شاءت إرادة الله تعالي للفتوحات الاسلامية أن تتري وتتوالي وتتسع فتم فتح عدد لا يحصيه إلا الله من البلدان والأقطار التي دخلها الصحابة والتابعون لنشر كلمة التوحيد وتعاليم الرسالة الخاتمة التي نزلت علي قلب النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه وسلامه. وتم فتح مصر سنة عشرين من الهجرة ونزل فيها جمهرة كبيرة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم والتف حولهم طلاب العلم والحديث النبوي من الذين ارتضوا الاسلام عقيدة ومنهاجا عن يقين واقتناع. كان جامع عمرو بن العاص الجامعة الأولي التي تخرجت فيها طلائع النابغين ثم كان لجامع ابن طولون نهضة علمية فائقة في نشر الثقافة الاسلامية ثم تتابعت الأجيال تنشر العلوم والمعارف في مساجد مصر إلي أن أشرق فيها نور "الجامع الأزهر الشريف" الذي أسس في جمادي عام تسع وخمسين وثلاثمائة وقد أدي المسلمون فيه أول جمعة في رمضان سنة واحد وستين وثلاثمائة وما أن نهض الأزهر حتي صار من ذلك التاريخ قلعة حصينة للاسلام وعلومه ينشر أعظم تراث وأغلي ثقافة بوسطية لا تعرف التطرف أو التميع ويخرج العلماء والفقهاء والدعاة في شتي ربوع المعمورة حتي انك لو طوفت ببقاع الأرض فإنك ستري عالما أزهريا ينشر رسالة الاسلام ويعلن عن سماحته ويدلل بكل الوسائل الفكرية والمنطقية انه دين الله الخاتم للبشرية جمعاء. تخرج فيه أئمة اعلام مازال اسمهم يدوي في التاريخ المعاصر أمثال امام المحدثين ابن حجر العسقلاني وسلطان العلماء العز بن عبدالسلام والأديب الفقيه الشاعر ابن دقيق العيد والمؤلف الجهبذ العلامة السيوطي والمؤرخ العملاق "الجبرتي" ولو استقصيت أعداد من تخرجوا فيه ما استطعت ولأحلت الأمر إلي الله وحده الذي "أحصاهم وعدهم عدا" وكما يقول امام الدعاة ابن الأزهر الشيخ الشعراوي: لقد فرغ الزمن من تحديد مهمة الأزهر ولم يعد فيها شك من أحد وقد أدي الأزهر حرسه الله هذه المهمة علي قدر الامكانات التي اتيحت له وان كانت دون الآمال التي تعلق عليها وان بقاء الأزهر حتي اليوم علي كثرة ما اختلف عليه من أحداث تنبع منه أو تصب عليه لدليل علي المناعة التي فطره الله عليها ليظل في عمر الدهر وعاء وحيه وحافظ ذكره وليكون امتدادا طبيعيا لهداية الحياة برسالة ابن عبدالله صلي الله عليه وسلم ولاشك في ان فترات سكونه ولا أقول استكانته كانت وستكون أدعي إلي بقائه وتعميره. فالأزهر تمتد رسالته الي الزمان فتستوعبه وإلي المكان فتستقصيه وفوق هذا فهو يتعدي الدنيا بأزمنتها وأمكنتها إلي عالم آخر لا حد لزمانه ولا حدود لمكانه لأنه الجامع للثقافة التي تتطلبها الدنيا والزاد الذي تستلزمه الآخرة. وفي هذه الآونة التي تحمل ألوانا متعددة من المحن الواقعة علي الأمة من غزو فكري شرس وحروب نفسية ضروس وفوضي في الآراء والفتاوي واهتمام بالقشور علي حساب اللباب واعجاب كل صاحب رأي برأيه وكأنه الصواب الذي لا يحتمل الخطأ والحق الوحيد الرافض لبقية الآراء في ظل هذه الظروف يجب أن تعود المرجعية للأزهر الشريف ليكون مصدر الاشعاع وجمع الشمل ووضع الأمور في موضعها الصحيح كما كان في سالف الدهر وغابر الزمن لاسيما وان قائده وشيخه علم من أعلام الأمة جمع بين ثقافته الأزهرية وخبر ثقافة الآخر واستوعبها وكما يقول ابن الأزهر رفاعة الطهطاوي: ان صاحب اللسانين أفضل من صاحب اللسان الواحد ومن تعلم لغة قوم أمن مكرهم. ثم ان الرجل يعمل بكل طاقاته لرفع شأن الأزهر ويكفيه ما يقوم به من مقاومة الفساد وإعادة الهيبة لهذه المؤسسة العملاقة علي مر الزمان. ان عودة المرجعية إلي الأزهر يطلبها الملايين من أبناء العالم الاسلامي لأن في هذه المرجعية صمام الأمان لهذه الأمة لأنه يمثل وسطية الاسلام وحين يوفق الأزهر في هذه المهمة يكون قد طاوع الاسلام في استيعاب المكان ويصبح لزاما عليه أن يطور نفسه تطويرا يستوعب الزمان كما يقول امام الدعاة الشعراوي ابن الأزهر الشريف واحد اعلامه المعاصرين. ان الأزهر بناء شامخ ومنارة علت الزمان والمكان. فهلا عادت المرجعية إلي الأزهر لتعود الهيبة الي دين الله تحت قيادته ولتعود الكلمة العملاقة من جديد ليقول الناس في شتي أنحاء المعمورة "مصر الأزهر" حتي يسكت صوت الذين يزايدون علي تاريخه من أصحاب الأهواء والاتجاهات التي تريد أن تحمل الناس علي رأي واحد لا يمثل بالمرة مرونة الاسلام ووسطيته وحتي يحجم صوت كل فاسق مبتذل يدعو الناس إلي الخلاعة والمجون والتميع تقليدا لشياطين الإنس الذين يحبون اشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. سائلين الله أن يوفق الأمة لحمل أمانة الاسلام وأن يوفق الأزهر لعودة المرجعية اليه ليأخذ بروح العصر وسنة الارتقاء لنكون بحق حفظة الدين وورثة الأنبياء وان غدا لناظره قريب.