إختلط علينا الأمر. تصورنا الصوفية نوعاً من البهدلة العقلية والنفسية والاجتماعية والدينية. تصورناها جذباً بعيداً عن الجدية وتحمل المسئولية وخصاماً مع الحرية. فإذا ما وجدنا مؤمناً صوفياً. أنيقاً نشيطاً يفكر ويبدع ويبتكر ويدير أنكرنا عليه صوفيته. فهو بالنسبة لمن لا يعرفون الصوفية علي حقيقتها صورة مختلفة عن الصورة السينمائية الشائعة. الخاطئة. صورة رجل رث الثياب مهمل للحياة لا يستحم. لا يعمل. لا يستوعب ما يجري حوله. إنها حالة ذهنية لا صوفية.هناك من يقول كلمة صوفي ترجع إلي - صوفيا - اليونانية. وتعني الحكمة. لكن لماذا نلجأ إلي اليونانية ونحن أمة عربية؟! وهناك من يقول إن الصوفية من الصوف دلالة علي الخشونة. لكن لو صح هذا التعريف لكانت الأغنام أكثر خلق الله تصوفاً. فهي مصدر الصوف. وهناك من يقول إن الصوفية من أهل الصفُة "بضم الصاد و تشديد الفاء" وكانوا حفظة القرآن لا يعملون ويحصلون علي رزقهم من الصدقات. لكننا في زمان غير زمانهم ويصعب نسب الصوفية إليهم. أظن. وظني أقرب إلي المنطق. أن كلمة صوفي ليست اسماً وإنما فعل مبني للمجهول. كأن نقول عوفي المريض. نودي الرجل. ووري الميت. ويمكن أن نقول أيضاً: صوفي الرجل "بضم الصاد" فأصل الكلمة من الصفاء و المصافاة. صفا صاف صوفي. لكن. كيف يصاف الرجل؟ يقول سبحانه و تعالي: "يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَآءِ الْعَالَمِينَپ" "42 آل عمران" وهذه التصفية هي أولي مراحل الوصول إلي الصفاء الذي ينم عن المصافاة. والمصافاة مكاشفة. أخرج ما في بطنك. كن مكشوفاً بح بسرك. لقد اصطفي الله مريم. ثم طهرها. ثم إصطفاها مرة أخري. أي كاشفها. فالمصافاة هي المكاشفة. والصوفية أيضاً.علي أن الأهم من التعريف ما وراءه. جوهره والمثير للدهشة أن الناس كما قلت تعارفوا علي أن الصوفي هو رجل رث الثياب كسول. قليل العلم متسول. يفترش الأرض ويلتحف السماء واستقر ذلك المعني عند البعض حتي انهم ما رأوا رجلاً نظيفاً يقول أنه صوفي ينتقدونه وينكرونه ويقولون له: ما هكذا يكون الصوفي. لقد أصبح المعني الخطأ مستقراً شائعاً. أصبح هو القاعدة. قاعدة قعدوا عليها. ويريدون أن يقعدوا الآخرين عليها مثلهم.