أكد الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر الشريف أن هذه المرحلة الخطيرة من عمر الأمة الإسلامية فتنة تمزق الأمة ومن اهم مظاهرها جمود المؤسسات الدينية وعشوائية وفوضي الاعلام .. مشيرا الي ان ذلك يستوجب توظيف امثل للأمر بالمعروف كأكبر آليات الدعوة الإسلامية والنهوض بالأمة. سواء لتصحيح المسار داخل الأمة أو لفتح نوافذ جديدة للتعريف بالإسلام لدي غير المسلمين.قال: الدوله ساهمت في احداث فوضي الفتاوي بتقديمها للازهر والاوقاف والافتاء كثلاث جهات مستقله متقابله. بينما الاولي ان يقتصر حق الإفتاء علي فئة بعينها من المتخصصين في الدراسات الفقهية وغير التابعين في عملهم إلا للمؤسسة المستقلة علي أن يكون هذا المتخصص عالماً بأصول الفقه ومقاصد الشريعة وأحكامها التي تنظم أحوال الناس وبالتالي يتم القضاء علي فوضي الفتاوي. حول العديد من القضايا المرتبطة بالدعوة والفتاوي والقضايا المطروحه علي الساحة كان هذا الحوار. * بداية كيف تري هذه المرحلة من عمر الأمة الإسلامية؟ ** هذه المرحلة من عمر الأمة الإسلامية أشبه ما يكون بالفتنة التي هي داء عضال يسري في كيان الأمم القوية فيدحرجها من عليائها ويخسف بها الأرض حتي تصبح ذرات تراب تطأها الأمم الأخري وهم لا يشعرون. فالفتنة تمزق الأمة وتعود بها من مكانة خير أمة أخرجت للناس إلي آخر الأمم وأذلها. ولهذه الفتنة مظاهر خمسة ترمز إلي الصورة العامة ومنها تضخيم العدو وتحقير الذات. والدعوة القولية للوحدة دون أدني عمل. وتهافت التنظيم الدولي والإقليمي العربي والإسلامي وجمود المؤسسات الدينية والدعوية وتراجعها وفوضي الإعلام العربي والإسلامي وعشوائيته.ومما لا شك فيه أننا في زمان الفتن الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك نتيجة القصور والإهمال الذي أصبنا به أنفسنا بالبحث عن المصالح الشخصية. أما الفتن شرعاً فإنها فتن آخر الزمان وهذه أمور لا علاقة لها بالواقع السياسي الذي تعيشه الأمة الإسلامية. * هل كانت أخطاء التيارات الإسلامية في دول الربيع العربي سبباً في أزمات هذه المرحلة أو وقوع تلك الفتنة؟ ** لا شك أن قلة خبرة الأحزاب الإسلامية وأخطاؤهم في العمل السياسي تسببت في هذا الوضع المخيف. فالإسلاميون علي درجة من الإخلاص لكنهم افتقدوا تحديد أهدافهم بدقة. فحدث ما حدث ووقع المشهد الذي شهدناه في مصر والذي أخشي أن يمتد لغيرها من الدول الإسلامية. ولذلك فعليهم أن يتحملوا ذلك وإن كنت أستثني من هذه الأخطاء الثورة المضادة وخطة الإفشال المتعمد. ومن ثم كان عليهم أن يدركوا أنه بقدر ما تكون الثورة المضادة متماسكة بقدر ما ينبغي أن ندرك ما علينا من تضحيات و واجبات. * إذن فهذه الفترة تتطلب الاتجاه للأمر بالمعروف بمعناه الشرعي. فهل توضح لنا هذا المعني؟ ** الأمر بالمعروف أكبر آليات الدعوة الإسلامية والنهوض بالأمة. سواء لتصحيح المسار داخل الأمة أو لفتح نوافذ جديدة للتعريف بالإسلام لدي غير المسلمين. وقد اتفق الفقهاء علي اعتبار الأمر بالمعروف فرض كفاية لابد من إنفاذه فإذا أداه وأحسنه وأتقنه بعض الأمة رفعت المسئولية عن جميع الأمة وإلا بقي هذا الفرض معلقاً في رقاب الأمة ويأثم الجميع كل حسب تقصيره في إنجاز هذه الفريضة. وفقهاؤنا قد استخرجوا هذه الفريضة من القرآن الكريم فقد ورد لفظ ¢المعروف¢ في القرآن قرابة "40" مرة بينها "10" مرات بلفظ الأمر بالمعروف وقد تكفل البيان النبوي بإيضاح نماذج الأداء. ومن ثم فإن هذه المرحلة تتطلب تفعيل هذا الجانب للخروج من أزمة الأمة والفتنة التي أصابتها. * لكن هناك من يستخدمون الأمر بالمعروف في التسلط علي الناس والإكراه علي فعل الخير. فكيف تري ذلك؟ ** الأمر بالمعروف لا يعني التسلط علي الناس ولا إكراه أحد علي فعل الخير.پپكما أنه ليس مجالاً مفتوح الأبواب لمن شاء أن يمارسه في أي مجال أو زمان أو مكان. فشيوع المسئولية عبث لا يتصوره الإسلام ولا يقره العقل. ولا يمكن أن يستقر مجتمع يتجرأ كل من تسول له نفسه أن يقتحم مجال غيره آمراً أو محاسباً أو حتي متهكماً أو مستنكراً. فذلك أبعد ما يكون عن الإسلام والعقل. وتثير هذه الفريضة إشكاليات أبرزهاپپما هو المعروف الذي يجب الأمر به ؟ ثم ما هي مراتب هذا المعروف فيما بينها؟ وكيف نحدد الأولويات التي يجب تقديمها والتركيز عليها قبل غيرها؟ وهذه أمور حددها ووضحها علماء الأمة. * ما رأيك في فوضي وسوق الفتاوي التي انتشرت في مصر والعالم الإسلامي؟ پفي مصر والعالم العربي والإسلامي أصبحت كل قناة فضائية وكل جريدة جزيرة معزولة تقدم وجوهاً للإفتاء من هؤلاء المتطوعين وغير المتخصصين بغرض سد النقص الذي حدث من قصور المؤسسات الدينية فلو أن الأزهر والأوقاف لهم قناة فضائية تؤدي دورها بالتزام ومصداقية لذهب الناس إليها وانصرفوا عن هؤلاء وعلي ذلك تعددت نوافذ الفتوي لأن الدولة بدأت بهذا التعدد والتقطيع فجعلت دار الإفتاء في مقابل الأزهر ومقابل وزير الأوقاف فاذا كان للدولة ثلاث نوافذ يراها الناس متعارضة وغير متكاملة فماذا يفعل الناس؟! * إذن فمن له حق الإفتاء؟ ** حق الإفتاء يقتصر علي فئة بعينها من المتخصصين في الدراسات الفقهية وغير التابعين في عملهم إلا للمؤسسة المستقلة علي أن يكون هذا المتخصص عالماً بأصول الفقه ومقاصد الشريعة وأحكامها التي تنظم أحوال الناس وعلاقاتهم بعضهم مع بعض وعلاقاتهم جميعا بالخالق سبحانه وتعالي. * في رأيك هل دخول كثير من المشايخ والدعاة في أمور السياسة أفقدهم هيبتهم وجمهورهم؟ ** هناك فرق بين الاندماج السياسي والعمل السياسي فلا حرج علي جميع الدعاة أن يكون لهم فكر سياسي وإنما الحرج أن يوظفوا هذا الفكر علي أرض الواقع ولن يستطيعوا أن يجمعوا بين أن يكون الواحدپپمنهم خطيباً للجمعة ومفكراً سياسياً يقف ليحلل كل المواقف السياسية فالجمعة طبيعتها أنها فريضة مجمعة للمسلمين أما الخطاب السياسي فيعبر عن الفصائل المختلفة. فأن يكون للدعاة فكر سياسي خاص بهم يناقشوه مع الناس فلا بأس به أما أن ينتمي الدعاة إلي أحزاب أياً كانت مرجعيتها فيتحدثون لها وباسمها فهنا يقع الحرج. وخطبة الجمعة مشروعة لتجميع الأمة حول فكرة ومنهج واحد كما يمكن استخدام المنابر في عرض أيدلوجيات وليس من حق خطيب الجمعة أن يروج لحزب وعلي الرغم من ذلك فلا يمكن أن يقال بأنه لا علاقة بين السياسة والدين فلا دخل للعقائد في الأمور السياسية ولا دخل للدعوة العامة في المسجد بالانتماءات السياسية لكن السياسة جزء من واقع الحياة والحياة جزء من الدين. * ما هي المخاطر المترتبة علي اشتغال رجال الدعوة بالعمل السياسي وانضمامهم للأحزاب؟ ** أي إنسان يحترف العمل السياسي لابد أن يبني لنفسه شخصيه يضع فيها وفي اعتباره أن يقول ويىرد عليه وأن يسمع للآخر و يعترف برأيه وهو عكس ما يحدث مع الداعية فالداعية في كثير من الأحيان وهو يقوم بدوره الدعوي يعتبر كطبيب مع مريضه فيقول وعلي المستمع وهو المريض أن يسمع وينفذ دون نقاش ومن هنا يصبح الخلط المزعج للشيخ من ناحية وما يفرق الناس من حوله من ناحية أخري فإذا تكلم الشيخ كان كالطبيب المعالج وإذا تكلم كسياسي فعليه أن يترك الخيار للناس وإذا اختلط الأمران ظن الناس أن الشيخ يدعوهم من أجل منصب ما أو منهج ما فهذه السياسة من حقه لكنها ليست واجبة عليه. * البعض يتهم رموز التيار الإسلامي وكثير من المشايخ بأنهم سقطوا في حب السلطة وتفاجئوا بها فانكبوا عليها فهل كان ذلك صحيحاً؟ ** هذا غير صحيح لأن عضوية المجالس التشريعية وغيرها من مؤسسات الدولة ليست قوة وليست سلطة فالسلطة هي التي تقهر الناس علي شيء معين ودور الدعاة هو أحد أدوار الإعلام فيعتبر جانب دعوي وجانب ثقافي وتمويلي ولا يعاب علي الدعاة فيه إلا إذا استثمروا مكانتهم عند الناس في السياسة فحينئذ تصبح توجيهاً للناس لرؤية سياسية معينة ولكن عليهم أن يعرضوا كافة الرؤي الصالحة والفاسدة ويبينوا سبب فسادها ويتركوا الفرد ليختار الرؤية التي تروق له أما قصر الناس علي رؤية واحدة أو تصور واحد منافي لطبيعة الإسلام كما لا يستحب أن يستقطب الدعاة الأمة لمذهب أو حزب معين. * البعض يري أن هناك تعارض بين الدين والسياسة ويجب الفصل بينهما. كيف تري ذلك؟ ** هذا قول أعوج فالدين جاء لإصلاح الدنيا وضمان الآخرة والسياسة هي إدارة شئون الدنيا فلا يوجد أي تعارض إنما يكون التعارض في أن نفرض السياسة بمنطق العقيدة فأن يقال للناس ¢إذا فعلت شيئاً ما تصبح مؤمناً وإن لم تفعل تصبح كافراً¢ فهذا أمر خاطئ وهذه هي لهجة مصطلحات الإيمان والكفر والحلال والحرام وهذه أمور مرفوضة في المجال السياسي فلابد أن يفرق الدعاة بين هذين المجالين. * ما معني أن الإسلام دين ودولة؟ هذا تعبير من وجهة نظري فيه قصور فهم هنا يضعون الإسلام في مواجهة الدولة وهو أكبر من ذلك بكثير فهذا الشعار لابد أن يكون أن الإسلام دنيا وآخرة فالدنيا اجتماع واقتصاد وسياسة أما الآخرة فهي عبادة وإخلاص وتقوي وإيمان بالغيب.