يثار تساؤل من كثير من المسلمين عن حكم الإسلام في التعامل في العملات في السوق الخفية والتي يطلق عليها: "السوق السوداء" هل هذا جائز شرعاً أم منهي عنه شرعاً؟. ولا سيما ان الدولار غير موجود أو غير متاح أحيانا في بعض البنوك والمصارف وأن هناك ضرورة إليه لتمويل عمليات الاستيراد وما في حكم ذلك. وسوف نتناول في هذه الدراسة فقه الصرف "مبادلة عملة بعملة" والضوابط الشرعية للتعامل في النقد بصفة عامة. ثم نحلل الأسباب التي تؤدي إلي ظهور السوق الخفية "السوداء" في التعامل بالنقد واستقراء آثارها السلبية وأضرارها الجسيمة التي تلحق بالأفراد وبالمجتمع وبالاقتصاد وذلك وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ولذلك حرمها الفقهاء وأساتذة الاقتصاد الإسلامي. ولقد تضمنت كتب الفقه الإسلامي الضوابط الشرعية التي تضبط عمليات تحويل عملة إلي عملة وهذا ما يسمي بفقه الصرف والذي يقوم علي أن النقود ليست سلعة تباع وتشتري ولكن وسيلة من وسائل التداول والقياس والتثمين والتقويم ومخزناً للقيمة. ويجب أن يكون التبادل في النقد ناجزاً. يداً بيد. وحرم الفقهاء العمليات الآجلة في الصرف. وفي ظل سوق حرة خالية من الاحتكار والغش والتدليس والغرر والجهالة والربا. ومافيا الفساد المالي والاقتصادي. يكون سعر الصرف الحر هو الذي يعكس قيمة النقد بالنسبة للدولة المصدرة له. ومن مسئولية الحكومة أن تحافظ علي وجود هذه السوق ويكون التدخل إذا ما حدث خلل. وإذا تبين لولي الأمر ان هناك معاملات صرفية لا تلتزم بالضوابط الشرعية يجوز له التدخل لحماية المعاملات ولمنع الضرر الذي قد يصيب المتعاملين والاقتصاد وذلك بإصدار التشريعات والتعليمات اللازمة لمنع الضرر. ودليل ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضِرار". والقواعد الشرعية: "الضرر يزال". "ترجيح المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة". * أسباب ظهور السوق الخفية في التعامل في النقد. تظهر السوق الخفية في معاملات النقد عندما يحدث نقص في النقد الأجنبي لسبب أو لآخر. وهناك طلب كبير عليه أو أن سعر الصرف المحدد من قبل الدولة لا يمثل القيمة العادلة فيضطر رجال الأعمال وغيرهم تدبير العملة الأجنبية بأي وسيلة بعيدا عن البنوك ومكاتب الصرافة. ومن الأسباب التي تؤدي إلي ظهور السوق الخفية في التعامل في النقد ما يلي: الشائعات الكاذبة ان قيمة العملة الوطنية سوف تنخفض فيهرع الناس إلي شراء العملات الأجنبية فيزاد الطلب عليها مع نقص العرض فيرتفع السعر. عصابات تهريب العملة والتلاعب في الأسواق النقدية من خلال عصابات متخصصة في ذلك والرقابة عليها ضعيفة ويدعم هؤلاء بعض الأفراد الذين يريدون تخريب الاقتصاد لإثارة القلاقل نحو الحكومة. عمليات غسل الأموال المختلفة ولا سيما في المعاملات غير الشرعية وغير القانونية التي يقوم بها في الغالب بعض الأفراد الخارجين علي القانون ولا يعبأون بشرع الله. نقص العملة الأجنبية فجأة بسبب العجز في الرصيد الاحتياطي الذي تحتفظ به الدولة واللازم لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق النقد وذلك بسبب نقص التصدير وزيادة الواردات ولاسيما في الضروريات مثل الطعام والشراب والعلاج والقوي المحركة وما في حكم ذلك. نقص إيرادات الدولة من العملات الأجنبية لسبب أو لآخر وعليها التزامات خارجية واجبة السداد فيؤدي ذلك إلي نقص المعروض من النقد الأجنبي في السوق. وبذلك تظهرالسوق الخفية لسعر الصرف عندما يكون هناك سعران: السعر الرسمي والسعر الآخر "سعر السوق السوداء" والتي تسبب أضراراً جسيمة بالاقتصاد. لذلك يري فريق من الفقهاء وعلماء الاقتصاد الإسلامي حرمة التعامل في النقد في السوق السوداء. وذلك علي النحو الذي سوف نفصله في الفقرة التالية: الآثار السلبية والأضرار الجسيمة للتعامل بالعملات في السوق الخفية من أهم الآثار السلبية للتعامل بالعملات في السوق الخفية ولذلك أفتي الفقهاء بتحريمها ما يلي: ارتفاع الأسعار ولاسيما الأشياء المستوردة. ويقع عبء ذلك أكثر علي الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخول الثابتة نسبياً. استغلال التجار الفجار الأشرار ذلك في اخفاء السلع وافتعال أزمات لتحقيق مكاسب بدون حق معتبر شرعاً. إحداث المزيد من عجز الموازنة وزيادة المديوينة والاقتراض بفوائد تتحملها الأجيال القادمة. انخفاض القوة الاقتصادية للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية. فقدان الثقة في قيمة العملة الوطنية واللجوء إلي ما يسمي بالدولرة. هذه الآثار السلبية وغيرها تعتبر من الأدلة القوية لتحريم التعامل في العملات في السوق الخفية. حيث يترتب علي ذلك أضرار جسيمة بالفرد والأسرة والمجتمع والوطن وتخالف القيم والأخلاق والمثل وحب الوطن. * من المعاملات المنهي عنها شرعاً للتعامل في النقد في السوق الخفية: من المعاملات المنهي عنها شرعاً للتعامل في النقد ما يلي: * احتكار العملات الأجنبية لإحداث الغلاء في سعر الصرف. * اكتناز العملات الأجنبية لدي المؤسسات المالية والنقدية أو لدي فريق من رجال المال انتظارا لرفع سعرها وتحقيق مكاسب عالية بدون جهد. * العمل في مجال المضاربات غير المشروعة "المقامرات" علي العملات الأجنبية في أسواق النقد وفي أسواق الأوراق المالية. * التلاعب بالشائعات المغرضة حول أسعار الصرف. ويعتبر ذلك من الكسب غير المشروع. * استغلال الثغرات في نظم الرقابة الحكومية للحصول علي الكسب غير المشروع من التعامل بالنقد. * المنهج الإسلامي لمعالجة قضية التعامل في العملات في السوق الخفية.