يصرخ الرجل في ابنه غاضباً: لا أنت ابني ولا أعرفك الجملة شهيرة في الحياة وفي الدراما.. فهل يقصد الرجل أن زوجته خائنة وابنه ابن حرام؟ هل تعد جملته نوعاً من قذف المحصنات يجب عقابه عليها؟ يشتد انفعال الرجل وهو يقول تدليلاً علي صدقه: - وحياة أبويا أن الرواية التي أرويها صحيحة- فهل قسمه بغير الله نوع من الشرك بالله؟ هل رفع مرتبة أبيه إلي مستوي القسم كفر يستحق عليه الحساب؟ لا تنزعج.. لا تجزع.. ليس علي مثل هذه التجاوزات عقاب.. فهي تدخل تحت بند الّلمم.. يقول سبحانه وتعالي: "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَآئِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ" "32 النجم" وقد فسّر البعض الّلمم علي أنه الذنوب الصغيرة.. وهو ما لا يقبله الشرع.. فلا فرق بين ذنب كبير وذنب صغير.. فالذنب ذنب.. تماماً مثل الموت.. فالموت موت سواء كان بسكين أو بقنبلة نووية.. لا موت صغير وموت كبير. البعض قال " سامحه الله " إن القُبلة هي لمم المعاشرة.. والرشوة لمم السرقة المسلحة.. واللكمة لمم القتل.. وهو أمر يستحيل قبوله.. فاللمم هو زلّة اللسان.. أن يسبق لسانُك تفكيرك فينطق بما لا يريد.. ينطق كفراً مثلاً.. هنا تتسع رحمة الله.. وتتجلّي مغفرته.. فالله لا يحاسب الإنسان إلا إذا كان يعلم ما يقول ويستطيع ألا يقول.. لكن .. سبحانه وتعالي لا يحاسب الإنسان إذا كان لا يعلم.. أو أن لسانه سبق نيته.. أو خالفها. وكما ورد في الحديث الشريف لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم - الجزء "4" . ص "2104-2105" : 7 " 2747 " حدّثنا محمد بن الصَّبَّاح وزُهَيْرُ بن حرب قالا حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عَمَّار حدثنا إسحاق بن عبد لله بن طلحة حدثنا أنس بن مالك وهو عَمُّهُ قال:پقال رسول الله صلي الله عليه وسلّم: "للهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ عبدهِ حين يَتُوبُ إليه من أَحَدِكُمْ كان علي راحلته بأرض فَلاةي فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتي شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بِخطَامَها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أَنْتَ عَبْديِ وأنا ربُّك أخطأ من شدةِ الفرحِ " قالها من شدة فرحه.. هذا يُسمّي عند الصوفية لسان حال.. من يسمعه يعتقد أنه أخطأ.. وعند غير الصوفية يُسمّي سبق اللسان أو لمم. هل يحاسب الله علي ذلك؟ لقد تجاوز الرجل ما يقوله الكافر.. الكافر يقول لله: أنت لست ربي! لكن الرجل قال لله: أنا ربك وأنت عبدي. إن ذلك مثل الذي قال لابنه: أنت لست ابني.. لا جناح عليهما. فهذا لمم. والله واسع المغفرة.. ويعلم ما يحاسب عليه وما لا يحاسب عليهّ. والّلمم يمكن أن يحدث بين الناس أيضاً.. فمن يلقي النكات علي الصعايدة وهو صعيدي يرتكب الّلمم فهو لا يقصد ما في النكتة وإنما يقصد الفكاهة.. وعندما ننتقد شيخ الأزهر بغير تعمد لا يعد إهانة وإنما لمم لأنه أكثر من غيره سماحة لمغفرته.. وحدث ذات مرة في برنامج - النادي الدولي - أن قالت راقصة إنها من ميت أبو الكوم.. فقال لها مقدم البرنامج: بلديات الرئيس. فأوقف الرئيس السادات البرنامج. لم يكن المذيع يقصد الإهانة وإنما وقع في الّلمم. إن الّلمم قد يحدث بين الرجل وزوجته.. بين الشيخ وأتباعه.. بين المحكوم والحاكم.. إنها سقطات اللسان والكلام بحسن نيّة الذي قد يأخذه البعض علي سبيل الدعابة ويكره قائله وقد يأخذها علي سبيل البغضاء ويضر قائله.. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالي فلا حب ولا كراهية.. لكن.. علمه بالنوايا مع سعة مغفرته يعيد الأمور إلي حقيقتها ونصابها. لو أن طبيب علاج طبيعي وصف حركات الصلاة لمريض قائلاً: أدّها خمس مرّات وأنت تعدّ من واحد إلي مائة.. روشتة علاج.. هناك من سيعتبر ذلك تعديلاً في الصلاة ويطالب بقطع رقبة الطبيب والمريض.. وهناك من سيعتبرها نعمة من الله وعلامة من العلامات الحسنة ويقول: سبحان الله الذي جعل الشفاء في حركات تشبه حركات الصلاة!! التفسير هنا حسب الميول الشخصية والنفسية والعقلية.. علي أن الله لا يعرف مثل هذه التفسيرات.. الله واسع العلم و واسع الرحمة وعلمه سبق الإرادة علي عكسنا حيث تسبق إرادتنا علمنا.. وبالتالي فإن رحمة الله تسبق غضبه. إن الّلمم يشبه كسور الأرقام.. مليون جنيه وخمسة قروش.. تقول مليون جنيه فقط. فالخمسة قروش هي الّلمم الذي يُسقطه الله من حسابه لعلمه بحسن نيّتنا ولسعة رحمته ومغفرته. ولا حول ولا قوة إلا بالله.