أكد خبراء التربية وعلم النفس والاجتماع أن الأديان السماوية جميعها والسلوكيات الإنسانية السوية ترفض العنف والتعصب بجميع أشكاله وأطيافه. وتدعو لنشر المحبة والود بين جميع البشر بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو الجنسي.. وطالبوا بتفعيل وتطبيق القانون بحذافيره وبكل حزم وحسم لمواجهة الانفلات الأمني والأخلاقي والتهريب المفتوح علي مصراعيه عبر الحدود لكل السلع الممنوعة بداية من السلاح مرورا بالمخدرات. في البداية يري الدكتور علي إسماعيل- أستاذ التربية بالمركز القومي للبحوث التربوية وعضو لجنة التربية بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية- أن التفاهم بين الناس يحتاج لمهارات في الحوار العلمي البنّاء والمناقشة العلمية. وكل هذه الأشياء تكاد تكون معدومة في مناهج التربية والتعليم العام بخاصة في حلقة التعليم الأساسي ولمّا يشب المرء وينشأ وهو يفتقد الي مهارات الحوار كما صوّرها القرآن الكريم في سورة الكهف بداية من الآية 63 بين نبي الله سيدنا موسي وهو من أولي العزم وكيف يتعلم من الرجل الصالح سيدنا الخضر عليهما السلام. كل ذلك يكاد يكون مفقودا تماما في مراحل التعليم قبل الجامعي. وللأسف الشديد ليس عند التلميذ فقط بل عند المعلم أيضا فهو يفتقد لأسلوب الحوار العلمي. يضيف : من هنا نستطيع أن نرجع المشكلة كلها إلي غياب مناهج التربية والتعليم التي هي سبب نصيب الأسد في هذا الداء الذي نعانيه حاليا. والجزء الباقي مرجعه الي الإعلام وهو بنسبة أقل من 40% وخصوصا الإعلام المرئي الذي يسيطر علي النشء منذ نعومة أظفاره من خلال ذلك الحوار الذي يكاد ينقلب الي شتائم وسباب وخلع أحذية أحيانا كما نراه في كثير من البرامج الفضائية.. ويأتي بعد ذلك دور الأسرة بل هي الأساس والبداية التي لم تعد تربي الطفل علي الحوار الجيد البنّاء المهذّب. ثم يشاهد الأبناء جرائم القتل علي الفضائيات. ومن هنا يصبح أسلوب الحياة وكأنه متمثل في القوة التي تدمر المتحاورين المختلفين وتقضي علي الطرف الآخر قضاءً مُبرماً بالدم. بينما الإنسانية وكل الأديان السماوية وجميع مناهج التعليم الفعّال تحرص علي تربية النشء تربية تريحنا من هذه المآسي. وقال الدكتور علي اسماعيل : لعلّ ذلك يجعلني أتوجّه بالرجاء للدكتور محمود نصر وزير التربية والتعليم لإعادة النظر في مناهج التعليم قبل الجامعي خاصة في مناهج اللغة العربية والعلوم الشرعية التي تفتقد لكيفية تربية النشء تربية تدرّبهم وتُعوّدهم علي المناقشات الهادئة والحوارات البنّاءة. هذا فيما يتعلق بالنشء الصغير ومن ثم تستطيع تلك المناهج أن تنقذ النشء من الجرائم والخطر الذي نراه في كثير من مشاهد الحياة كما في حادثة الموسكي مؤخراً. وعن المرحلة التالية للطفولة يؤكد الدكتور علي إسماعيل أن من تخطي المراحل العمرية التعليمية. وللأسف لا يجيدون فن الحوار البنّاء الموضوعي. وهؤلاء نستطيع تقسيمهم الي شريحتين الأولي: أولئك المتعلمون. وهؤلاء أمرهم يحتاج الي تدريب كفاية يختلف باختلاف مواقعهم الوظيفية. وللأسف كنت قد أرسلتُ لوزير الإعلام السابق صلاح عبد المقصود. لتدريب العاملين بالإعلام خاصة الإعلام المرئي والمسموع. لتنمية مهاراتهم الحوارية. لكنه لم يرد. وأجدد الدعوة للوزيرة الحالية إذا رغبت في هذا. أما الشريحة الثانية فهي غير المتعلمين. أي الذين نراهم في النقابات والجمعيات الأهلية وغير ذلك من طوائف الشعب. وهم أهلنا وتنمية مهارات الحوار لديهم واجب وطني. فينبغي أن تطّلع به جهات أعمالهم ونقاباتهم والجمعيات الأهلية ذات التخصص في ذلك. وينهي الدكتور علي إسماعيل كلامه بقوله : الواجب علي علماء النفس بمصر وعلي رأسهم د. أحمد عكاشة وكل زملائه الذين ينبغي عليهم تشخيص الظاهرة ودراستها دراسة سيكولوجية أنثربولوجية. ووضع معايير العلاج لهذه المشكلة والأمر مهما كان فهو جد يسير لأن المواطن المصري إما مسيحي أو مسلم. والمسيحية عنوانها ¢الله محبة¢ والإسلام دين الرحمة والحب والوفاء. فكلاهما يرحم الإنسان وينأي به مواطن الخطر والانجراف الي الجريمة فضلا عن القتل. الانفلات الشامل يرجع الدكتور منصور مغاوري- أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- ظاهرة العنف في المجتمع الي الانفلات الأمني وانتشار السلاح بشكل كبير خاصة عقب ثورات الربيع العربي التي تجاوزت الحدود وانتشر التهريب فيما بينها فامتلأت مصر بشتي أنواع الأسلحة حتي الخطيرة منها. أضف الي ذلك قضية فتح السجون والأقسام مما ترتب عليه هروب كبير لعتاة الإجرام والبلطجية الذين عاثوا في البلد خرابا وتدميرا. ويؤكد د. مغاوري أن انتشار السلاح في يد الكثير يبعث علي الشعور بالقوة والاطمئنان خاصة لدي الشخص الضعيف. ولأننا لم نتعلم علي قبول الرأي الآخر ولا توجد لدينا منطقة وسط نلتقي عندها في الفكر أو التناقش والتحاور. حيث الجميع لدينا يسكن في المنطقة الأكثر تشددا سواء علي اليمين أو اليسار. والمشكلة في أن الجميع يوقن ويؤمن بأن رأيه فقط هو الصواب ورأي غيره خطأ. وبالتالي يسعي كل واحد لفرض رأيه هذا بالقوة والعنف. يضيف د.مغاوري: هناك نوازع أخري ساهمت بشكل كبير في انتشار العنف ألا وهي النوازع المادية حيث أصبحت حياتنا تحكمها العلاقات المادية أكثر من أي وقت أو شيء آخر. بل أثّرت هذه النزعة المادية خاصة مع انعدام وافتقاد وغياب القدوة التي سقطت سواء بسرقة المال العام أو الانفلات الأخلاقي. في مقابل هذا نجد تفشي البطالة والإحباط عند الشباب الذي قام بالثورة علي الأوضاع السابقة رافعا شعارات جميلة من حرية وعيش وكرامة وعدالة اجتماعية. ثم فؤجئ بعدم تحقق أي منها. مما زاد من حالات العنف والارتباك في كل المجالات والعلاقات والتعاملات. وينهي كلامه بالتأكيد أن المخرج الوحيد لمجتمعنا من هذه الهاوية يتمثل في ضرورة وحتمية إعمال وتنفيذ القانون بحسم وحزم حتي تعود الأمور الي نصابها الطبيعي ويُقضي علي العنف في أي مكان. التركيبة المصرية عن التحليل الاجتماعي للظاهرة يقول الدكتورالوليد العادل- أستاذ الاجتماع الزائر بالجامعات الأمريكية : تعلّمنا وعلمنا أن الجغرافيا تصنع التاريخ. والتاريخ يصنع الثقافة. والثقافة تصنع الشخصية ¢شخصية الشعوب¢..وجغرافية مصر التي تتوسط العالم جعلتها ملتقي لثقافاته وجعلتها تنحو نحو الوسطية. كما أن طبيعة أرضها المنبسطة ونيلها العظيم أدي في النهاية لشخصية منبسطة وسلسة وآمنة ومأمونة. وتاريخها نتيجة لذلك حفل بالإشعاع الحضاري الفرعوني العظيم. إشعاع العلم والسلم والإيمان والأمان. ودخول الأديان كمكوّن أساسي للثقافة ثبّت في الشخصية المصرية قيم الحب والتسامح والرحمة والسلاسة والكياسة واللباقة واللياقة. وحتي في الحروب التي خاضتها مصر كان جيشها العظيم يتعامل مع الأعداء بجسارة وبسالة مغموسة في قيم الإنسانية وخُلُق الفروسية. أما ما نلمسه الآن من النزوع الي العنف وفرض الرؤي بمنطق القوة لا بقوة المنطق لتصل أحيانا لدبلوماسية المسدس وحوار الكلاشنكوف. فذلك مرده الي عوامل ظرفية تحولت الي فيروس يهاجم جهاز المناعة القيمي والأخلاقي العريق ويضربالبنية الأساسية للشخصية المصرية في الأسس والقواعد. يضيف د.الوليد: هناك مثلا جماعة الإخوان التي خرجت من تحت الأرض وتصدّرت المشهد بعد الثورة بتراث العنف وثقافة الدم التي تكوّن عقيدة مميزة لهم كفصيلة الدم والحمض النووي. وهناك العائدون من ¢ الجهاد المدفوع الأجر¢في شتي أنحاء المعمورة أو ¢المخروبة¢ وهناك فكر الاستئثار بالغنيمة ¢ مصر ¢ التي وصلوا الي حكمها عن طريق ديمقراطية المرة الواحدة التي تلقي في القمامة بعد الفوز في الانتخابات. وهناك أيضا إعلام قنوات المصارعة وأفلام العنف الدموي التي تؤثر بشكل مباشر علي وجدان المشاهد وتشكل عن طريق الإحلال القسري منظومة قيمية جديدة لديه ومايثير الجزع والفزع أن هذا النمط الفكري والسلوكي انتقل الي علاقات الأفراد حتي داخل الأسرة الواحدة. وعن سبيل الخروج من هذه المحنة يؤكد د. الوليد أنه لا سوي بحكم رشيد وحاكم عادل يجعل الناس يشعرون أنهم سواء في الحقوق والواجبات وأنهم جميعا مشاركون فاعلون في بناء البلد ثم في اقتسام خيراته. حكم قوي نقي تقي يعيد فرض القانون والأمن للوطن والمواطن.