من شأن المنافق الخوف من المؤمنين .. فهو مضطر إلي مصانعتهم ومجاملتهم . وإظهار إخلاص لا يحويه قلبه فتراه ينفق بعض ماله متبرعًا به للحرب.. لكنه لا يتبرع به ابتغاء مرضاة الله ولكن رياء وخداعًا للمؤمنين.. والقرآن الكريم يرفض هذا الذي ينفقه بلا إخلاص "قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لّن يُتَقَبّلَ مِنكُمْ إِنّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ*وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَيَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ" نعم .. فما دام أصل العمل وأساسه مفقودًا وهو الإيمان فلن ينفعهم ما ينفقون ولو كان ملء الأرض ذهبًا سواء أنفقوه تقية وخداعًا. أم خوفًا من المؤمنين.. وإن هذه الأمور التي يتمتعون بها ويعجب الناس يغناهم وبكثرة أولادهم ما هي إلا خزي لهم في الدنيا بالحرص علي جمعه والغم في إنفاقها.. وفي الآخرة لأنه لا ينفع هناك مال ولا بنون "إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ". ومن شأن المنافق أيضًا أن يحس ويخاف أن ينكشف فيدافع عن نفسه ومواقفه دائمًا بالحلف أنه من المؤمنين "وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ وَلََكِنّهُمْ قَوْمى يَفْرَقُونَ" ويبلغ أثر هذا الفرق والخوف أنهم "لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتي أَوْ مُدّخَلاً لّوَلّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ".. هذا شأن المنافقين في الحروب.. أما في أوقات السلم والرخاء فإنهم لا يكفون عن إثارة البلبلة وترويج الإشاعات الكاذبة. والاعتراض دائمًا علي مواقف الحق والعدل والإنصاف. إنهم نفعيون.. أنانيون.. لا يهمهم إلا أنفسهم .. فتراهم حين يوزع الرسول صلوات الله وسلامه عليه الزكاة والغنائم يلمزون وينالون منه "وَمِنْهُمْ مّن يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" وما هذا شأن المؤمن .. فلو كانوا مؤمنين لرضوا "مَآ آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنّا إِلَي اللّهِ رَاغِبُونَ".فإن رسول الله صلّي الله عليه وسلم لا يقسم الأمور بهواه ولكنه منفذ لأمر الله الذي حدد المصارف التي تضمن التكافل الاجتماعي. والتأمين ضد الحوادث والأخطار.. فالصدقات لا تصرف إلا للفقراء المحاويج الذين بهم شيخوخة أو مرض يمنعهم من العمل ولا مورد لهم. وللمساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم حاجتهم ولو كانوا أصحاء يعملون ولا يكفي دخلهم من عملهم ملتزماتهم العائلية وعندهم من العزة الإسلامية ما يمنعهم من السؤال.. قال صلي الله عليه وسلم : "ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف علي الناس فترده اللقمة واللقمتان. والتمرة والتمرتان..قالوا فما المسكين يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئًا" ويصرف منها جزء آخر للعاملين عليها الذين يجمعون أموال المسلمين. وجزء آخر للمؤلفة قلوبهم الذين يعطون ليثبت الله إيمانهم . أو لمن يرجي من إسلامه خير. ولمن يدفع ضررًا عن المسلمين . ومن العملاء من يري أن هذا الصنف لا يحل إعطاؤه الآن لعزة الإسلام . ومنهم من يري الباب مفتوحًا للظروف والطوارئ التي قد تجدّ علي الأمة الإسلامية وهو الأوجه.. ويعطي كذلك العبد الذي اتفق مع سيده علي ثمن معين لإعتاقه فيعانون من الزكاة علي التحرير.. وهذه مفخرة كبري للإسلام في رغبته الشديدة في محو الرق والعبودية. ورد حاسم علي من يتهمه بالتشجيع عليه.. والآن وقد ألغي الرق فمن الممكن أن يوجه هذا الجزء لمساعدة الشعوب الإسلامية التي تسعي في تحررها من كل سيطرة أجنبية. ويعطي الغارمون الذين تحملوا أو ضمنوا دينًا لأحد فلزمهم أداؤه. أو لمن أصابته جائحة أو فاقة مفاجئة.. أما الصنف السابع فهو في سبيل الله . وسبيل الله هو الدعوة إلي دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.. فقد حصر القرآن مهمة رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي "قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَيَ اللّهِ عَلَيَ بَصِيرَةي أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي" وأمره بتلك الدعوة بهذه الوسائل السلمية. فقال: "ادْعُ إِلِيَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ" وإذن فالإنفاق علي الدعوة هو المقصود الأسمي من مصرف¢پپفي سبيل الله "وما كان الجهاد إلا فتحًا لمجال الدعوة. وقضاء علي معوقاتها. ومن هنا رأينا الجهاد وتجهيز الجيش وإعداد العدة أول ما يشمله سبيل الله .. بل من العلماء من خصه بذلك.. والإنفاق في سبيل الله .. والذود عن الإسلام غاية ما بعدها غاية.. إنها جهاد في سبيل الله .. ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا. ومن خلف غازيًا في أهله فقد غزا". والصنف الأخير الذي يعطي من الصدقة ابن السبيل .. وهو ذلك المسافر الذي ليس معه ما يستعين به علي سفره فيعطي من الصدقة ما يكفيه إلي بلده. ولو كان ذا مال وفاء بحق التعاون الإسلامي والأخوة الدينية.. هذه هي الأصناف الثمانية التي حددتها الآية القرآنية لمصارف الزكاة.. ويري الإمام مالك وعامة أهل العلم رضي الله عنهم أن للمؤمن أن يعطي زكاته كلها إلي صنف واحد من هذه الأصناف . وعلي ذلك يقدم الأهم علي المهم حسب الظروف المحيطة به.. وإننا لنهيب بالأمة الإسلامية في شتي بقاع الأرض أن تحذر من دعايات المنافقين الأفاقين مروجي الإشاعات ومثبطي الهمم.. فهم قد بين القرآن الكريم طريقتهم من النيل من الإسلام. وأن يتعانوا علي البر والتقوي. وإنقاذ الجرحي والمصابين واليتامي والمساكين والنازحين والمضطهدين.