يحتفل المسلمون في منتصف شهر شعبان من كل عام بذكري تحويل القبلة من بيت المقدس إلي البيت الحرام» حيث إنها من الذكريات الخالدة التي خلدها التاريخ والتي كانت في ليلة النصف من شهر شعبان بعد هجرة المصطفي "صلي الله عليه وسلم" بسبعة عشر شهرًا.. وبعد تحويل القبلة حصل لبعض السفهاء من الناس من أهل النفاق والريبة. زيغ. -وما أشبه الليلة بالبارحة- وقالوا كما قال القرآن علي لسانهم: "مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا"پ"البقرة:142". أي ما لهؤلاء المسلمين تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا. فأنزل الله قوله: "قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَي صِرَاطي مُّسْتَقِيمي"پ"البقرة:142". وقد روي الإمام أحمد في مسنده عن السيدة عائشة "رضي الله عنها" أنها قالت: قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" -يعني في أهل الكتاب- "إنهم لا يحسدوننا علي شئ كما يحسدوننا علي الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها. وعلي القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها. وعلي قولنا خلف الإمام آمين".[أخرجه أحمد].پثم شرع الله -عز وجل- في التسلية والطمأنة لأمة الإسلام ببيان وسطيتها وخيرِّيتها وفضلها علي غيرها من الأمم بقوله تعالي: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.."پ"البقرة:143". وبيان أن تحويل القبلة إلي البيت الحرام كان لاختبار إيمان أهل أمة وصفها الله بالخيرية والوسطية. حتي يتضح صدق الإيمان في قلوب المسلمين. وصلابة موقفهم من اتباع رسولهمپ "صلي الله عليه وسلم" يقول تعالي: "وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَي عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللّهُ.."پ"البقرة:143" وقد حزن المسلمون علي بعض إخوانهم الذين ماتوا علي الإسلام قبل تحويل القبلة مخافة ألا تُتَقبل أعمالهم. فبشرهم الله بقوله: "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفى رَّحِيمى"پ"البقرة:143". ويمضي بنا السياق القرآني المعجر. ليوضح الله تعالي لنبيه أن الكعبةَ قبلة المسلمين جميعًا. فهي قبلة أهل المسجد. والمسجد قبلة أهل الحرم. والحرم قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلي أنْ يرث الله -تعالي- الأرضَ ومَنْ عليها: "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلي عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةى إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"پ"البقرة:149-150" وهكذا ونحن نحتفي بهذه الذكري المباركة يجب أن نستثمرها بالتوبة والإنابة والرجوع إلي الله. وبالتأسي برسول اللهپ "صلي الله عليه وسلم" الذي كان يُكثِر في هذه الليلة من الذكر والدعاء والصلاة... وقد ورد في بعض الكتب عن السيدة عائشة "رضي الله عنها" أنها رأت رسولَ اللهِپ "صلي الله عليه وسلم" ساجدًا في ليلةِ النصفِ من شعبان. حتي ظنَّت أنه قُبِضَ. فاقتربت منه فسمعته يقول في سجوده: "سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي. يا عظيم اغفر الذنب. فإنه لا يغفر الذنوب إلا الرب العظيم. وأعوذ بك من سخطك. وأعوذ بعفوك من عقابك. وأعوذ بك منك. سبحانك جلَّ وجهك وعزَّ جاهك.." فاللهم أعد علينا هذه الذكري ونحن في غاية القرب والشوق إليك..