* ويسأل عبدالرحمن ابو طالب من القاهرة: هل يجوز شرعاً تشريح جثث الموتي لأغراض علمية وفي الحوادث الجنائية؟ ** يجيب الشيخ حسين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق: اعلم أن تطبيب الأجسام وعلاج الأمراض أمر مشروع حفظا للنوع الإنساني حتي يبقي إلي الأمد المقدر له . وقد تداوي رسول الله صلي الله عليه وسلم في نفسه وأمر به من أصابه مرض من أهله وأصحابه وقال : " تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء". وقال عليه الصلاة والسلام:" إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" ودرج بعده أصحابه علي هديه في التداوي والعلاج. ومن مقدمات فن الطب بل من مقوماته تشريح الأجسام فلا يمكن لطبيب أن يقوم بطب الأجسام وعلاج الأمراض بأنواعها المختلفة إلا إذا أحاط خبرا بتشريح جسم الإنسان علماً وعملا وعرف أعضاءه الداخلية وأجزاءه المكونة لبنيته واتصالاتها ومواضعها وغير ذلك فهو من الأمور التي لابد منها لمن يزاول الطب حتي يقوم بما أوجب الله عليه من تطبيب المرضي وعلاج الأمراض . ولا يمتري في ذلك أحد ولا يقال قد كان فيما سلف طب لم يكن هناك تشريح لأنه كان طباً بدائياً لعلل ظاهرة. وكلامنا في طب واف لشتي الأمراض والعلل والعلوم تتزايد والوسائل تنمو وتكثر. وإذا كان شأن التشريح ما ذكر كان واجبا بالأدلة التي أوجبت تعلم الطب وتعليمه ومباشرته بالعمل علي الأمة لتقوم طائفة منها به. فإن من القواعد الأصولية أن الشارع إذا أوجب شيئاً يتضمن ذلك إيجاب مايتوقف عليه ذلك الشئ .فإذا أوجب الصلاة كان ذلك ايجابا للطهارة التي تتوقف الصلاة عليها وإذا أوجب بما أومأنا إليه من الأدلة علي الأمة تعلم فريق منها الطب وتعليمه ومباشرته فقد أوجب بذلك عليهم تعلم التشريح وتعليمه ومزاولته عملا. هذا دليل جواز التشريح من حيث كونه علما يدرس وعملا يمارس بل دليل وجوبه علي من تخصص في مهنة الطب البشري وعلاج الأمراض: أما التشريح لأغراض أخري كتشريح جثث القتلي لمعرفة سبب الوفاة وتحقيق ظروفها وملابساتها والاستدلال به علي ثبوت الجناية علي القاتل أو نفيها عن متهم فلا شبهة في جوازه أيضاً إذا توقف عليه الوصول إلي الحق في أمر الجناية للأدلة الدالة علي وجوب العدل في الأحكام حتي لايظلم بريء ولا يفلت من العقاب مجرم أثيم. وكم كان التشريح فيصلا بين حق وباطل وعدل وظلم فقد يتهم إنسان بقتل آخر بسبب دس السم له في الطعام ويشهد شهود الزور بذلك فيثبت التشريح أنه لا أثر للسم في الجسم وإنما مات الميت بسبب طبيعي فيبرؤ المتهم ولولا ذلك لكان في عداد القاتلين أو المسجونين وقد يزعم مجرم ارتكب جريمة القتل ثم أحرق الجثة أن الموت بسبب الحرق لا غير فيثبت التشريح أن الموت جنائي والإحراق إنما كان ستاراً أسدل علي الجريمة فيقتص من المجرم ولولا ذلك لأفلت من العقاب وبقي بين الناس جرثومة فساد. وهنا قد يثار حديث كرامة جسم الإنسان وما في كشفه وتشريحه من هوان فيظن جاهل أنه لايجوز مهما كانت بواعثه ولكن بقليل من التأمل في قواعد الشريعة يعلم أن مدار الأحكام الشرعية علي رعاية المصالح والمفاسد فما كان فيه مصلحة راجحة يؤمر به وما كان فيه مفسدة راجحة ينهي عنه. ولاشك أن الموازنة بين ما في التشريح من هتك حرمة الجثة وما له من مصلحة في التطبيب والعلاج وتحقيق العدالة وإنقاذ البريء من العقاب وإثبات التهمة علي المجرم الجاني تنادي برجحان هذه المصالح علي تلك المفسدة.