أعلنت يوم الخميس الماضي النتائج النهائية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس حيث فاز حزب النهضة الإسلامي ب 41.17% من مقاعد المجلس أي 90 مقعداً من إجمالي 217 مقعداً، وأعلن الأمين العام لحزب النهضة الإسلامية التونسية حمادي الجبالي أن الحزب سيقوم بتشكيل الحكومة الجديدة في غضون عشرة أيام. وسيتولي المجلس التأسيسي تسيير شئون البلاد إلي حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وستؤول إليه السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حتي الانتهاء من صياغة دستور جديد بدلاً من دستور 1959، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق الدستور الجديد. نسبة اقتراع تاريخية وكانت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس والتي بدأت في الثالث والعشرين من أكتوبر قد حققت نسبة اقتراع تاريخية بلغت نحو تسعين بالمائة، وتمت في أجواء من الشفافية في مكاتب الاقتراع بالدوائر الانتخابية المختلفة في البلاد لاختيار 199 عضواً. وبلغت نسبة اقتراع التونسيين في الخارج مائة بالمائة في بعض المدن ومنها دبي وذلك لاختيار 18 عضواً ليكون إجمالي عدد أعضاء المجلس 217 عضواً. وتنافس في الانتخابات 80 حزباً سياسياً، وخضعت الانتخابات لإشراف الهيئة المستقلة للانتخابات. وكانت النتائج الأولية قد أشارت إلي فوز حزب النهضة بالمرتبة الأولي ويليه كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار وسط) بزعامة منصف المرزوقي، ثم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (يسار تقدمي)، بزعامة مصطفي بن جعفر، ثم القائمة المستقلة "العريضة الشعبية من أجل العدالة والتنمية" التي يتزعمها رجل الأعمال ذو التوجه الاسلامي، الهاشمي الحامدي. وبذلك تكون الانتخابات التونسية قد شهدت تقدم الإسلاميين ويليهم اليساريون. أما مفاجأة تقدم القائمة المستقلة فقد قوبلت بتوجيه طعون في النتائج التي حصل عليها رجل الأعمال الهاشمي الحامدي علي خلفية عدم التزامه بالصمت الانتخابي 24 ساعة قبل بدء عملية الاقتراع، كما ينص علي ذلك القانون الانتخابي، عندما واصل الدعاية لقائمته الانتخابية بواسطة القناة الفضائية التي يمتلكها. ردود أفعال داخلية وعقب إعلان نتائج الانتخابات ساد توتر في مدينة سيدي بوزيد بعد إلغاء هيئة الانتخابات لنتائج 6 قوائم انتخابية لمخالفتها لقانون الانتخابات، من بينها قائمة يتزعمها رجل الأعمال التونسي الهاشمي الحامدي وقامت مجموعات من الشباب الملثمين بأعمال تخريب طالت مقر حزب النهضة الفائز في الانتخابات وحرق مقر محكمة ومقر البريد ومفوضية الأمن ومركز للتدريب المهني. كما تظاهر العشرات من التونسيين أمام المركز الإعلامي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة احتجاجاً علي النتائج الأولية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ورددوا شعارات منها "لا لسرقة الانتخابات" و"كم أحترمك يا صندوق وكم أحتقر ما أفرزته". وجاءت هذه المظاهرة تعبيراً عن مخاوف العلمانيين التونسيين علي مستقبل الدولة المدنية في البلاد. غير أن بعيداً عن أعمال العنف التي وقعت في سيدي بوزيد وعن مخاوف العلمانيين، عمت أجواء من الابتهاج في أنحاء تونس. وسارع رئيس حزب النهضة الإسلامي، راشد الغنوشي، بالإعلان عن التزامه بهوية تونس المغاربية والعربية والإسلامية مع احترام الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالامريكية والالتزام بالاتفاقيات الدولية والعمل من أجل دعم الأمن والسلم العالميين. وقال في مؤتمر صحفي "إن برنامج حركة النهضة وحلفائها لحكم البلاد لا يحمل مشروع إكراه أو قسر أو بطش بل يقوم علي مبدأ الحرية وتحفيز أصحاب رءوس الأموال المحلية والأجنبية علي الاستثمار في تونس". يكشف الغنوشي عن المشاورات التي يقوم بها حزبه من أجل تشكيل حكومة ائتلافية مع عدة أحزاب مختلفة من بينها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والحزب الديمقراطي التقدمي. نموذج عربي جديد كما أكد الغنوشي علي أن حزبه حزب إسلامي ديمقراطي وأنه ليس الخوميني وأن حزب النهضة سيعمل علي محاربة الفساد المالي والإداري وعلي تدعيم المرأة ودورها الفاعل في المجتمع، وأشار إلي أنها ستمثل ب 42 مقعداً من المقاعد التسعين التي فاز بها الحزب. وكان الغنوشي قد سبق وأعلن أنه لن يترشح لانتخابات المجلس التأسيسي ولا للانتخابات الرئاسية. وكانت هذه التصريحات قد أثارت جدلاً واسعاً حول نوايا حزب النهضة الإسلامي وعما إذا كان وصوله إلي الحكم سيمثل نموذجاً عربياً جديداً لوسطية الإسلام الديمقراطي أم سيعد زحفا إسلاميا علي السلطة من أجل القضاء علي مفهوم الدولة المدنية. وبفوز حزب النهضة الإسلامي تحولت أنظار العالم كله إلي تونس كأول دول الربيع العربي التي تسير في اتجاه إيجابي لتحقيق أهداف ثورة الياسمين التي انطلقت في الرابع عشر من يناير الماضي. كما أصبح راشد الغنوشي زعيماً تاريخياً لحركة نشأت وسط معارضة شديدة من الأنظمة السابقة واستطاعت أن تستمر علي الرغم من سنوات المنفي العشرين التي عاشها الغنوشي في بريطانيا. ولد راشد الغنوشي في مدينة الحامة بولاية قابسجنوب شرق تونس في الثاني والعشرين من يونية عام 1941 في أسرة متواضعة. حصل علي إجازة في الفقه الإسلامي عام 1962 ثم عمل مدرساً في مدينة قابس. ونظراً لحبه للدراسة والمعرفة، سافر إلي القاهرة ودمشق حيث نال شهادة في الفلسفة. أسس عام 1981 حركة الاتجاه الإسلامي وهو ما جعل السلطة تلاحقه فحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً في نهاية 1981 ثم بالاشغال الشاقة المؤبدة في مطلع 1987 وعندما تولي زين العابدين بن علي السلطة عام 1987، تم الإفراج عنه في مبادرة عفو سياسي عام. غير أن هذا العفو لم يدم طويلاً حيث فازت حركة النهضة بنحو 17 بالمائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 1989 مما جعل الغنوشي يتعرض لقمع النظام إلي أن غادر البلاد إلي الجزائر ومنها إلي بريطانيا، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن المؤبد بتهمة التآمر ضد رئيس الدولة. ترحيب عربي ودولي وقوبلت نتائج الانتخابات التونسية بترحيب شديد من الدول العربية والإسلامية والغربية. ووجه وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي تهنئة إلي حزب النهضة الإسلامي وأعرب عن أمله في أن يتم التعاون بين البلدين في المستقبل. كما أعربت تركيا عن ترحيبها بالانتخابات التونسية التي وصفتها بأنها نموذج يحتذي به، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن المراقبين الدوليين أكدوا علي أن "الانتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة، وبذلك تشكل خطوة تاريخية نحو إرساء الديمقراطية في تونس". وهنأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشعب التونسي علي نجاح عمليته الانتخابية، وقال في بيان "بعد أقل من عام علي إلهامه العالم، أنجز الشعب التونسي خطوة مهمة إلي الأمام. أهنئ ملايين التونسيين الذي صوتوا في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد التي غيرت مجري التاريخ وأطلقت الربيع العربي". وأشادت بعثة الاتحاد الاوروبي بنتائج الانتخابات التونسية، وأكدت علي أنها تمت بشفافية في 97 بالمائة من مراكز الاقتراع، أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تمكنت من تنظيم هذه الانتخابات بجدارة ولم تسجل غير بعض التجاوزات الطفيفة التي سجلت في 3 بالمائة من مراكز الاقتراع. وقالت البعثة في بيان لها إن "الانتخابات ترجمت إرادة واضحة للشعب التونسي في أن يحكم بسلطات منتخبة ديمقراطياً تحترم دولة القانون. إن تنظيم هذه الانتخابات جاء ثمرة وفاق سياسي كبير عبر عن نفسه في مناخ من حرية التعبير الواسعة جداً. لقد مهد التونسيون الطريق إلي الديمقراطية. إنه مثال يحتذي بالنسبة لكل جيران تونس". وعلي الرغم من الشفافية التي اتسمت بها الانتخابات التونسية، فإن بعض الأحزاب والتيارات السياسية ترفض تقبل نتيجتها. وقال نجيب الشابي رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو أحد الأحزاب العلمانية في تونس، إنه لن يشارك في ائتلاف مع حزب النهضة الإسلامي. الإسلاميون قادمون وكان حمادي الجبالي، أمين عام حركة النهضة الإسلامية، مرشح الحزب لرئاسة الحكومة القادمة، وأضاف أن ذلك "يعد أمراً بديهياً باعتبار أن الأمين العام للحزب الفائز بالأغلبية في كل الديمقراطيات في العالم يتولي رئاسة الحكومة". وأشار أن هناك عدة مرشحين آخرين من بينهم مصطفي بن جعفر، أمين عام حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات، ومنصف المرزوقي، زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. ونفي الجبالي أن يكون في نية حزب النهضة الإسلامي الانفراد بوضع دستور جديد وقال إن الدستور سيكتب بتوافق مع جميع الأحزاب والأطراف الممثلة في المجلس التأسيسي، مشددا علي أنه "لن يلغي أية حريات، بل سيكفلها جميعا"، كما أشار إلي إمكانية طرح الدستور المزمع صياغته من قبل المجلس التأسيسي علي الاستفتاء. وكانت ردود أفعال مشابهة قد سادت في بعض دول الربيع العربي حيث يتشكك العلمانيون في نوايا الأحزاب الإسلامية. والآن وقد استهلت تونس المشهد الديمقراطي بوصول أكبر حزب إسلامي إلي المرتبة الأولي في انتخابات المجلس التأسيسي، أصبح الجميع ينتظر تكرار المشهد في مصر وغيرها من الدول. وكان قياديون إسلاميون بالمغرب قد عبروا عن سعادتهم لنتائج الانتخابات التونسية، واعتبروا أن هذه النتائج تعد دعماً للتوجهات الإسلامية المعتدلة. ووصف محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، أحد أبرز التنظيمات الإسلامية بالمغرب، فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس بأنه مؤشر علي نهاية ما أطلق عليه "فزاعة" الإسلاميين.