعتداء علي المال, فالقائم علي المال العام أيا كان موقعه لا يجوز له الأخذ من هذا المال إلا ما يفي بحاجته الأساسية من المقومات الضرورية, وهي الطعام والملبس والمسكن والعلاج, حتي هذه الضروريات يجب ان يأخذ منها بطريقة وسطية لا إسراف فيها ولا تقتير حفاظا علي هذا المال وحماية لقدسيته.
وقد حرمت الشريعة الإعتداء علي المال العام بأي شكل, ووضعت له تشريعات قانونية تمنع كل مظاهر الفساد, فحرمت الرشوة, والإختلاس, واعتبرت أن قبول القائم علي المال العام هدية من شخص يعد خيانة للجماعة أو الوطن, يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش( أي الوسيط في الرشوة).
وقال صلي الله عليه وسلم أيضا:( من استعملناه( وظفناه) علي عمل فرزقناه رزقا( مرتب) فما أخذه بعد ذلك فهو غلول( خيانة), ويحرم الله هذا في قوله:( ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة), أي يحمل هذا المال علي رؤوس الأشهاد عقابا له وكشفا لخيانته في يوم الحساب.
وحرمت أيضا السرقة, قال تعالي:( السارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبوا نكالا من الله والله عزيز حكيم) فكان حد السرقة القاسي لمن تمتد يده علي أموال الآخرين عقوبة له وعظة لمن تسول له نفسه بأخذ المال الحرام.
ولم يكتف الإسلام فقط بوضع التشريعات, بل عمد إلي أمور أخري تمنع الفساد منها إشاعة العدل وتساوي الفرص بين أفراد الرعية مما يمنع الرشوة والمحسوبية والقهر وكل ما يدفع الإنسان إلي اللجوء إلي المال الحرام.
والثواب.. لمن ينميه
وينبه الجندي الي أن الشريعة تعطي الثواب لمن يحفظ هذا المال ويعمل علي تنميته, يقول تعالي:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره), وقد أشار الرسول الله صلي الله عليه وسلم إلي هذا بقوله:( من أسدي إليكم معروفا فكافئوه). وهذا الموقف من الشريعة في إثابة المحافظة علي المال العام منشأة أهمية المال في تقدم الأمة وريادتها بإعتبار أن المال عصب الحياة, فلا يمكن لأمة أن تتبوأ مكانة مرموقة دون ان تكون مسلحة بالمال والعلم, وقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لا تعد ولاتحصي, قال تعالي:( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها), ومن واجب المسلمين تجاه هذه النعم أن يحمدوا الله عز وجل وأن يحافظوا عليها, وأن يستخدموها فيما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.