الحمدلله القائل (وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) ثم الصلاة والسلام على المصطفي كنز الهدى الذي بلغ الرسالة و أدى الأمانة و وصى أمته فقال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه. أما بعد , قال الامام المطلبي الامام محمد بن ادريس الشافعي - رحمه الله - : احذر لسانك أيها الانسان - لا يلدغنك انه ثعبان , و كم في المقابر من قتيل لسانه - كانت تهاب من قتاله الشجعان. فاللسان أيها القرائ الكريم نعمة من نعم الله أعطاك الله اياها لتسلك من خلالها سبيلا الى الجنة فاحرص أن لا تجعل هذا العضو الصغير ذات الأثر العظيم أداة توصلك به الى الجحيم و العياذ بالله. فمن اراد أن يتكلم اما أن يتكلم بعلم حتى لا يكون ممن يكتم العلم كما حذر الله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) و اما أن يسكت بحلم , و قيل اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب , و قد قيل من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر سقطه كثرت ذنوبه و نسأل الله العافية لنا و لكم. و لهذا السبب وصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) رواه الترمذي و ابن ماجه و صححه الألباني. و قد يفهم البعض ان السكوت في وقت الفتن يعتبر اما خوفا و اما جهلا و هذا غير صحيح ! بل هذا هو المنهج الذي أمرنا الله به. و قد بوب الامام أبو داود الأزدي السجستاني في كتابه السنن ( باب في النهي عن السعي في الفتنة ) و ذكر الامام مسلم في صحيحه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها , والماشي فيها خير من الساعي إليها) و من أسباب السكوت في مثل هذه الحالات : 1) عدم اتضاح حقيقة الأمر لدى العالم فضلا لدى عامة الناس. ثم يترتب على القرار بعض الفاسد لذلك يجب أن يصدر القرار بعلم , و من هذه المفاسد : 2) فيه سفك للدماء 3) و تأخير للتنمية 4) و تسلط الأعداء 5) و انتهاك حرمات الله 6) و تعميم الفوضى 7) و تعطيل مصالح الناس 8) و تخريب الشوارع و ممتلكات الدولة و الممتلكات الخاصة 9) و خوف 10) و عدم الاستقرار للدعوة الى الله و النصح و الارشاد. و وصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم) متفق عليه. و قال (ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) متفق عليه. فهل كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يعرف عواقب الأمور الذي أصدرها ؟ قال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). بمعنى آخر , الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالصبر مع أن أخبر ان الولاة يظلمون فلماذا يدعو البعض الى عكس ما دعى اليه نبينا عليه الصلاة والسلام ؟ هل الشريعة تصلح لزمان دون زمان أو مكان دون مكان ؟! الجواب أحد أمرين و أحلاهما مر ! اما أن يقول - و العياذ بالله – أن الدين لم يكمل و الذي جاء به هو أفضل مما جاء به رسولنا صلى لله عليه وسلم و قد قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ َلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) و قال عليه الصلاة والسلام (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) رواه أحمد و الحاكم و بن ماجه و صححه الألباني و اما أن يقول أنا خالفت الحق و أنا على ضلالة ! و قال عليه الصلاة والسلام (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله) متفق عليه . و نرى البعض و مع الأسف يلعلع صوته و يدعو الى الفوضى في الأرض من مشارقها الى مغاربها بسبب ظلم ولاة الأمر ثم يقول لا يوجد دليل ان الكلام البذئ و السيئ على الحاكم يعتبر خروجا ! فيا سبحان الله ! قال ابن سعد في (الطبقات الكبرى) : أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن أبي أيوب عن هلال بن أبي حميد قال: سمعت عبد الله ابن عكيم يقول: لا أُعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان ، فقيل له: يا أبا معبد، أوَ أعَنْتَ على دمه ؟ فيقول: (إني أَعُدُّ ذِكْر مساويه عونًا على دمه ) و أيضا في ذات يوم خطب معاوية رضي الله عنه فقال (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه ، فلنحن أحق به منه ومن أبيه . قال حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته ؟ قال عبد الله بن عمر : فحللت حبوتي ، وهممت أن أقول : أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع ، وتسفك الدم ، ويحمل عني غير ذلك ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . قال حبيب : حفظت وعصمت) صحيح البخاري. أولا : لا يؤاخذ معاوية رضي الله عنه فيما قاله لأنه كان في حالة غضب , ثانيا : سكوت ابن عمر رضي الله عنهما و هو من هو في العلم و الفضل دليل على أن ليس كل ما يعلم يقال – خاصة في وقت الفتنة – كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )صحيح البخاري. و أيضا بفعله لم يريد ان يفتح باب الخلاف و هذا خلافا لما يدعوه بعض الجماعات الاسلامية التي تدعو الى الاختلاف و الفرقة بحجة ان الاختلاف رحمة و الاتفاق عذاب ! و ثالثا : لننظر في واقعنا اليوم من المظاهرات و غيرها كيف بدأت ؟ و كيف خططت ؟ و ربما المخطط و المدبر جالسا في بيته و لم يحرك ساكنا من أول ما بدأت المظاهرات الى الآن ! و اما أن يقول هذا المعاند : نعم صحيح انها مفسدة و لكن الناس في مجاعة و نقص من الأموال فنقول يا بشرى للمؤمن ! فلنعلم أولا ان مما يعين على السكوت في حالة الفتنة هو الصبر. و الصبر يكون صبرا على الطاعات و صبرا عن المعاصي و صبرا على أقدار الله. و في مثل حالة الجوع و نقص من الأموال قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) و هذا الخطاب لأهل الايمان (بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) فأخبر الله ان البلاء واقع سواء كان خوفا أو جوعا أو نقصا من الأموال و الأنفس فماذا أمرنا الله أن نفعل في هذه الحالة ؟ قال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) و لم يأمر بسفك الدماء و اثارة الفتن (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) و مما يعينك على الصبر هو معرفة فضضل الصبر : أولا : امتثلت لما أمرك الله فتؤجر (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها ، إلا كتبت له بها درجة ، ومحيت عنه خطيئة) صحيح مسلم و ثانيا : تؤجر على تركك المحذور ثالثا : ثناء من الله عليك (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ربهم ) رابعا : دلالة على الهداية (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) خامسا : دلالة على الصدق و التقوى (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) سادسا : الجوع و نقص من الأموال و غيرها من البلاء دلالة على ان الله يحبك أفلا تفرح ؟ (أشد الناس بلاء الأنبياء الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل) صححه الألباني سابعا : تنال المطلوب كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فالله سيعينك و يجعل لك مخرجا و ثامنا : بفعلك هذا شجعت الناس على الصبر و سيعلمون أنهم ليسوا هم الوحيدين الذين يمرون في تلك الظروف. قد يقول قائل الى متى أصبر ؟ تصبر الى ما شاء الله ! و لكن قد يقول أنتم لا تمرون بالظروف التي أمر فيها ؟ فنقول الأوامر و النواهي ليست من كاتب هذا المقال ! ثم اعلم ان الله لن يتركك لوحدك ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ). ثم قد يقول قائل كل هؤلاء الملايين الذين تظاهروا هم على باطل و القلة الذين اجتنبوا هذا الأمر هم على الحق ؟ فأقول لا يغرك الكثرة. قال عليه الصلاة والسلام : (عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد) متفق عليه. و قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) و قال (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) ثم قد يقول و في الحديث الصحيح كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تجتمع أمتي على ضلالة) ؟ فالمقصود هنا في الحديث أهل العلم الموافقون للكتاب و السنة و ليس كل شخص ينتسب الى العلم فضلا أن يكون من عامة الناس الذين لا يعرفون بالعلوم الشرعية الا قليلا بل و بعض المسلمين قد يعتقدون ان معنى لا اله الا الله هو أن لا خالق الا الله مع أن هذا الذي اعتقده المشركون (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) و مع ذلك استحل رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم و قاتلهم. و أيضا من الشبه التي تطرح يقال نحن نصبر عند البلاء و في حالة الجوع و نقص من الأموال و غيرهما لكن نحن نريد أن نصلح و نطالب و نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر و هذا سنبينه ان شاء الله في المقال القادم و دائما تذكر ذلك اليوم الذي قال الله فيه (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ).