أتحدث معكم اليوم عن "المخرج من الأزمة" إذ لا يجوز أبدا للعلماء والدعاة وطلبة العلم أن يكونوا بطرحهم العلمي والدعوي في جانب وأن تكون امتنا بمشكلاتها وأزماتها في جانب آخر ففي كل محنة وأزمة تمر بها أمتنا عامة ومصرنا الحبيبة خاصة ينتظر أهلنا الأفاضل من شعب مصر العبقري الذكي ينتظر الناس أن يسمعوا كلمة حق من العلماء والدعاة بعيدا عن التحليلات السياسية والاستراتيجية والعسكرية إلي غير ذلك من أنواع التحليلات التي أصابت كثيرا من الناس بالشك وأصابت كثير من الناس بالقلق. فالناس في حاجة إلي أن يشخص الداء وأن يحدد الدواء من كتاب رب الأرض والسماء ومن سنة إمام وسيد الأنبياء صلي الله عليه وسلم ما يجري الآن علي أرض مصر أقول بملء فمي إنها فتنة خطيرة فتنة تريد لمصر أن تسقط وفتنة تريد لأهل مصر أن ينقسموا وأن ينشقوا وأن يخون بعضهم البعض الآخر بحيث لا تبقي ثقة في أحد أو لأي أحد فالتشكيك والتخوين ما أيسره وما أخطر هذه الفتنة. لن تصيب فئة في مصر بعينها وإنما ستحرق نارها كل من يعيش علي أرض مصر من الإسلاميين وغير الإسلاميين وليعلم يقينا من يشعلون نار الفتنة الآن فليعلموا يقينا أن هذه النار ستحرقهم ابتداء وستحرق الجميع انتهاء إن لم يتحرك العقلاء والحكماء من الصالحين المصلحين الأمناء الذين لا يعملون لصالح أجندة خارجية حقيرة ولا لصالح أجندة داخلية خطيرة وإنما يعملون لله جل وعلا لنصرة دين الله ثم لصالح هذا البلد الذي يريد أولئك أن يسقطوه وأنا لا أقول ذلك جزافا لأنقض ما أصلت في كلماتي الأولي من خطر التخوين وإنما أتحدث عن حقائق بكلمات أصحابها وبأصوات أصحابها. إن الفتنة لا تصيب من أشعل نارها فقط قال جل وعلا: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" 25: الأنفال. لكن كيف تصيب الفتنة أهل الصلاح كيف تصيب الفتنة من لم يظلم تصيب الفتنة أهل الصلاح إن أصيبوا بالسلبية إن نظر أحدهم إلي الفتنة تشتعل نارها وهز كتفيه ومضي وكأن الأمر لا يعنيه لأنه في ذاته من الصالحين لا يكفي أن تكون صالحا في ذاتك وإنما يجب أن تكون مصلحا كذلك أن تأمر بالمعروف بمعروف وأن تنهي عن المنكر بغير منكر وألا تنتظر أبدا أن يرضي عنك الخلق فلن يرضي كل الخلق عن واحد من الخلق. كيف ولم يرض كل الخلق عن سيد الخلق بل وكيف ولم يرض كل الخلق عن الخالق جل جلاله والله لو صحب الإنسان جبريل لن يسلم المرء من قال ومن قيل قد قيل في الله أقوال مصنفة تتلي إذا رتل القرآن ترتيلا. قد قيل إن له ولدا وصاحبة زورا عليه وبهتانا وتضليلا. هذا قولهم في الله خالقهم فكيف لو قيل فينا بعض ما قيل. فقل الحق ولا ترضي به إلا ربك ولا تجامل أحدا من الخلق بحال علي حساب دينك بل قل ما يرضي ربك سبحانه لا ما يمليه عليك هواك أو حزبك أو جماعتك أو مصلحتك الخاصة بل قل ما تنصر به الدين وما تخدم به هذا البلد الكريم وهذا الشعب النقي العبقري. يقول نبينا صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها حين دخل النبي عليها يوما فزعا يقول: "لا إله إلا الله لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق حبيبنا بأصبعيه السبابة والإبهام فقالت أم المؤمنين: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". وأنا أقسم بالله قد كثر الخبث لقد انتشر المنكر وقل المعروف وقل الآمرون بالمعروف بمعروف وانتشر المنكر وأهل المنكر من المنافقين الخبثاء الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف الذين ينصرون الباطل بكل لغة ويعلنون الحرب علي الحق بكل لغة ولكن هيهات هيهات فمهما انتفخ الباطل وانتفش كأنه ظاهر فإنه زاهق ومهما انزوي الحق وضعف كأنه زائل فإنه ظاهر قال جل وعلا: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" 81 الإسراء.. وقال جل وعلا: "بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" 18: الأنبياء. لا استطيع أبدا أن أتحدث عن هذه الفتنة التي تمر بها بلدنا دون أن أتحدث عن إراقة الدماء فهي أخطر فتنة. لصالح من تسفك دماء المصريين علي أرض ميدان التحرير أو علي أرض شارع محمد محمود أو علي أرض ماسبيرو أو علي أرض ميدان قصر العيني أو مجلس الوزراء؟ لصالح من تسفك هذه الدماء؟ الدماء ليست رخيصة أحذر من يستهين بالدماء من يمسكون الآن بالمسدسات كاتمة الصوت ليطلقوا الرصاص الخائن في أظهر بعض شبابنا وأولادنا وأحذر الجميع ممن يستهينون بالدماء أحذر المجلس الأعلي وأفراد الأمن وأفراد القوات المسلحة وأحذر الشباب المسلم والقبطي والنصراني كذلك فأنا اتحدث الآن عن حرمة دماء المصريين لا أتحدث عن حرمة دماء المسلمين فقط بل دم كل مصري يعيش علي أرص مصر سواء كان نصرانيا أو مسلما لها حرمة لا نجامل بذلك مخلوقاً علي وجه الأرض بل نرفع رءوسنا لتعانق كواكب الجوزاء لنعلن للدنيا كلها ونقول هذا ديننا وهذا قرآننا وهذا نبينا. الدماء عندنا لها حرمة قال جل وعلا في دماء المؤمنين: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" 93: النساء.. وقال نبينا كما في صحيح البخاري من حديث عمر: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" وكان ابن عمر يقول: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله". وقال صلي الله عليه وسلم كما في رواية النسائي بسند صحيح من حديث بريدة: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" ونظر نبينا يوما إلي الكعبة زادها الله تشريفا وقال لها: "ما أعظمك وما أعظم حرمتك ولكن حرمة المؤمن أعظم عند الله منك".