كان المصريون مضرب الأمثال والقدوة في التعامل مع غيرهم.. كانوا يقدسون الحب والاحترام ومراعاة الآخر في ماله وعرضه ونفسه.. الآن يتساءل الكثيرون لماذا أصبح الانسان في الشارع المصري غليظ الخلق جاف الطباع لا يعرف التسامح والذوق الرفيع..؟! اجمع الكثيرون وهم علي حق انه عندما اتت ثورة 52 يناير كسرت حاجز الخوف عند الناس فتحول الذي كان »يخاف مايختشيش« الي انسان »لا يخاف ولا يختشي«.. وأصبح هناك درجة فجة من الانفلات والتخريب والتراشق بالألفاظ النابية. ذهب الخوف من الشرطة ومن القانون ومن الحكومة عموما.. ولم يبقي الا الخوف من البلطجية! ماذا يقول اساتذة علم النفس والاجتماع والدين والشخصيات العامه عن تفشي هذه الظاهرة الغريبة؟! يقول د. عبد المحسن إبراهيم: أستاذ علم النفس والتنمية البشرية: السبب الأول يرجع إلي الانفلات الأخلاقي وارتباطه بالانفلات الأمني وان المصريين في الأساس لم يتعودوا علي الديمقراطية وعلي التعبير عن الرأي. ويري دكتور عبد المحسن ان حالة الإنفلات الأخلاقي أصبحت تظهر عند أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء فلم يعد العمال وحدهم الذين يحتجون ويقطعون الطرق ويخربون ولكن أصبح أساتذة الجامعات والقضاة رغم تعليمهم العالي وثقافتهم يتعاملون بنفس أسلوب العوام من الناس فأصبح المنطق إما تحقيق المطالب أو الثورة والإضراب عن العمل.. شكل آخر من أشكال الإنفلات الأخلاقي يرصده الدكتور عبد المحسن ولكن من خلال فئة أخري في المجتمع وهم البلطجية والهاربون من السجون والذين يمارسون العنف الان بشكل به نوع من السيكوباتية والخلل النفسي فهم لا يسرقون بغرض السرقة والحصول علي المادة ولكن بغرض التخريب والانتقام من الطرف الاخر لكن لديهم حقد وغل تجاه طبقات المجتمع المختلفة وهو أسوأ أنواع الإنفلات. الاحتجاج والتخريب دكتورة هادية رشاد استاذ أصول التربية بجامعة حلوان تؤكد أن ظاهرة الإنفلات الأخلاقي في المجتمع لها أساس منذ بداية التعليم فالتربية والتعليم لو يؤدوا دورهم في المرحلة السابقة في إرساء الأخلاق والمبادئ والقيم وكذلك المناهج الدراسية لم تكن للتعليم ولا للتربية.. فالشعب ليس لديه رصيد من الأخلاق التي تجعله في المواقف الصعبة يتصرف بشكل حضاري. الإنفلات الأخلاقي لم يظهر فقط من البلطجية والعشوائيات ولكن ظهر من مجتمع النخبة والمستثمرين والذين يمتلكون المال الذين أدي الي ظهور مجتمع البلطجة.. هناك فرق بين الاحتجاج والتخريب.. فعندما يكون هناك رصيد من حب الوطن والانتماء يكون الاحتجاج بشكل حضاري ولكن مع ما أوجده النظام السابق من رصيد للحقد والفروق بين الطبقات أصبح التخريب هو الوسيلة للاحتجاج. غياب العقاب والردع دكتور أشرف فرج أحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها يري ان السبب الرئيسي هو الغياب التام للدولة بكامل مؤسساتها الحقيقية ولم يكن هناك عقاب وردع لأي سلوك وبالتالي تحولت الحياة الي غابة فالناس أصبحت تتعامل بمنطق القوة الغاشمة وهي التي يغيب عنها كل الأبعاد الأخلاقية.. موقف الحكومة من بعد الثورة يشجع علي العنف حيث لا توجد عقوبات رادعة.. وقفات احتجاجية في كل مؤسسات وشركات الدولة.. كل ذلك كان يستدعي العقاب ولكن الذي حدث هو العكس.. الاستجابة لمطالبهم ذلك شئ مؤسف.. إن النتيجة الحتمية لسوء التعبير عن الرأي هو الإنفلات الأخلاقي.. والمتوقع أن يكون ما هو قادم أسوأ فالناس محبطة إحباطا غير عادي بعد اعتقادهم بالانتصار لثورتهم والحصول علي مكاسب الثورة وما يحدث الان جعل الناس تكفر بالثورة وهذا ظلم. التمردعلي الدولة السفير أحمد الغمراوي عضو المجلس المصري للشئون الخارجية: فترة الثلاثين سنة السابقة كانت تمهيدا لهذا الإنفلات الذي يحدث الان بصور مختلفة فلم يكن هناك نوع من التربية في المدارس وكان هناك غياب لدور الأسرة وأيضاً كان يعاني الشباب من الضغط الأمني والفكري فلم يعبروا عن آرائهم ولم تكن هناك حريات فأصبح التمرد علي كل شئ وعلي الدولة نفسها. الانفلات الاخلاقي خطر ويشير الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإنجليزية بجامعة الأزهر الي أن الثورة لن تحقق مطالبها ما لم نلتزم بقيم وأخلاقيات الإسلام فالرسول الكريم يقول »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق« فغياب الأخلاق يفتح الباب أمام الكوارث التي قد تهلك الأمة فلابد من إيقاظ الهمم والتمسك بثوابتنا الدينية وتجنب الوقوع في السلوكيات الخاطئة وهو ما يتطلب نشر الوعي الديني خاصة بين الشباب. ويؤكد أن الإنفلات الأخلاقي أكثر خطراً من الانفلات الأمني ذلك لأن الأخير يمكن علاجه ببعض الإجراءات الحاسمة أما الانفلات الأخلاقي فهو أكثر صعوبة في علاجه لأن الأخلاق مسألة تربية تنشأ مع المواطن منذ الصغر وتقع مسئوليتها في البداية علي الأسرة والتعليم ومعالجة هذا الإنفلات الأخلاقي يحتاج الي وقت وجهد تشارك فيه كافة الجهات المعنية. الحرية والمسئولية السفير إسماعيل أبو زيد سفير الأممالمتحدة لشئون التنمية في أفريقيا: السبب الأساسي هو عدم وضوح الرؤية، فبعد الثورة هناك حالة من فقدان الثقة بين الشعب والسلطة، وهناك صراع أيدلوجي بين القوي الإسلامية والقوي العلمانية أدي الي محاولة اجتذاب الشعب وبالتالي انتشار حالة من التخبط.. فالحرية والمسئولية وجهان لعملة واحدة وحالة التخبط التي يعيشها المجتمع الان هي أرض خصبة لتوليد العنف وفرض الرأي بالقوة والبلطجة. ضوابط للتظاهر اللواء فؤاد علام خبير الشئون الأمنية: هناك حالة من الضباب شديدة جداً.. احتقان سياسي واجتماعي وأمني، ضبابية شديدة، هذه الحالة تفرز حالة من الارتباك في الإدارة ومنظومة الأمن ليست لديها القدرة علي القيام بدورها ولكن مع تزايد الجريمة وتطورها بصورة بشعة ومستحدثات كثيرة أصبح مواجهتها بإمكانات الشرطة الحالية أمر صعب. ولكن يجب وضع ضوابط قانونية حاكمة لتنظيم التظاهر حتي لا يحدث تخريب وأن يتم التنسيق مع الأمن حتي يحمي التظاهر ويمنع دخول المخربين وكذلك يتم تحديد أماكن محددة للاعتصام والتظاهر حتي لا تتعطل مصالح الوطن وتتوقف الحياة في البلاد.