ها قد منَّ الله عليكم بثورة معجزة. أطاحت برموز البغي والبطش بخلق الله وهيأ الله لكم قيادة مؤمنة بالله ورسوله تدعوكم إلي تحكيم الكتاب الذي نزل في هذا الشهر العظيم هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين. وقد خص هذا القرآن المؤمنين بصفة أصيلة لابد منها لكل مسلم يدعي إلي كتاب الله ليحكم فقال: "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" "النور:51.52" وقال: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِني وَلا مُؤْمِنَةي إِذَا قَضَي اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" "الأحزاب:36". إن الإسلام الذي تدعي إليه كفيل بتحقيق العدالة والتراحم والسماحة والشفافية والطهارة. لن يستطيع مجرم أن ينهب مال الأمة في ظلال أحكامه ولن يستطيع بلطجي أن يقطع طريقا أو يروع آمنا أو ينهب مالا ويهرب إلي الخارج أو يفسد في الأرض إذا طبق شرع الله. وقد حمل لنا شهر رمضان هذا العام بشريات استكمال كثير من أهداف الثورة بتغييرات جذرية في قيادة الدولة. بما يتيح لها الانطلاق بإذن الله إلي نهضة راشدة مستضيئة بالشريعة الخالدة. فعلي كل مواطن حر أن يبذل أقصي الطاقة في مساندة هذه القيادة والتعاون علي البر والتقوي والتخلص من آثار القيود التي كانت تكبل هذا الوطن كبتا لحريته وإذلالا لشخصيته وإهمالا لهويته. فأنتم الأحق بأن تتبوءوا المكانة الرائدة في كل مجالات التقدم للبشرية جمعاء روحيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بفضل ما آتاكم الله من وحي خالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. إن رمضان يستحث الخطي ويحفز الهمم ويبرأ من كل المتخاذلين. بعد ان انتهينا من كلمتنا في ذكري النصر ننتقل الي الجزء الاخر وهو المسئولية الجماعية في النهوض بالوطن فقال تعالي "أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَي وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةى وِزْرَ أُخْرَي وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَي وَأَنَّ إِلَي رَبِّكَ الْمُنْتَهَي" "النجم:36: 42". في غمرة الأحداث الماضية. وفي محنة الانتخابات المصرية المعاصرة وازن كثير من الناس بين مكاسبهم الحالية والمستقبلية التي يتوقعونها بفوز مرشح معين. وأدلوا بأصواتهم علي هذا المعيار الشخصي النفعي دون وعي بما يحتاج إليه الوطن وما يرنو إليه الأحرار من تقدمه واستقلاله وازدهاره واستغلال خيراته لأهله الشرفاء. ودون إدراك لما سيحاسب عليه المرء في هذا الاختيار وما يترتب عليه من نتائج وآثار. ودون نظر إلي أن المعطي والمانع. والمعز والمذل هو الله وحده وليس لأحد سواه أن يتحكم في المستقبل وأن أي مرشح لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. وأن المقياس الصحيح هو أن يجتهد المرء في اختيار الأتقي لله. والأنقي لليد. والأبعد عن المظالم. مدركا أنه لا ينتظر مثل أبي بكر الصديق أوعمر بن الخطاب. وأن المسئولية في ذلك تقع علي الإنسان وحده ولن يشفع له من حرّضه ولا من أغراه فهذا هو قول الله: "أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَي وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةى وِزْرَ أُخْرَي وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَي وَأَنَّ إِلَي رَبِّكَ الْمُنْتَهَي" "النجم:42" وهو قول لم يأت في القرآن وحده. إنما هي كلمات الوحي الخالدة. هي هي في صحف إبراهيم وموسي. وهي هي في التوراة والإنجيل والقرآن. لا أحد ينوب عن أحد في تحمل أوزاره "لا تَجْزِي نَفْسى عَنْ نَفْسي شَيْئاً" "البقرة:48" "لا يَجْزِي وَالِدى عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودى هُوَ جَازي عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً" "لقمان:33" "وَكُلَّ إِنسَاني أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً" "الإسراء:14" ويومها سيتعجب المجرم ويقول: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" "الكهف:29". ومما يغفل عنه الكثير أنه لن يكفي في يوم الحساب أن يري الإنسان ما قدم أو أن يقرأ ما سجل عليه بل سيكون ذلك معلنا للجميع فمن كان يعظ الناس بما لا يفعل ولا يلتزم فستندلق أقتابه وأمعاؤه ويدور حولها كما يدور الحمار في الرحي. ومن سرق شاة جاء يحملها علي رأسه وهي تيعر. ومن لم يؤد زكاة ماله جاء مطوقا بشجاع أقرع له زبيبتان يأخذه بشدقيه ويقول أنا مالك أنا كنزك ومن كان يحتمي بسلطانه في الدنيا جاء صارخا: "مَا أَغْنَي عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" "الحاقة:29" وأخذته ملائكة العذاب تسلكه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا. ومن ادعي أنه رأي في المنام شيئا لم يره كُلّف أن يعقد بين شعرتين ولن يفعل. ومن تحدث إلي قوم وهم له كارهون صُبّ في أذنيه النحاس المذاب. ومن اتخذ التسول وظيفة جاء وليس في وجهه مزعة لحم.