نستكمل ما بدأناه في العدد الماضي عن شهر النصر والمسئولية الجماعية فنقول : دون نظر إلي أن المعطي والمانع. والمعز والمذل هو الله وحده وليس لأحد سواه أن يتحكم في المستقبل وأن أي مرشح لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. وأن المقياس الصحيح هو أن يجتهد المرء في اختيار الأتقي لله. والأنقي لليد. والأبعد عن المظالم. مدركا أنه لا ينتظر مثل أبي بكر الصديق أوعمر بن الخطاب. وأن المسئولية في ذلك تقع علي الإنسان وحده ولن يشفع له من حرّضه ولا من أغراه فهذا هو قول الله: "أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَي وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةى وِزْرَ أُخْرَي وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَي وَأَنَّ إِلَي رَبِّكَ الْمُنْتَهَي" "النجم: 42" وهو قول لم يأت في القرآن وحده. إنما هي كلمات الوحي الخالدة. هي هي في صحف إبراهيم وموسي. وهي هي في التوراة والإنجيل والقرآن. لا أحد ينوب عن أحد في تحمل أوزاره "لا تَجْزِي نَفْسى عَنْ نَفْسي شَيْئاً" "البقرة: 48" "لا يَجْزِي وَالِدى عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودى هُوَ جَازي عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً" "لقمان: 33" "وَكُلَّ إِنسَاني أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً" "الإسراء: 14" ويومها سيتعجب المجرم ويقول: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" "الكهف: 29". ومما يغفل عنه الكثير أنه لن يكفي في يوم الحساب أن يري الإنسان ما قدم أو أن يقرأ ما سجل عليه بل سيكون ذلك معلنا للجميع فمن كان يعظ الناس بما لا يفعل ولا يلتزم فستندلق أقتابه وأمعاؤه ويدور حولها كما يدور الحمار في الرحي. ومن سرق شاة جاء يحملها علي رأسه وهي تيعر. ومن لم يؤد زكاة ماله جاء مطوقا بشجاع أقرع له زبيبتان يأخذه بشدقيه ويقول أنا مالك أنا كنزك ومن كان يحتمي بسلطانه في الدنيا جاء صارخا: "مَا أَغْنَي عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" "الحاقة: 29" وأخذته ملائكة العذاب تسلكه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا. ومن ادعي أنه رأي في المنام شيئا لم يره كُلّف أن يعقد بين شعرتين ولن يفعل. ومن تحدث إلي قوم وهم له كارهون صُبّ في أذنيه النحاس المذاب. ومن اتخذ التسول وظيفة جاء وليس في وجهه مزعة لحم. إنه إذن يوم الفضيحة للعصاة. وهو كذلك يوم التكريم للتقاة. فهناك سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. منهم إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. ورجل تعلق قلبه بالمساجد. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتي لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. وهناك من يجلس علي منابر من نور عن يمين الرحمن لأنه كان عادلا مع أهله صادقا مع رعاياه وهناك من يشرب من الكوثر شربة لا يظمأ بعدها أبدا. وهناك من يدخل الجنة بغير حساب. ثم بعد هذا الموقف الذي تبدو فيه الخفايا وتظهر السرائر وينكشف المستور يأتي الجزاء الأوفي "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسى شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةي مِنْ خَرْدَلي أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَي بِنَا حَاسِبِين" "الأنبياء: 47 " "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةي خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةي شَرّاً يَرَه" "الزلزلة: 7-8" لا بيع في هذا اليوم ولا خلة ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن وقال صوابا. الأمر كله بيد الملك الواحد القهار. إليه المنتهي والمصير. إن عفا فهو الغفور الرحيم وإن غضب فعقابه شديد مهين. وهو في كلتا الحالتين متصف بالعدل والفضل فهو يعلم ما توسوس به النفوس وما تنطوي عليه الضمائر. إن يعلم الخير فيها يغفر وإن كانت الأوزار قد سودتها وأغلقتها غضب وانتقم. وإذا كان قد خفي علي بعض الناس أن صوته غير مؤثر أو أن امتناعه عن التصويت ليس فيه ضرر فإننا نذكر الجميع بقول الله سبحانه: "وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ" "يس: 12" فالأثر المترتب علي الإدلاء بالصوت أو الامتناع عنه يلحق بصاحبه إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ومع كل التجاوزات والملاسنات والافتراءات والأكاذيب والشائعات والخلافات الأسرية التي صاحبت هذه الانتخابات فإننا نراها تجربة ثرية جديرة بإيقاظ الوعي وتمييز الخبيث من الطيب والصادق من المنافق. والوطني من النفعي. وستسهم قطعا في نمو الوعي الصحيح الذي يصب في مستقبل هذه الأمة أيا كانت نتائجها الآتية. وسيظل إيماننا راسخا بأن هذه الأمة قد اختيرت لتكون آمرة ناهية مؤمنة رافعة لراية الوحي ورسالات السماء.