أحرج تصدر حزب النهضة الإسلامي الفائزين في انتخابات المجلس التأسيسي التاريخية التي جرت في تونس التيارات العلمانية والليبرالية. بل والقوي الغربية التي وجدت نفسها في حالة عدم اتزان وارتباك وصدمة احدثتها مرة أخري نتائج صناديق الاقتراع التي قلبت المعادلة الحزبية والسياسية وفرضت واقعاً جديداً يسمح بتولي الإسلاميين للسلطة في أول انتخابات ديمقراطية. إذ كانت هذه القوي. ولا تزال. لا تخجل من إعلان توجسها من التيار الإسلامي ورفضها لوجوده وتمارس ضده حملات التشويه والاتهام والاقصاء. وربما تقديم الدعم والمساندة لنظام الطاغية بن علي الذي لم يفتأ ينكل ويبطش برموز هذا التيار طوال عقود خلت. حصل حزب النهضة الإسلامي المعتدل علي 90 مقعداً "41.47 بالمئة من المقاعد" في الانتخابات التونسية لاختيار جمعية تأسيسية مهمتها صياغة الدستور الجديد. وتشكيل حكومة مؤقتة. واختيار رئيس مؤقت جديد. وتحديد جولة جديدة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وشارك في الانتخابات التي جرت وفقاً لنظام التمثيل النسبي. ونظمتها لجنة مستقلة وبوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي لأول مرة. أكثر من 100 حزب وعدد كبير من القوائم الفردية تمثل أطياف المجتمع التونسي. وتم تقسيم الدوائر الانتخابية الي 33 دائرة انتخابية بينها 27 في تونس نفسها وستة للتونسيين في الخارج. وكان الحد الاقصي الذي جري التنافس عليه في كل دائرة عشرة مقاعد من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 217. وطرحت الأحزاب في كل دائرة انتخابية قائمة مرشحين. تعد فائزة في حالة حصولها علي ما يقرب من 60 ألف صوت وتحصل علي مقعد في الجمعية. ويرجع المراقبون والخبراء فوز حزب النهضة بالأغلبية النسبية في الانتخابات التي تميزت بالنزاهة إلي مجموعة من العوامل والمعطيات التي سيطرت علي المشهد السياسي والانتخابي في تونس أبرزها ابتعاد رموز النهضة عن الخطاب النخبوي في تعاملهم مع الناخبين. والنزول إلي الناس في تجمعاتها والاقتراب من رجل الشارع والتحدث بلغة يفهمها ويستوعب معانيها. وحرص الحزب علي الظهور بمظهر توافقي يقبل من يقفون علي أرضية سياسية وفكرية تخالفه. ورفضه الخطاب الاقصائي والاستفزازي مع المنافسين. كما نجح الحزب في إدارة المعارك والخصومات السياسية والانتخابية مع الأحزاب الأخري خاصة العلمانية بطريقة وسطية متوازنة زادت من شعبيته ورصيده بين الناس. وتمكن من استثمار الغباء السياسي لدي بعض الأحزاب التي اعتمدت نهجاً اقصائياً استبعادياً مع النهضة وبنت برامجها الدعائية علي تشويه خطابه والتشكيك في توجهاته ولجأت إلي لغة مسفة ودعاية مبتذلة في التعامل مع أطروحاته مما تسبب في نفور الناخبين من فجاجة هذا الاسلوب الرخيص وحرصهم علي الاقتراب من مفردات خطاب النهضة والاطلاع علي مضمونه السياسي. وأيضاً استفاد من الحملات الإعلامية الفضائية الموجهة ضده واستهدفت استفزازه بصورة مكشوفة لافقاده صورته السياسية والشعبية. برفضه الانجرار وراء ترهاتها ومقولاتها الهامشية وتركيزه علي تنفيذ برنامجه وخططه. الأمر الذي منحه ثقلاً وارضية بين الجماهير. كما لا يمكن اغفال خلو النهضة من المتحولين الجدد إلي الديمقراطية ممن خدموا في الأنظمة السابقة. وتأثير التاريخ النضالي ونظافة أيدي الإسلاميين وبعدهم عن تهم الفساد. ويمكن هنا الاشارة إلي حرص النهضة علي طمأنة القوي الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدول الأوروبية. وتأكيده الالتزام بالتعهدات السياسية والحفاظ علي الحياة المدنية وحقوق المرأة. وتبني أسلوباً يعتمد علي التحديث والديمقراطية مشابها لذلك الذي يتبعه إسلاميو تركيا. وعدم المساس بعلاقات تونس مع شركائها الرئيسيين. وأسفرت الانتخابات عن العديد من المفاجآت السياسية. إذ حل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية "يسار قومي" بزعامة المنصف المرزوقي ثانيا. وحصل علي 30 مقعداً بنسبة 13.82 من مقاعد المجلس. وجاء حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات "يسار" بزعامة مصطفي بن جعفر ثالثاً ب 21 مقعداً بنسبة 9.68. كما اثبتت المرأة حضورها في المجلس التأسيسي ب 49 عضوا اغلبهن من النهضة. وجاءت قوائم حزب العريضة الشعبية في المرتبة الرابعة في الانتخابات. حيث تصدر نتائج ولاية سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية. بعد سحب قوائمه التي فازت ب 19 مقعداً في المجلس التأسيسي. وذلك بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الغاء فوز قوائمه في ست دوائر انتخابية بسبب مخالفات مالية. وفي اعقاب ذلك شهدت مدينة سيدي بوزيد اضطرابات وأعمال شغب اعتراضاً علي نتائج انتخابات المجلس التأسيسي من جانب أنصار حزب العريضة الشعبية. وأشارت بعض التحليلات إلي ضلوع حزب التجمع المنحل في هذه الاضطرابات.