قال تعالي: "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام". منذ أيام البعث الأول للنبي صلي الله عليه وسلم علمه جبريل عليه السلام الصلاة. والوضوء. وكانت الوجهة في الصلاة جهة بيت المقدس. بينما هو في مكة. ولكنه كان يجعل الكعبة بين يديه وهو يتجه إلي بيت المقدس. ولأن الذي يقف جنوب الكعبة ووجهه جهة الشمال. فإن بيت المقدس يكون أيضا أمامه..! وظل النبي صلي الله عليه وسلم علي ذلك هو والمسلمون معه. طوال اقامته بمكة. فلما أمر بالهجرة إلي المدينة. والمدينة شمالي شرف أجداده. فهم أهل البيت وأولياؤه. ولها في قلبه كل إعزاز وتقدير. فكان يتمني أن يخرجه ربه من هذه الضائقة. وظل علي ذلك الحال ستة عشر شهراً بعد الهجرة. حتي نزل عليه أمر ربه: "قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها. فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون".. فتلاقي أمر الله وقضاؤه مع رغبة النبي صلي الله عليه وسلم وهواه. وقد نزل الأمر وهم في صلاة. فنفذ الأمر خلال الصلاة ومازال مسجد القبلتين قائما حتي اليوم وهو من مزارات المدينة..! وقد ظهر كذاب أشر في كنيست إسرائيل يغتال الحقيقة كعادة قومه. يزعم ان المسجد الأقصي هو مسجد الجعرانة. وأن المسجد الأقصي بالقدس لم يكن للإسلام به علاقة مطلقاً. ولا يعرف اهتماما له به. وهذا من أكاذيب الصهيونية. فإن الإسلام كما قلنا من أول يوم يتجه إليه كقبلة في عبادته. لأنه كما قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم: "بيت بنته الأنبياء وعمره الصالحون" ونص القرآن: "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله".. أي أنزلنا بركاتنا علي الأرض حوله. والنبي صلي الله عليه وسلم سئل: "ما أول مسجد بني علي الأرض؟ قال: المسجد الحرام. قيل: فالثاني؟ قال: "المسجد الأقصي". قيل: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة".. ومعلوم بنص القرآن ان باني المسجد الحرام هو ابراهيم واسماعيل عليهما الصلاة والسلام: "وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". وأقرب الأقوال إلي الحق ان يكون باني المسجد الأقصي هو إبراهيم. وإن كان ابن القيم رجح كون يعقوب هو الذي بناه. وهذا وجه محتمل..! ولا يقف اهتمام الإسلام بالمسجد الاقصي عند هذا الحد. بل جعله مما تشد إليها الرحال. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي بفلسطين" وجعل الصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه فكيف يقال إن الإسلام لم يهتم به؟! وهل كانت ثلاث غزوات حوله لا ستنقاذه من نفوذ الروم ليست مجهولة ولا منكورة وهي غزوة مؤتة. وغزوة تبوك. وبعث أسامة بن زيد. ثم بعد ذلك معركة اليرموك ومعركة اجنادين. وبعد كل ذلك يملكون من التبجح ما يدعون به أن الإسلام أهمل بيت المقدس ولم يكن في حسبانه..! إن ربنا تبارك وتعالي أعاد القبلة إلي الكعبة لأنها نقطة المركز في الكرة الأرضية كلها. وهذا هو الثابت علمياً. ويمر بها خط الطول الذي يقسم الكرة الأرضية نصفين يمر بها وبالمدينة وبيت المقدس. فالثلاثة علي خط طول حقيقي وليس وهمياً يقسم الأرض نصفين. فأعادهم إلي الكعبة. لأنها تناسب دعوة الإسلام ولا ريب. لأن الإسلام هو دين الوسطية التي تناسب العالمين جميعا. ولذلك نجد ترتيب الآيات ينطق بذلك أي من أجل أن رسالة الإسلام للعالمين. وليست لقوم دون قوم. أو شرق دون غربه. أو شمال دون جنوب. حيث يقول رب العزة: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً. وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا علي الذين هدي الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم".. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.