1⁄4 نيلسون مانديلا صاحب الوجه الأسمر والقلب الأبيض دخل المستشفي وهو يصارع الموت.. أيقونة جنوب أفريقيا تكاد تودع الحياة تاركة إرثاً لا يستهان به من التسامح والعفو والقيم النبيلة. 1⁄4 مانديلا عاش ومرض وسيموت في بلاد الذهب والألماس وكأن أخلاقه قد استقت من معادن بلاده صفاتها وخصالها.. فمانديلا من معادن الذهب والألماس. 1⁄4 وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حينما قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إن فقهوا". 1⁄4 ما أحببت أن يسلم أحد مثلما تمنيت أن يسلم مانديلا.. فأخلاقه أفضل من أخلاق كثير من المسلمين.. وزهده في الدنيا أعظم من زهد الكثير منا.. وتعففه عن مغانم السلطة بل وتركه لها بعد فترة رئاسية واحدة لم يفعله من حكام المسلمين أحد سوي الفريق سوار الذهب الذي أحبه حبا َ شديدا َرغم عدم تشرفني بلقائه. 1⁄4 يبدو لي أن مانديلا قرأ سيرة النبي صلي الله عليه وسلم في السجن لأنه أرسل رسالة للمصريين عقب ثورة يناير يحذرهم من دعوات الانتقام والثأر قائلا ً: "أذكركم بقول نبيكم العظيم محمد اذهبوا فأنتم الطلقاء". 1⁄4 سبحان الله.. إنه يفهم رسالة الإسلام ويطبقها عمليا ً أكثر منا.. إنه عاش بوجدانه وقلبه وجوهره مع معاني التسامح في الوقت الذي نعيش نحن مع الشكل لا المضمون.. والمظهر لا الجوهر. 1⁄4 لقد أدرك مانديلا أن القيم التي سيتركها أقوي من كراسي السلطة.. وأن القدوة أعظم من السلطة.. وأن نبل المواقف أبقي أثرا ً من النفوذ أو المال. 1⁄4 آه يا مانديلا.. أين الحكم والمعارضة في مصر منك؟.. أين المتصارعون علي الكراسي منك؟! ما أشد ما تحتاج الدعوة الإسلامية إلي معادن الذهب والفضة.. وما أكثر أنينها من معادن الزرنيخ والرصاص التي لوثت ثوبها الأبيض بالشتم والسب والاستعلاء والاستعداء وزرع الكراهية والأحقاد بدلاً من زرع الحب والود والتسامح. 1⁄4 لقد قال مانديلا قبل دخوله المستشفي بأسبوعين: "أعظم هدية أن يعطي الله الفرد الوقت والطاقة لمساعدة الآخرين دون انتظار مقابل". 1⁄4 وأردف حزينا ً علي حالة الصراع السياسي في العالم كله: "الناس في العالم تعيش حالة من الهرج والمرج جراء الصراع السياسي الذي يتصاعد يوما ًبعد يوم ". 1⁄4 لقد دخل مانديلا التاريخ الإنساني بالعفو والتسامح والرفق.. رغم أنه سجن وعذب قرابة 27عاماً ورغم ما أصاب السود الذين كان يحرم عليهم الدخول من باب مخصص للبيض أو ركوب قافلتهم أو استعمال صنبورهم أو الذهاب إلي شاطئهم وذلك حسب وصفه هو.. والذي أكمله بقوله: "خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة ألاف شهر". 1⁄4 لقد كان من السهل علي مانديلا أن يغذي طريق الأحقاد أو يبث الكراهية ضد البيض أو يقصيهم ولديه من المواد ما يعينه علي ذلك.. ولكنه أدرك أن جنوب أفريقيا لن تكون دولة عظيمة إلا بالعفو والمشاركة الوطنية للجميع والمصالحة الوطنية مع الجميع.. وأدرك أن الوطن ليس للسود وحدهم رغم أنهم أصحاب الوطن الأصليين.. ولكن الوطن يسع الجميع السود والبيض والهنود والملونين. 1⁄4 لقد أدرك أن الانتقام والإقصاء قد يحقق الجوع المرحلي للتشفي والإقصاء.. ولكنه سيدمر الوطن كله استراتيجياً. 1⁄4 لقد أراد مانديلا أن يكون أباً للجميع ومحباً لهم.. نظر إلي المستقبل ولم يعش يوما ً مع مرارات الماضي وجراحاته.. تسامي عليها إنه لا يريد أن يقع فيما وقع فيه خصومه من عنصرية بغيضة وإقصاء مدمر. 1⁄4 لم يكرر صباح مساء عذبت وسجنت.. ولو قال لصدق.. ولكنه انطلق إلي باب الرحمة الواسع ليشمل الجميع برحمته وعطفه.. ويرحم الذين سجنوه لأنه رأي نفسه أباً للجميع ولم يجعل نفسه خصما ً وندا ً لأحد. 1⁄4 ثم هاهو يترك السلطة وكأنه يقول لهم: إنما جئت لأصلح بينكم والآن أودعكم.. لقد أدرك أن التربع علي عرش القلوب أعظم من التربع علي عرش السلطة.. ومحبه القلوب أبقي من نزوة السلطة وزخرفها.. وها هو يودع الدنيا كلها ليترك نموذجا ً فذا ًلم يستطع أحد في بلادنا العربية أن يحذو حذوه.. سلاما ً وتحية لمانديلا.