أرجو ألا يتصور أحد أن العمل الصالح مقصور علي الإيمان والصلاة والصيام والحج والعمرة والصدقة والذكر والتسبيح والتهليل والتكبير إلي غير ذلك من أعمال العبادة فقط. هذا كله من العمل الصالح لكننا لا نفرق بين العمل للدين والعمل للدنيا ما دامت النية صالحة يبتغي العامل بعمله وجه الله وما دام عمله ولو كان للدنيا موافقا لهدي رسول الله. ألم تقرأ قول سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ما من مسلم يغرس غرسا يا أخي أغرس للدين ثم للبلد اجتهد للدين ثم للبلد ولو قامت القيامة عليك وفي يدك فسيلة شتلة صغيرة اغرسها. متي اغرس؟ ومتي تنمو ومتي تثمر من يأكل أصلا قامت القيامة. أنت متعبد بالغرس فقط ولست متعبدا بالنتائج ولست متعبدا بجمع الثمار بل أنت متعبدا بالغرس لدين العزيز الغفار ودين النبي المختار قال صلي الله عليه وسلم "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها" لا تقل متي سأغرس والقيامة قد قامت ومتي ستنمو ومتي ستثمر ومن يأكل ليس هذا من شأننا ولا من شأن العبيد إنما شأن العبيد ان يغرسوا لله ثم لبلدهم وأمتهم وان يدعوا النتائج لله فليس أحد أغير علي الحق وأهله منه جل جلاله اغرس ولك صدقة. فكل عمل صالح تصح فيه النية ويكون عملك فيه موافقا لهدي سيد البشرية فهو عمل صالح متقبل من رب البرية جلا وعلا أيها الأحبة أيام يتنافس فيها الصادقون فسابق الريح وسابق الزمن فالأيام معدودة والأنفاس محسوبة. نعم لا سعادة لنا في الدنيا والآخرة بعد تحقيق الإيمان إلا بالعمل فلا سعادة لنا إلا بالإيمان والعمل. البلد الآن مصاب بشلل كلي عجلة التنمية متوقفة والكل يطلب المزيد أسأل الله أن يوسع علينا جميعا من فضله وان يفتح علينا من بركاته وان ينزل علينا من رحماته لكن يجب علينا ان نأخذ بالأسباب وان نعمل وان يبدع كل مسلم في مكانه الذي هو فيه وموقع إنتاجه. لماذا تتعطل المصانع ولماذا تتعطل المصالح ولماذا يحتج كل مصنع الآن ويعطل السير؟ علينا ان نعمل لله جل وعلا منطق الشرفاء الأمناء الذين لا يطلبون أصحاب الحقوق بحقوقهم في وقت أزماتهم أصحاب الحق لا يطلبون حقوقهم في وقت الأزمات بل أنا اعترف بحقك لكني دعني حتي أخرج من أزمتي وكبوتي وحقك محفوظ. ليس من المروءة ان تطالبني بحقك في وقت أزمة أنت تعلمه علم اليقين هذا منطق الشرفاء والعقلاء والأمناء فضلا عن المسلمين الأوفياء "وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون" 105- والله لن يفرج الله كربنا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالإيمان والعمل الصالح للدين وللدنيا النبي كان يدعو الله ويقول "اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها ميعادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر" يجمع بين العمل للدين والعمل للدنيا في هذا الدعاء النبوي الجميل في صحيح مسلم. فاعمل للدين والدنيا معا.. فعملك في الدنيا غرس لك ستجني ثمره قال علي رضي الله عنه "الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار غني لمن تزود منها ودار نجاة لمن فهم عنها فهي مهبط وحي الله ومصلي أنبياء الله ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة". فبدل ما تنشغل بغيبة ولا بنميمة ولا بإشاعة كاذبة باطلة انشغل بالتسبيح بالتهليل "من بني لله مسجدا بني الله له بيتا في الجنة". كثر خير الله وطاب المهم ان تعمل للدين أو للدنيا بنية صادقة وبهمة عالية واعلم بأنك إن عملت في وقت المحنة والشدة الذي نحن فيه الآن وابتغيت بعملك ما عند الله أكرمك الله في وقت الشدة وفي وقت الرخاء. ما أحوجنا الآن إلي العمل.. التغيير والتطهير الذي ينادي به لن يتم إلا بتطهير وتغيير حقيقي لقلوبنا ونفوسنا ولن يتغير واقعنا علي مستوي الأمة وعلي مستوي مصر بتعديل الدستور ولا بسن القوانين. أنا لا أقلل من شأن التعديل ولا انتقص هذه الخطوة الكبيرة لكنني أؤكد انها لن تغير من الواقع شيئا إن لم يحدث التغيير الحقيقي في قلوبنا ونفوسنا "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" الرعد: .11 وإلا فما الذي حدث إلي الآن؟ قطعت شجرة الفساد فقط بمجموعها الخضري لكن بقيت جذور الفساد متغلغلة في أعماق القلوب وفي أعماق النفوس. هذا الانفلات الأمني إنما هو ثمرة مرة للانفلات الأخلاقي. لو راقبنا الله جل وعلا ولم نراقب قانونا ما رأيت هذا الخلل في الشوارع ما رأيت هذه البلطجة ما رأيت الترويع للآمنين ما رأيت سرقة ونهب للناس في بيوتهم في وقت وضح النهار وعلي الشوارع والطرقات في وقت الظهيرة هذا الذي انفلت أمنيا لأنه لم يجد رادعا انفلت أخلاقيا قبل ذلك انفلت ضميره وانفلتت مراقبته لربه سبحانه وتعالي. لو تربي علي مراقبة العلي الأعلي ما التفت أبدا لقانون الوضعي الأعمي لأنه يعلم ان الله يسمع ولن تكون كلمتنا من رأسنا إلا إذا كانت لقمتنا من فأسنا. العمل العمل بعد الإيمان به. لقد تكلمنا في الأشهر الماضية كما أقول كلام يكفي لألف سنة قادمة ولم نعمل عملا واحدا يرضي ربنا جل وعلا. نريد ان نعمل أخاطب كل مسلم بل وكل مصري يعيش علي هذه الأرض الطيبة المباركة. والله إن القلب ليحترق علي واقع هذا البلد الحبيب الكريم.. كل مسلم صادق وكل وطني مخلص سواء كان من المسلمين أو من النصاري عليه ان يحافظ علي كل ذرة تراب في هذا البلد عليه ان يحافظ علي مقدرات ومكتسبات هذا البلد. فمصر ليست ملك لأحد إنما هي ملك لشعبها ملك لشبابها ملك لأجيالها ملك لأحفادنا القادمة وعلينا ان ننهض بهذا البلد وان نحافظ عليه بتمسكنا بكتاب ربنا واعتصامنا بربنا ثم بالعمل "واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير" 78: الحج. و"اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" 103: آل عمران. وأود أن أذكر في عجالة سريعة ببعض الأسباب التي قد تعين الواحد منا علي العمل الصالح عليه ان يستعين بالله جل وعلا فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذل فهو المخذول. قال النبي لمعاذ كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وغيرهما "يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدعن دبر كل صلاة ان تقول اللهم أعني اطلب العون منه جل وعلا واطلب المدد والتوفيق منه جل وعلا اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". ثم القصد والاعتدال لا إفراط ولا تفريط يا أخي لا غلو ولا تضييع كن وسطا فخير الأمور الوسط وما خير النبي صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا واختار ايسرهما لم يكن إثما "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". القصد والاعتدال ثم التدرج في الطاعة وفي العبادة فلا تقهر نفسك ولا تكرهها فإن النفس جموح قد تسأم وتترك الفرص والنفل معا ولا يتسع الوقت للتدليل علي ذلك. ثم اصحب الاخيار والأطهار الذين يدفعونك دفعا علي طاعة العزيز الغفار ويأخذون بيدك للسير علي طريق النبي المختار فإن من الناس ناس تتحول المحن بين أيديهم إلي منح بل وإذا نظرت إلي وجوههم ذكرت الله. أولياء الله كما قال سيدنا رسول الله والحديث في مسند أحمد "أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله" اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.. اصحب هؤلاء الأخيار فصحبتهم دواء ولا تصحب الأشرار أهل الفتن فصحبتهم داء.