أواصل مع حضراتكم الحديث عن الصلاح كضرورة حتمية تؤهل المجتمع المسلم للاصلاح إذ لابد من أن نحرص علي صلاح نفوسنا فبغير صلاح النفوس لن ينصلح حالنا ولن تنصلح دنيانا ولن تنصلح شؤوننا وأمورنا. ولابد من أن يجاهد كل واحد منا نفسه ما استطاع إلي ذلك سبيلا وذلك بتجديد الإيمان في قلبه بالمحافظة علي الصلوات في أوقاتها وبالمحافظة علي الورد القرآني اليومي بالمحافظة علي الذكر بالمحافظة علي العمل الصالح بالمحافظة علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمحافظة علي الدعوة إلي الله جل وعلا بالمحافظة علي الإحسان إلي اليتامي والفقراء والمساكين من إحسان إلي أهلك وأولادك وجيرانك ومرؤوسيك وزملائك في العمل لابد أن تحرص علي أي عمل يجدد الله به إيمانك وأن تبتعد عن أي عمل يُقلل إيمانك فمعتقدنا معتقد أهل السنة ""أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"" . فعرض نفسك لبيئة الإيمان ليزداد إيمانك ولتزكوا نفسك وابتعد ما استطعت عن بيئة المعصية لتسلم نفسك وأسأل الله جل وعلا أن يسلمنا وإياكم حاسبها الآن بشدة لتقف بين يد الله جل وعلا في أمن وأمان "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامي أَمِيني" "51 الدخان". ولا يمكن أن تصلح النفس إلا بالتقوي لذا قدم الله الأمر بالتقوي علي أمر محاسبة النفس فحقق التقوي يقول صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث علي بن حاتم "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة" أسألك بالله تدبر في هذه الجملة فقط وسأترك لك أنت التعايش معها "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة". هل تدبرت هل تفكرت أخي أنت لا تستطيع أن تجلس ساعة في قاعة محكمة من محاكم الدنيا أمام قاض من قضاة الدنيا في قضية أنت متهم فيها والله لا تنام الليل ولا تنام النهار ولا تذوق طعم النوم ولا تستلذ بطعام ولا بشراب إن علمت أنك متهم في قضية ربما تتعرض فيها لحكم خطير و أنا أسألك الآن أنت يوم القيامة لن تقف أما قاض من قضاة الدنيا ولا في قاعة محكمة هنا وإنما ستقف بين يد الملك الحق حافياً عارياً كما ولدتك أمك. واعلم أن الله إن ناقشك الحساب بين يديه عُذبت كما في الصحيحين من حديث عائشة .فحاسب نفسك ليخف حسابك بين يد الحق جل جلاله صلاح النفوس أمر لا يقل خطراً عن صلاح القلوب وأنا أؤكد وأقسم بالله علي ذلك علي منبر النبي صلي الله عليه وسلم لن ينصلح حالنا ولن ينصلح بلادنا ولا تنصلح أمورنا إلا بصلاح نفوسنا . كيف تنصلح الأحوال والنفوس تحمل الأحقاد والأمراض والأدران كيف تنصلح الأحوال والنفوس تخطط لسفك الدماء ولانتهاك الأعراض والتَّعدي علي الحرمات ولتَّعدي علي الحقوق كيف تنصلح الأحوال ونحن نري هذا الانفلات المروع الذي لا نحتاج فيه ورب الكعبة إلي رجال الأمن وإنما نحتاج فيه إلي أن نحقق الإيمان بالملك ليرزقنا الملك الأمن فالمؤمن لا يحتاج إلي بشر يراقبه لأنه يراقب ربه سبحانه وتعالي الذي يعلم السر وأخفي . وكذلك لا ينصلح حالنا إلا بصلاح أخلاقنا .وأنا أعلم أن بلادنا تعاني من انفلات امني لكنني أؤكد في كل لقاء أن الانفلات الأخلاقي أخطر من الانفلات الأمني لو طهُرت قلوبنا لو صلُحت نفوسنا لو راقبنا ربنا وتخلقنا بأخلاق إسلامنا ونبينا والله ما رأينا هذا الانفلات الأمني أبداً لن تري إنساناً مسلماً يخشي الله ويخاف الوقوف بين يديه يخطط بل يفكر في قتل مسلم في سفك دمه في انتهاك عرض أخت من أخواته أو أم من أمهاته أو بنت من بناته لا يمكن أن يفكر فضلاً عن أن يُخطط لأكل أموال الناس بالباطل بالسرقة بالبلطجة بالإكراه. ألا تتفق معي والقلب يحترق ورب الكعبة أنك تري انفلاتا أخلاقيا مروعا في كل مؤسسة من مؤسساتنا وفي كل ميدان من مياديننا أنظر إلي الانفلات الأخلاقي في الشارع انظر إلي الانفلات الأخلاقي في وسائل الإعلام انظر إلي الانفلات الأخلاقي في المعاملات الاقتصادية الربوية التي تعلن الحرب علي رب البرية انظروا إلي الانفلات الأخلاقي علي شواطئ البحار انظروا إلي الانفلات الأخلاقي في تبرج بناتنا ونسائنا وأخواتنا ..أمر يدمي القلب والله يكاد القلب يبكي دماً علي هذا الانفلات في عصر العلم في عصر الذرة في عصر الفضائيات في عصر تحول فيه العالم إلي حجرة واحدة نري انفلاتا أخلاقياً مروعاً ..الخلق سر بقاء الأمم فلو انفلتت أخلاق الأمم ذهبت الأمم لا قيمة لها ولا كرامة "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" وأجمل من كل ذلك قول حبيبنا المصطفي في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني بسند صحيح من حديث أسامة ابن شريك رضي الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم قال : "أحب عباد الله إلي الله أحسنهم خلقا". ما قيمة علمي بلا خُلُق لا قيمة له والله لا قيمة له ما قيمة علمي بلا أدب لو كنت أعلم الناس وأنا لا أتأدب مع علمائي ولا مع شيوخي ولا مع آبائي ولا مع أبنائي من الصغار ولا مع المريض ولا مع الضعيف لا خير في علمي ولا بركة فيه فمن زاد عليك في الأدب زاد عليك في الدين. والله لو ملأت الأرض علماً بغير أدب فلن يبارك الله لك في علمك ولا فيك إن تحركت بكثير أدب مع قليل علم بارك الله فيك وفي علمك وفي دعوتك. الخلق أحب عباد الله إلي الله يا إلهي والله العظيم هذه مقدمة تجعل القلب ينتبه والعقل يستيقظ "أحب عباد الله إلي الله" من يا رسول الله "أحسنهم خلقاً" يا من تريد قرب النبي محمد اسمع له صلي الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند حسن من حديث جابر بن عبد الله قال صلي الله عليه وآله وصحبه ومن والاه : "إن من أحبكم إلي" "اللهم اجعلنا منهم يا رب"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً. أسألك بالله أرجع اليوم وتفكر في هذه الأحاديث وأسمعها زوجتك وأسمعها بناتك وأسمعها أولادك وأسمعها غداً في الوظيفة زملاءك زملاء العمل "إن من أحبكم إلي" إلي محمد صلي الله عليه وسلم "وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" بل اعلم أن أثقل شيء في ميزانك يوم القيامة حُسن الخُلق كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أبي الدرداء أنه صلي الله عليه وسلم قال : "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلق". البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وصلاح القلوب صلاح النفوس صلاح الأخلاق حقق هذا وأنا أقول لك بكل ثقة أبشر ثم أبشر بصلاح دينك ودنياك بصلاح دنياك وأخراك أبشر بالبركة بسعة الرزق أبشر بالفلاح أبشر بالنجاة أبشر بالنجاح أبشر بالتوفيق والتسديد فهذا المنهج منهج صلاح القلوب وصلاح النفوس وصلاح الأخلاق منهج فبهذا المنهج أيها الأفاضل إصلاح الدين والدنيا وإصلاح الدنيا والآخرة وهذا المحور الأخير .والكل الآن ينادي بالتغيير وينادي بالإصلاح