نواصل حديثنا عن أنواع الغيب وهل يمكن أن يطلع عليه أحد غير الله تعالي؟ فنقول وبالله التوفيق: هناك الدليل علي ذلك قصة سيدنا موسي والخضر.. لقد رأي ركاب السفينة "التي خرقها الخضر" ما لم يره الغيب.. فموسي يعلم من خرقها.. ولكن المستوي الثالث والأعلي من الغيب هو ما رآه الخضر.. الحكمة من خرق السفينة.. هي الحفاظ عليها لأهلها وحمايتها من المصادرة لحساب الملك الذي كان لا يصادر سوي السفن السليمة.. ويمكن القول بالتفسير نفسه في قتل الغلام.. وإقامة الجدار.. وباقي القصة مشروح بالتفصيل من قبل. هناك أيضا غيب يسمي الغيب المحمدي وهو خاص بمنزلة ومرتبة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الخلق وبه سمي رسول الله غيباً في قوله تعالي: "وما هو علي الغيب بضنين" بمعني أن الله لم يضن علي رسوله بشئ مباح لخلقه غير أن هذا النوع من الغيب يدخل في الاستثناء.. فلا يظهر علي غيبه "منزلة رسوله" أحداً إلا ارتضي من رسول.. إذن هذا النوع من الغيب ممنوح مع التشديد ومسموح استثناء لمن ارتضي الله من رسول. غير أن هناك نوعاً من الغيب استأثر الله به لنفسه ولم يطلع عليه أياَ من خلقه حتي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا النوع من الغيب يسمي الغيب المطلق وهو محور الآية: "لا يعلم الغيب إلا الله" و هو متعلق بكنه الذات العلية.. أي الصفات الذاتية حتي إن من يدعي علمه بها يكون من المشبهين.. أو المصورين الذين هم في النار.. وهو الذي حذر الله منه "ويحذركم الله نفسه" وذلك رأفة ورحمة بالعباد "والله رءوف بالعباد" لأنه لا طائل من وراء الخوض في هذا النوع من الغيب إلا الوقوع في المحظور.. وعدم التنزيه.. ولله المثل الأعلي.. "وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتي يبين لهم ما يتقون" وهذا بيان للمسموح والممنوع بإذن الله وقدرته.. فليس كل غيب يتساوي مع الغيب الآخر من حيث النوع والإباحة والتحريم. خلاصة القول: كل الغيوب لا يعلمها إلا الله ولكن هناك غيوباً يسمح بقدرته لخلقه بمعرفتها: غيب الشهادة.. غيب الإرادة.. غيب الإيمان.. الغيب المحمدي.. وهناك غيوب لم يسمح بها: الغيب المطلق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.