ذابت الفواصل.. وتاهت العلامات.. وكسرت الاشارات.. وخرج علي النصوص.. وساد الهرج والمرج وتحول المشهد كله إلي سرك قومي كبير. وامتلأت الساحة بالحواة والبهلونات والمهرجين.. وكشر دعاة الحرية والديموقراطية عن أنيابهم بعد ان فشلت مساحيق التوك شو الإعلامي عن إخفاء هذه الوجوه المستعارة الكالحة. وتأخر بيان العقلاء كثيراً عن وقت الحاجة. فما ان ظهرت نتائج الجولة الأولي من الانتخابات البرلمانية حتي فوجيء الجميع بهجوم تتري مركز في الكثير من وسائل الإعلام وقد بدأت بالفعل جولة قذرة من حرب التسفية والتشوية الممهورة بتوقيع مهرجي السرك الذين حاولوا احتكار ثورة الشباب ونصبوا أنفسهم وكلاء حصريين لها. ولم يألوا جهداً في استعمال كل مصطلحات التطاول والبذاءة التي اتسع نطاقها لتطال مجمل الشعب المصري والسبب الظاهر والباطن يكمن في نتيجة الانتخابات التي لم تأت علي هوي أحد منهم. فأحد الثوريين الحصريين يصرح بلا أدني درجة من حياء بعد ظهور المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات في العديد من المحافظات وقد مالت فيها الكفة لتكتل الحرية والعدالة الإخواني وتكتل النور السلفي.. ان الأحزاب الدينية صعدت علي أكتاف شعب تتفشي فيه الأمية.. وينخر الفقر في عظامه.. اي ان الجهلاء والجوعي فقط هم من اختاروا التكتلين وبالتالي فإن نجاحهم زائف ووجودهم هش. كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون إلا كذباً.. إذا كانت الأغلبية الشعبية التي صوتت لصالح الإسلاميين هي في المحصلة النهائية قد جمعت بين الجهل والجوع وهي عند هذا الثوري الحصري فاقدة الأهلية لا عبرة بأصواتها أو تصويتها.. فهل يكون البديل الطبيعي ان نستعير شعب اليابان ليصوت لنا نظراً لكونه ليس أمياً فضلاً عن كونه غنياً لا تقترب منه تهمة الجوع والأمية؟!! وهل من العدل والانصاف أن نصم هذا الشعب العظيم الذي أبهرت ثورته العالم أجمع بأنه شعب أمي وجاهل لا يعرف مصلحته جيداً ولا يستطيع التفريق بين الغث والسمين ولا معرفة الشمال من اليمين ولذا ينبغي ان تفرض عليه وصاية الآباء الثوريين!! أحد الثوريين الحصريين يطالب المجلس العسكري لتقليم أظافر البرلمان القادم وتكوين مجلس للأمن القومي وإعطاءه سلطة مطلقة مع احتفاظه بحق الفيتو علي أي قرار يصدر عن مجلس الشعب ان شاء أنفذه وإن شاء أوقفه علي طريقة الأمن القومي التركي في طبعته الأولي قبل التعديل والتطوير وقبل ان ينتزع برلمان التنمية والعدالة أنيابه ويخضد شوكته!! ولا يري هذا الثوري الحصري فيما جري من وقائع الانتخابات من بداية الاقتراع حتي اعلان النتيجة عرساً ديمقراطياً وإنما يراه مأتماً تراجيدياً باستحقاق ويصف البرلمان القادم بالمراهقة السياسية لا شيء إلا لأن النتائج تنبيء بقدوم مخلوقات من عطارد والمريخ للسيطرة علي مقاعد البرلمان!! أما ثالثة الأسافي.. فهم من يعرفون بأعضاء المجلس الاستشاري والذين رسبوا وبامتياز في أول اختبار حقيقي لهم حيث لا تجد فيهم رجلاً رشيداً يمتلك نوعاً من الشجاعة الأدبية يمكن من خلالها نقد تصرفات مدعي الثورية الذين يرغبون في إحراق الأخضر واليابس لأن رياح الديمقراطية جاءت علي عكس ما تشتهي سفينتهم.. فقد سارع بعض أعضاء هذا المجلس الذي ولد ميتاً إلي مغازلة المعتصمين وطلب رضاهم رغم ان الأدلة تميل إلي ان هذه الأحداث مفتعلة مدبرة لأمر يراد.. وأنه لا تلازم بين المطالبة بالحقوق المشروعة وبين التخريب والتدمير للمنشآت العامة والخاصة.. وأن الشارع الثائر يسيطر عليه بعض الأحداث الصغار فضلاً عن البلطجية وبعض أصحاب السوابق والمشردين وأطفال الشوارع هل هذه النوعيات التي ذكرتها تعرف شيئاً عن المبادئ الثورية ولا عن غيرها؟ لقد سارع الكثير من السادة النخب في إلقاء التهم جزافاً علي قوات الجيش والشرطة واتهامها بالاستخدام المفرط للقوي ضد المعتصمين العزل.. وهو نوع من النفاق السياسي الذي لا مبرر له. بل تصل إلي المشاركة الجنائية في حرق مقدرات هذا الوطن واعتقد ان ما يصدر عن هؤلاء وهؤلاء لا يزيد عن كونه الخيار الشمشوني وهو هدم المعبد علي رءوس الجميع ما دامت الانتخابات البرلمانية وهي أول استحقاق من استحقاقات ثورة 25 يناير لا تسير علي هوي البعض.