تتردد مقولة أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا بحد السيف. وأخضع الناس لعقيدته بالقوة العسكرية. من حين لاخر. وبالرغم أن عقول الأمة ومفكريها فندوا هذه الفرية وبينوا تناقضها مع تعاليم الإسلام القطعية. وأن الوقائع التاريخية تكذبها. وأيضا يكذبها المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم. إلا أن البعض يصر علي نشر الأكاذيب التي تمتلئ طعنا في الإسلام وتشريعاته. ونفي الدكتور علي جمعة- المفتي السابق للديار المصرية- المزاعم الكاذبة التي تدعي أن الإسلام انتشر بالسيف. وقال إن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف. والإصرار علي جعله طرفا في الصراع وموضوعا للمحاربة. أحدث لبسا شديدا في مفهوم الجهاد عند المسلمين. حتي شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف. وأنه يدعو إلي الحرب وإلي العنف. ويؤكد انه يكفي في الرد علي هذه الحالة من الافتراء. ما أمر الله به من العدل والإنصاف. وعدم خلط الأوراق. والبحث عن الحقيقة كما هي. وعدم الافتراء علي الآخرين. حيث قال سبحانه في كتابه العزيز: "لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون". موضحا أن هناك كتاباً غربيين فطنوا لبطلان هذا الادعاء منهم الكاتب الغربي الكبير توماس كارليل. الذي قال في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة" ما ترجمته: "إن اتهامه- أي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم- بالتعويل علي السيف في حمل الناس علي الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم. إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس. أو يستجيبوا له. فإذا آمن به من يقدرون علي حرب خصومهم. فقد آمنوا به طائعين مصدقين. وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها".. كما يقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه" "حضارة العرب" وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده- صلي الله عليه وسلم- وفي عصور الفتوحات من بعده: "قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة. ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها. وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا كالترك والمغول. وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل. ولم يكن الإسلام أقل انتشارا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط". ويضيف ان الرسول- صلي الله عليه وسلم- مكث بمكة ثلاثة عشر عاما. يدعو إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل في الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم. وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء. ولم يكن لدي الرسول- صلي الله عليه وسلم- ثروة عظيمة يغري بها هؤلاء الداخلين. ولم يكن إلا الدعوة. والدعوة وحدها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمل المسلمون من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله. فما صرفهم ذلك عن دينهم وما تزعزعت عقيدتهم . بل زادهم ذلك صلابة في الحق. وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم. وما سمعنا أن أحدا منهم ارتد سخطا عن دينه. أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه. وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء. أضاف أن دعوي تخيير الناس بين الإسلام والسيف. كذبة ومغالطة لا يسندها تاريخ أو حقيقة. فالثابت بالنصوص الشرعية والوقائع التاريخية أن المسلمين كانوا يخيرون من يقاتلونهم. إذا كتب عليهم القتال. بين أمور ثلاثة: الإسلام أو دفع الجزية أو القتال. والجزية مبلغ زهيد يطلب من الرجال القادرين علي القتال. ولا يؤخذ من امرأة. ولا صبي. ولا زمن ولا أعمي ولا فقير. ولا راهب في صومعته. وتتفاوت بتفاوت قدرات الناس. فكل علي قدر طاقته. وطلب مثل هذا المبلغ في مقابلة حمايته وكفالته والدفاع عنه ليس شيئا باهظا يكره صاحبه علي ترك دينه والدخول في الإسلام. ويؤكد أن الوقائع التاريخ أثبتت ان المسلمين حينما فتحوا البلاد. لم يتدخلوا قط في شئون دينها. ولم يرغموا أحدا قط علي تغيير عقيدته. ولم يثبت التاريخ واقعة واحدة أكره فيها فرد غير مسلم. أو أسرة غير مسلمة. أو بلدة غير مسلمة. أو شعب غير مسلم. علي الدخول في الإسلام. قال إن التاريخ أثبت أن كثيرا من البلاد الإسلامية التي نعرفها اليوم لم يدخلها جيش مسلم. مبينا أن هذه الدول دخلت في الإسلام بتأثير التجار وغيرهم من الناس الذين لم يكونوا علماء ولا دعاة محترفين. وإنما أحبهم الناس لما رأوا فيهم من صدق الإيمان. وحسن الخلق. وحب الخير للناس. فكانوا أسوة حسنة. فأحب الناس دينهم بحبهم. ودخلوا فيه أفرادا وجماعات. هكذا دخل الإسلام في ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وغيرها بوساطة تجار حضرموت وأمثالهم ممن جاءوا من جنوب اليمن. ضاربين في الأرض. مبتغين من فضل الله. وهناك بلاد كثيرة في إفريقيا انتشر فيها الإسلام عن طريق الطرق الصوفية. وعن طريق الاحتكاك بالمسلمين. والتأثر بسلوكياتهم وآدابهم وأفكارهم. وحتي البلاد التي دخلتها الجيوش كان وجودها محصورا في العواصم والثغور. لا في كل المدن والقري. ويضيف ان الجيوش الإسلامية التي فتحت الهند الكبري. لم تدخل إلا في دائرة محدودة. ولكن انتشار الإسلام في القارة الهندية. كان أبعد وأوسع بكثير مما دخلته الجيوش. وامتدت دعوته شمالا وجنوبا. وشرقا وغربا. حتي كان من تأثيرها وجود دولتين إسلاميتين كبيرتين هما باكستان وبنجلاديش. ووجود أكبر تجمع إسلامي للمسلمين في الهند بعد إندونيسيا. برغم شكوي كثير من العلماء والناقدين من تقصير المسلمين خلال حكمهم الطويل للهند. من توصيل الدعوة للهندوس.