من يحاسب الصحراء إذا توحمت علي خيط رفيع من الماء؟ من يحاسب الفقراء إذا تمنوا الجلوس علي عرش الحياة ولو لخمس دقائق؟ من يحاسب الاولياء والاصفياء والاتقياء إذا ما أصروا علي عدم التوقف عن ذكر الله؟ نحن نواجه الالعاب البهلوانية والاقنعة الورقية والطبول الوثنية بذكر الله.. وإذا ما فعلنا ذلك فنحن في هذه الحالة نكون صوفيين.. نسافر في شرايين الايمان.. ننزع عن قلوبنا الاحزان. ونعطرها بنوع نادر من الزعفران. لقد اختلط الامر علينا.. فتصورنا الصوفية نوعاً من البهدلة والتقاعد الذهني والانسحاب من الحياة. تصورناها جذباً بعيداً عن الجدية وتحمل المسئولية وخصاماً مع الحرية. فإذا ما وجدنا مؤمناً صوفياً أنيقاً نشطاً يفكر ويبدع ويبتكر أنكرنا عليه صوفيته.. فهو خارج برواز الصورة الذهنية الشائعة. إن هذه الصورة الخاطئة ترسم شخصاً رث الثياب مهملاً للحياة لا يستحم لا يعمل لا يستوعب ما يجري حوله. إنها قد تكون حالة عقلية لا حالة صوفية. كالعادة سعيت لمعرفة ما نختلف عليه.. سعيت لمعرفة ما يثير جدلاً بيننا "لو تعارفنا لتآلفنا" فما هي الصوفية؟ هل هي مذهب ديني؟ هل لها أساس في العقيدة؟ هل هي فكرة طائشة يتشبث بها البسطاء؟ هناك من يقول ان كلمة "صوفي" ترجع إلي كلمة "صوفيا" اليونانية وهي عربية؟ وهناك من يقول إن الصوفية من الصوف دلالة علي الخشونة. لكن لو صح هذا التعريف لكانت الاغنام أكثر خلق الله تصوفاً. فهي لا تستورد الصوف ولا تشتريه وإنما ينبع منها. هي مصدر الصوف. وهناك من يقول ان الصوفية من أهل الصفة "بضم الصاد وتشديد الفاء" وكانوا حفظة القرآن ولا يعملون ويحصلون علي رزقهم من الصدقات. لكننا في زمن غير زمانهم ويصعب نسب الصوفية إليهم. أظن- وظني أقرب إلي المنطق- أن كلمة صوفي ليست اسماً وإنما فعل ماضي مبني للمجهول كأن نقول: "عوفي المريض" "نودي الرجل" "ووري الميت" ويمكن ان نقول أيضاً: صوفي الرجل. فأصل الكلمة من الصفاء والمصافاة. صفا. ضاف صوفي. لكن كيف يصاف الانسان؟ يقول سبحانه وتعالي: "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفالك علي نساء العالمين" هذه التصفية هي أولي مراحل الوصول إلي الصفاء الذي ينم عن المصافاة.. والمصافاة مكاشفة.. أخرج ما في باطنك.. كن مكشوفاً.. بح بسرك.. لقد اصطفي الله مريم ثم طهرها ثم اصطفاها مرة أخري.. أي كاشفها.. فالمصافاة هي المكاشفة. والصوفية أيضاً. علي أن الاهم من التعريف ما وراءه الجوهر. وللحديث بقية.