تعتبر القنوات الفضائية الجديدة التى تطلق على نفسها قنوات دينية منبراً للسياسة تحت شعار الدين فهى تحولت من قنوات دعوية مهمتها الاساسية توصيل الرسالة الاسلامية الى الجماهير وتعريفهم بدينهم، وعرض الآراء الصحيحة لهم عبر الدعاة الازهريين الذين يفتون المسلمين فى مشاكل حياتهم اليومية وأمور دنياهم المتعلقة بالدين مثل فتاوى الزكاه والصوم والزواج والطلاق . إلا اننا لاحظنا فى الفترات الأخيرة ان بعض مشايخ تلك القنوات تركوا الناحية الدعوية وأصبحت مهمة تلك الفضائيات سياسية بحتة من حيث عرض آراء التيارات التى تنتمى اليها وتأييدها بشدة ومهاجمة الأراء المعارضة وأصحابها بعنف الامر الذى وصل الى حد السباب والتلفظ بألفاظ خارجة لا تصح ان تصدر عن شخص من قطاع المشايخ والدعوة الاسلامية، وجاء من بين تلك الفضائيات الحافظ والحكمة والناس والمجد والبراهين والخليجية والأمة. ومن ثم كان لابد من وقفة امام تلك الظاهرة ومعرفة كيفية معالجتها من قبل علماء أزهريين ، حيث يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إن حالة الفراغ الدينى بين الناس، والأمية الدينية التى تعانى منها قطاعات كبيرة من المجتمع أدى بها إلى أنها أصبحت فى مرمى القنوات الفضائية الدينية وسط حالة من انسحاب كامل للمؤسسات الدينية الرسمية المعتدلة فى العالم الإسلامى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تمثل « خير أمة أخرجت للناس» وتثير الفرقة والصراع الذى نهى الله تبارك وتعالى عنه حين قال «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا «وهى أيضا بعيدة كل البعد عن منهج الدين الحنيف الذى أمرنا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادل الناس بالتى هى أحسن فلا الفضائيات السلفية السنية خدمت مدرسة السنة والجماعة .. ويضيف عاشور قائلاً كما ساهم فقهاء الفتنة فى الفضائيات فى نشر فكر التكفير والتمزق والطائفية، وقد آن الأوان أن تغلق فضائيات الفتنة الناطقة بإسم هؤلاء أو أولئك، وآن الأوان لتنطلق قنوات العقل السليم التى تقدم الإسلام دينا وسطيا حضاريا مستنيرا، لا إسلام الفتنة بين عنصرى الأمة .
فيما يرى د. حامد ابو طالب عضو مجمعى البحوث الإسلامية إن الأصل فى الفضائيات الدينية التى كثر عددها فى مصر انها تؤدى خدمة جليلة وفرصة سانحة لتعليم الناس امور دينهم على أساس صحيح لكن المشكلة تمثلت فى اتسام تلك القنوات بطابع مختلف وفقا لآراء واتجاهات ملاك القناة ومن ثم يختلف الأمر من قناة إلى قناة أخرى مما ادى إلى فوضى فى الأقوال وفى الفتاوى وأصبحت القنوات الفضائية الدينية مجالا لغير المتخصصين على اختلاف انتماءاتهم واصبحت مجالا وميدانا لتصفية الحسابات واصطبغ بعضها بطابع سياسى فاصبحت تصبغ الفتاوى بصبغة سياسية وهو أمر بالغ الخطورة.
ومع ذلك لا يطالب د. حامد بغلق تلك القنوات الدينية ولكن يطالب بمجلس تنسيقى ينسق بين تلك القنوات ويوجهها ويخصص بعضها للحديث فى بعض الأمور وبعضها الآخر فى امور اخرى بما يكمل بعضها البعض.
كما دعا أبو طالب الفضائيات الدينية والقائمين عليها للانضمام إلى المجلس الإسلامى العالمى للدعوة والإغاثة باعتبار ان تلك القنوات تعمل فى الدعوة إلى الله ومن ثم يحق لها ان تكون عضوا فى المجلس الإسلامى فى الدعوة والإغاثة ويعمل تحت رعاية المجلس بحيث يلطف سلوكهم.
واوضح أن ما يحدث فى بعض القنوات الفضائية الدينية مخالف للاسلام حيث أن الدعوة لا تتعرض لأشخاص ولا تسب احدا وإنما تكتفى بنشر المعلومات واتاحتها للجميع ، كما الفتاوى الشاذة التى تثير الفتن عمل إجرامى يستحق صاحبه العقاب .
ولفت إلى ان هناك فضائيات دينية تحاول طبع السياسة بطابع الدين أو تسخير الدين للسياسية وإصدار فتاوى معينة تخدم اتجاهات سياسية وهو أمر بالغ الخطورة وفيه يبيع المفتى دينه بدنياه ، مؤكدا أنه لابد أن تكون كل المواد العلمية والدينية فى تلك الفضائيات تصب فى اتجاه تقديم ما يساعد الناس على الوصول للجنة كما يتم رفع هذا الشعار فى بعض القنوات الدينية.
فيما ذكرت د. سعاد صالح أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر أن عملية التنظيم لن تحد من منهج هذه الفضائيات والتى يعتمد مشايخها على الاختباء وراء الفكر الوهابى المتشدد لافتة إلى صعوبة إقناعهم بتغيير سياسة القنوات التى يعملون بها ومشددة على أن الحل هو الإغلاق الكامل وليس التنظيم.
وعللت كلامها بأن مشايخ تلك القنوات معروفون بفكرهم اللاذع وغير القابل للتحاور مع الآخر أو الاقتناع بأن الخطاب الإسلامى الصحيح هو التعامل مع العلماء بأدب، كما كان يفعل أئمة المذاهب.
وتابعت أن إصدار قرارات من هيئة الاستثمار بهذا الشأن سيساعد على انضباط الفتاوى ويحفظ كيان المبدأ الفقهى القائم على الاختلاف بين المذاهب والذى تبلور فى عصر الأئمة الأربعة عندما كانوا يتحاورون فيما بينهم رغم اختلافهم.
كذلك هاجم د. احمد ترك خطيب مسجد النور بالعباسية تلك الفضائيات قائلاً لدينا قنوات كثيرة بعضها ينتمى لبلاد أخرى تنشر فكرا يدور فى هذه البلاد، وللأسف التليفزيون المصرى لا يقول دينا وإنما يقول مسلسلات وأفكارا ربما لا يستقيم بعضها مع ما ينبغى أن يكون عليه الحال، وهذه القنوات تتكلم فى أشياء غريبة عن مجتمعنا، الفكر الدينى يعيش أزمة حادة لأنه أصبحت لدينا تيارات غريبة وعجيبة تتكلم بالدين، والكثير منه لا يعلم. وينتمى لفكر متشدد ومتطرف، والأزهر هو الفكر المعتدل الآن ولكنه يواجه حرباً شديدة من تلك التيارات.
وأضاف ترك انه لابد من وضع لميثاق شرف إعلامى يجب ألا يتعداه أحد والعمل به للجميع حتى لا نفاجأ بشخص يطلق على نفسه شيخ ويقدمه المذيع على انه داعية ويطلق السباب على الناس لأن الفضائيات حالياً يشاهدها العالم كله مما يسىء لصورة مصر منبر الأزهر الشريف .