بيوع المرابحة تحدد حكمها في ضوء الفتوي التي أصدرها المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي. الذي عقد سنة 1403ه "1983م" ما هذه الفتوي؟ افتي المؤتمر أنه يجوز للمصرف الإسلامي أن يبيع السلعة مرابحة بعد أن يتملكها ويحوزها. ويقع عليه تبعة الهلاك قبل التسليم. وضمان الرد بالعيب الخفي بعد التسليم. نضرب مثلاًَ: المصرف اشتري سلعة من هنا أو من الخارج. وطلب أحدهم أن يشتريها مرابحة. وتم عقد وعد بيع المرابحة. ودفع العربون. وفي الطريق ضاعت السلعة أو هلكت. فمن المسئول عنها؟ المصرف الإسلامي هو المسئول. لأنه وإن كان تملكها "لأنه اشتراها" إلا انه لم يحزها. فلا يستطيع أن يبيعها. ولذلك فإنها إذا ضاعت أو تلفت أو هلكت فإن المصرف هو الذي يتحملها. ولو وصلت إلي الميناء وليس عنده مخازن تكون السلع موجودة. وليس المستندات فحسب. إنما المستندات تكون قد وصلت من قبل. والسلعة وصلت أيضا إلي الميناء. فيأتي الواعد للشراء قائلاً: السلعة وصلت. وأنت وعدت بالشراء. فحان الآن تنفيذ الوعد. فتأتي لتشتري السلعة. إذا هو يبيع الآن بعد أن ملك وحاز. ولنفرض أن هذه السلعة. مثلاً حديد للبناء والمشتري أخذ الحديد. وجاء للبناء فظهر أن الحديد ليس بالمواصفات المتفق عليها. إن الصفقة بالكامل في هذه الحالة ترد للمصرف. والمشتري يأخذ ما دفعه كاملاً. ولو فرضنا أن هذه السلعة آلات وأجهزة. ثم ظهر فيها عيب خفي؟ إن نص الفتوي علي أنه يتعهد بضمان الرد. أي: رد السلعة بالعيب الخفي. وإذا كان هذا العيب الخفي يمكن إصلاحه. فعلي المصرف أن يتحمل نفقات الإصلاح وإذا كان هذا العيب الخفي جوهرياً لا يمكن إصلاحه فإن السلعة ترد للمصرف ويتحمل ثمنها بالكامل ففي المرابحة تملك وحيازة وضمان للرد بالعيب الخفي يأتي أحد هنا ويقول: المصرف اشتري السلعة بمليون. وباعها بمليون وخمسين ألفاً فما الفرق بينه وبين البنك الربوي الذي فتحنا عنده اعتماداً مستندياً أو اعتماد بمليون وأخذ فوائد خمسين ألفاً؟ ما الفرق بين الاثنين؟ الفرق واضح جداً. ونضرب مثلاً بشيء عملي حدث في قطر وكان علي سفينةواحدة والبضاعة لرجل واحد. ولكنها كانت نتيجة اعتمادين مستندين. أحد الاعتمادين لمصرف إسلامي. والاعتماد الآخر لبنك ربوي. ماذا حدث؟ المسلم هذا ذهب إلي المصرف الإسلامي. وقال له: أنا أريد استيراد كذا. فقال له: أنت معك الثمن؟ قال ليس معي الثمن فقال المصرف: إذن اشتري ثم أبيع لك مرابحة السلعة كذا. ومواصفات السلعة كذا. وسأستوردها ثم أبيعها لك. وكان العميل يريد كمية كبيرة. ولظروف قدرها المصرف رأي ألا يوافق إلا علي شراء نصفها فقط. فذهب لبنك ربوي. وقال له: أريد استيراد سلعة كذا. فقال: لا مانع. افتح اعتماداً مستندياً بمبلغ كذا. وحسب عمولة فتح الاعتماد المستندي. وبالمبلغ الذي يدفع بفائدة ربوية تبعاً للقرض. رأس المال والقرض. ثم لا شأن له بالبضائع. وإنما يأتيه بالمستندات فقط. اشتري كل من المصرفين البضائع المطلوبة. وشاء الله تعالي أن يتم شحنها علي سفينة واحدة وعندما وصلت هذه السفينة إلي مدينة بورسعيد لأمر ما. تم الحجز علي السفينة والبضائع. التاجر هنا سمع بهذا. ذهب إلي المصرف الإسلامي وقال: البضائع حجزت في مدينة كذا. قال له المصرف: وما شأنك أنت؟ أنت تملك السلعة عندما نبيعها لك. هل بعناها لك؟ هي الآن ملك لنا. إذا تم الحجز هنا وضاعت السلعة فلا شيء عليك إطلاقاً. أنت لا تتحمل أي شيء .وإنما المصرف هو الذي يتحمل الثمن بالكامل. لأنه هو صاحب هذه السلعة. معني هذا أن التاجر لا يفكر في جزء معين من البضائع. أصبح لا يفكر فيه. المصرف هو الذي يتصل بالدول ويتصل بشركات أخري ويحاول أن يأتي بها. فإن لم يأت فالخسائر عليه هو. ذهب للبنك الربوي فقال له البنك: وما شأننا نحن بهذا؟! أنت تتعامل معنا في فتح اعتماد مستندي. تريد قرضاً بفائدة. ونحن ملزمون بالمستندات. تفضل هذه مستنداتك. خذها والبضائع هذه ثمنها كذا. دفعت يوم كذا. إذا أصبح عليك دين من يوم كذا بفائدة كذا. فعليك أن تدفع. وإلا كلما تأجل كلما زادت الفائدة. بعد مدة وبمحاولات واتصالات. أمكن أن يفرج عن البضائع. وأن تشحن من جديد. وأن تأتي بعد هذا عندما وصلت كان المتفق عليه أن البضاعة هذه ثمنها كذا وربحها كذا. فظهر بعدإعادة الشحن من جديد والتأخير هذا أصبح المكسب المتفق عليه أقل من الثمن المدفوع. يعني مثلاً: بضاعة بمليون والأرباح خمسون ألفاً تكلفت أكثر من الخمسين ألفاً. ماذا يعمل المصرف الإسلامي؟ يتحمل الخسارة ولذلك باعه كما اتفق. وأصبحت هذه السلعة التي أخذها التاجر كاملة بالثمن الذي اتفق عليه. والربح الذي اتفق عليه. وخرج المصرف الإسلامي من هذا خاسراً من الناحية المادية. ولكنه كسب كثيراً. حيث شاء الله عزوجل أن يتم هذا الحدث علي باخرة واحدة لتاجر واحد. في دولة واحدة. لبنكين مختلفين. فأصبح ظاهراً أمام المسلمين الفرق بين النشاط الإسلامي والنشاط الربوي. وأصبح واضحاً أن بيوع المرابحة لا تعني الإقراض بأجل. وإنما بيع المرابحة قد يربح به المصرف الإسلامي. لأن المودعين أودعوا للربح. وأيضا قد يخسر أكثر من الربح. بل قد يخسر الصفقة كاملة. فلهذا الذي يتساءل: المصرف الإسلامي اشتراها بمليون. لماذا يبيعها بمليون وخمسين ألفاً؟ نقول: نعم. أنت عندما أودعت أموالك في المصرف الإسلامي أودعتها لماذا؟ أودعتها للاستثمار أو لأعمال خيرية بدون مقابل؟ ألا تنتظر ربحاً لأموالك المودعة بالمصرف الإسلامي؟ قد نجد من يأتي ويقول: لماذا نطلب قروضاً من المصرف الإسلامي فلا يقرضنا؟ ويشتري الأشياء ويبيعها أكثر مما يشتريها؟ ونقول: انظر أولاً هنا: من الذي أودع أمواله في هذا المصرف؟ المسلمون الذين أودعوا أموالهم. وماذا أرادوا من هذا الايداع؟ هل قالوا للمصرف: خذ هذه الأموال وأقرضها لله؟ هل قالوا للمصرف اشتر وبع لله بدون مقابل؟ أم اشتر وبع بيعاً حلالاً واستثمر استثماراً حلالاً؟ إن المصرف إذا لم يفعل هذا ولم يكسب فمعناه أنه يقول للمودعين: ما كسبنا شيئاً. بل خسرنا إيجار المبني ورواتب الموظفين وهكذا. لعل ما سبق يوضح الفرق بين بيع المرابحة والقرض الربوي. تتجه المصارف الإسلامية إلي بيع المرابحة في حالة ما إذا كان العميل لا يملك ثمن البضاعة. فإذا اطمأنت إلي مركزه. ووجدت الضمانات الكافية إذا باعت هنا تأتي إلي بيوع المرابحة. علي أساس أنها تشتري وتحوز بعد أن ملكت. ثم بعد هذا تبيع. ولو أن مصرفاً باع قبل الملك أو قبل الحيازة فتصرفه غير إسلامي. قد يحدث هذا من بعض المصارف. قد يحدث نعم. هناك حالات بيوع في مصارف إسلامية تمت دون أن يتم التملك الفعلي والحيازة الفعلية. تم فعلاً. لماذا؟ في الغالب نتيجة خطأ في التطبيق. فمن الذي يقوم بالعمل في المصارف الإسلامية؟ واين تلقوا دراستهم؟ ومن أين أخذوا علومهم؟ في كليات التجارة. وعلومها أساساً مبنية علي شرح الجوانب الاقتصادية الربوية. ومعاملات البنوك الربوية دون ذكر أن هذا ربا. فثقافتهم أساساً ربوية. فعندما يجيئون إلي مصارف إسلامية. ويأخذون دورات لبيان الفرق بين الربا وما أباح الإسلام ويعلمون الفرق بين هذا وذاك. فليس معني هذا أنهم فجأة يستطيعون أن يمييزوا بين الحلال والحرام. وهنا يأتي دور الإدارة الرشيدة للمصارف والرقابة الشرعية التي تقوم بعملها كما يجب فالإدارة هنا إذا رأت شيئاً تشك فيه. وعملية جديدة لم يسبق لها أن قامت بمثلها. أو عقداً جديداً لم يسبق للمصرف أن تعامل به. هنا لابد أن يعرض هذا الأمر. أولاً وقبل كل شيء علي الرقابة الشرعية. وعلي الرقابة الشرعية أن تفتي وتقول: الحرام كذا والحلال كذا. يا أيها المصرف. اعمل كذا ولا تعمل كذا. ولكن هذا ليس وحده هو دور الرقابة الشرعية لأن دور الرقابة الشرعية أيضا أن تنظر إلي الأعمال التي تمت وأن تنظر في ملفات كل عملية إذا أمكن. لتري الخطوات التي تمت: هل هذه الخطوات سليمة أم لا؟ فإذا رأيت أن خطوة تمت مخالفة للشرع فهذا يعني الخطأ في التطبيق وليس في المنهج. لأننا نحن المسلمين لم ندرب أصلاً علي أن نتعامل في مصارف إسلامية. ولذلك نظن أن أخطاء التطبيق لابد منها.