قال الإمام الحسن: "ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة" فالقتال. وحسب الظروف. لم يكن في صالح الدولة التي يقودها» لأن استمراره سيؤدي إلي إراقة الدماء دون حسم. أو توافق. ولكن المستفيد هو القوة المتمردة التي ستستولي علي الدولة دون قيود وشروط. أو يؤدي القتال إلي ضعف القوتين. وبالتالي يجدها العدو فرصة سانحة له. أو قيام دولتين ضعيفتين. وفي جميع الأحوال فإن الأمر يؤدي إلي ضعف الدولة والوجود الإسلامي. وكلاهما خسارة فادحة. وقال أيضا: "وقد رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها. ولم أرد بذلك إلا إصلاحكم وبقاءكم" وقال أيضًا: "إن معاوية نازعني حقًّا هو لي. فتركته لصلاح الأمة. وحقن دمائهم.. ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها. وأردت صلاحكم وأن يكون ما وصفت حجة علي من كان يتمني هذا الأمر". وقد كانت شروط الصلح للمصلحة الإسلامية العليا. حيث جاء فيها: إن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامتهم وحجازهم. وعلي أن أصحاب عليّي وشيعته آمنون علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. وتكمن أهمية صلح الإمام الحسن تاريخيًّا في أنه شكّل منعطفًا كبيرًا في مسيرة الدولة الإسلامية. وفي أنه أعلن عن بداية مرحلة جديدة في حركة الأمة. وفي أنه أظهر الخط الثاني القائم علي أساس تتبع مسيرة الأمة من زاوية المعارضة. وتكمن الأهمية كذلك من الناحية العلمية في أنه قدّم للمسلمين تجربة غنية قامت علي أساس التصدي لانحراف اجتماعي خاص. وبناء علي ما تقدم يتسني لنا أن نعلم بأن الإقدام علي الصلح كان يمثل شجاعة نابعة من حكمة في التعامل مع القضية المصيرية التي هي أهم من الحكم نفسه وهي الحفاظ علي مسيرة الإسلام وسلامة الأمة من الانحراف. ومن هنا فإن الوظيفة الشرعية هي التي حكمت علي الإمام الحسن بأن يصالح» وذلك حفاظًا علي تلك القضية المحورية التي لابد أن تكون الحرب كما يكون السلم في خدمتها. من هنا ندرك أن قضية السلطة عند الإمام الحسن لم تكن إلا لإقامة العدل كما جاء به الإسلام وعبَّر عنه الرسول الأكرم في سيرته الشريفة. وعندما رأي أن خصومه لن يكفُّوا عن الحرب حتي لو أريقت فيها الدماء أنهارًا. صبر واحتسب وصالح معاوية. ووضع شروطًا في الصلح منها. أن يترك معاوية أمر الخلافة من بعده شوري بين المسلمين. وهو الشرط الذي لم يف به معاوية. وجعل البيعة من بعده لابنه يزيد. وهو ما جعل الإمام الحسين يخرج عليه عندما رأي الإسلام نفسه قد تغير وتبدل. فكانت الثورة الحسينية. مع العلم أن الإمام الحسين لم يخرج طالبًا الحكم. ولكنه كان طالب الإصلاح ووحدة الأمة. وللحديث بقية.