* من الأسئلة التي وصلت لمشيخة الأزهر هذا السؤال عن حكم الشرع في إطلاق اللحية؟ ** أجاب الإمام الأكبر الراحل الشيخ جادالحق علي جادالحق شيخ الأزهر: إن القدر المتفق عليه بين الفقهاء أن إعفاء اللحية مأثور عن النبي - صلي الله عليه وسلم - فقد كانت له لحية يعني بتنظيفها وتخليلها وتمشيطها وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة. وتابعه في ذلك الصحابة. ووردت عنه أحاديث ترغب في الإبقاء عليها. وقد اتفق الفقهاء علي أن إعفاءها مطلوب. لكنهم اختلفوا في درجة هذا الطلب. هل هي الوجوب أو الندب. وأكثرهم علي اختيار الوجوب. وأقوي ما تمسكوا به قوله - صلي الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين. وفروا اللحي وأحفوا الشوارب" حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به. والأصل في الأمر أن يكون للوجوب. إلا لصارف يصرفه عنه. ولا يوجد هذا الصارف. كما أن مخالفة المشركين واجبة. والنتيجة أن توفير اللحية أي إعفاءها واجب. ومما رتبوه علي القول بوجوب إعفائها ما نقله ابن قدامة في "المغني": أن الدية تجب في شعر اللحية عند أحمد وأبي حنيفة والثوري. وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدل. وبعضهم قال: إن إعفاءها سنة. وحلقها مكروه وليس بحرام. واستندوا في ذلك إلي حديث مسلم "عشرة من الفطرة. قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم - مفاصل الأصابع - ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء" يعني الاستنجاء. قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قالوا: إن إعفاء اللحية شأنه شأن السنن المذكورة في الحديث. وهي ليست كلها واجبة. فلماذا لا يكون إعفاء اللحية من بين المندوبات؟ لكن رد عليهم أصحاب الرأي الأول بأن إعفاء اللحية جاء فيه نص خاص أخرجها علي الندب إلي الوجوب. وهو الحديث المتقدم في مخالفة المشركين. ورد أصحاب الرأي الثاني ذلك بأن الأمر بمخالفة المشركين لا يتعين أن يكون للوجوب. فلو كانت كل مخالفة لهم محتمة لتحتم صبغ الشعر الذي ورد فيه حديث الجماعة "إن اليهود والنصاري لا يصبغون. فخالفوهم" مع إجماع السلف علي عدم وجوب صبغ الشعر. فقد صبغ بعض الصحابة ولم يصبغ البعض الآخر. كما قال ابن حجر في فتح الباري. وعززوا رأيهم بما جاء في كتاب "نهج البلاغة" سئل علي كرم الله وجهه عن قول الرسول - صلي الله عليه وسلم -: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" فقال: "إنما قال النبي ذلك والدين قل. فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما يختار. من أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحية ما قيل في الصبغ. من عدم الخروج علي عرف أهل البلد لكان أولي. بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظروف الشخص وتقديره لما كان في ذلك بأس. جاء في كتاب "الفتاوي" للشيخ محمود شلتوت ما نصه: والذي نعرفه في كثير مما ورد عن الرسول في مثل هذه الخصال أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلي ما هو الأفضل. وأن مشابهة المخالفين في الدين إنما تحرم فيما يقصد فيه الشبه من خصائصهم الدينية. أما مجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة فيها ولا حرمة. ونحن لو تمشينا مع التحريم لمجرد المشابهة في كل ما عرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحي. لأنه شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالفنا في الدين. ولوجب الحكم بالحرمة علي لبس القبعة. وبذلك تعود مسألتها جذعة بعد أن طوي الزمن صفحتها. وأخذت عند الناس مسلك الأعراف العامة التي لا تتصل بتدين ولا فسق. ولا بإيمان وكفر. والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية. ومنها حلق اللحية. من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها علي استحسان البيئة. فمن درجت بيئته علي استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته. وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة والله الموفق للسداد.