إن التعاون بين المسيحيين والمسلمين نراه ضرورياً علي الصعيد العالمي وعلي صعيد المشرق العربي. فعلي الصعيد العالمي. نجد أن المشكلات التي يعاني منها البشر اليوم أصبحت متشابهة في مختلف بلدان العالم. وتتطلب لحلها جهوداً متضافرة من قبل المسيحيين والمسلمين.. نقرأ في "توجيهات في سبيل الحوار بين المسيحيين والمسلمين" أصدرتها أمانة السر الكاثوليكية في روما للعلاقات بغير المسيحيين: "يعتبر الناس اليوم تحولاً اجتماعياً وثقافياً حقيقياً تنعكس نتائجه حتي علي الحياة الدينية".. وكيف لا يأخذهم الدوار حيال التناقضات الرهيبة التي يثيرونها ويعانونها في آن واحد.. فالغني والفقر. والعوز. والقوة والضعف. والجرأة والاستسلام والحرية والاستعباد. والعلم والجهل. والتقنية المتقدمة والعجز المتخلف. والصحة والمرض. والحياة والموت. تلك هي أبرز وجوه الاختلال في التوازن. التي تفعل في العالم الحديث فعلها. وتفد كل العلاقات بين الأمم والجماعات والأشخاص. أو ليس من واجب المؤمنين سواء مسلمين كانوا أم مسيحيين. أن يأتوا مع جميع الناس ذوي النية الصادقة. مهما كان انتماؤهم الديني والأيديولوجي بجواب متوافق وأن يعرضوا رسالة موحدة. ويقدموا عملاً منسقاً؟ فالمشاكل التي يجب علي المؤمنين أن يجدوا لها بأعمالهم ثم بأقوالهم وشروحاتهم الحلول التي يمليها عليهم الإيمان بالله والمحبة للناس. إنما هي ذاتها: "ما هو الإنسان؟ ما معني الألم والشر والموت. تلك الأمور التي مازالت قائمة علي ما حصل من تقدم عظيم؟ ماذا يستطيع الإنسان أن يقدم للمجتمع؟ وماذا يستطيع أن ينتظر منه؟ وما هو المصير بعد هذه الحياة؟". يطلب من المسيحيين والمسلمين لكونهم مؤمنين أن يعملوا معاً انطلاقاً من إيمانهم بالله لإكمال خليقة الله وخدمة البشر ونمو المجتمعات وازدهارها في مجالات هذه منها: 1 التعاون في إكمال الخليقة: المسيحيون والمسلمون يؤمنون بأن الله هو خالق الكون بأسره. فالإنسان مدعو في نظر المسيحيين والمسلمين إلي إكمال عمل الخلق. فيتوافق أخيراً علي أكمل وجه. مع ما خلقه لأجله ومجالات التعاون في هذا الموضوع كثيرة: "فمن شأن المؤمنين أن يبتدعوا علاقات جديدة بين الإنسان والطبيعة. تغلب فيها كلمات الاحترام الخضوع والتكيف علي كلمات التلويث والعنف والاستعباد. ويتبع ذلك أيضاً علاقات جديدة بين التقنية والطبيعة حتي تصير السمات الغالبة علي الحياة الحديثة المسسماة بالتمدن والتصنيع والاستهلاك دليلاً علي سيطرة الإنسان علي غرائزه وتعهده الحكيم لطبيعة التي منها يستخرج خيراته". 2 التعاون في صيانة كرامة الإنسان: إن كرامة الإنسان تأتي من كونه "خلق علي صورة الله" ليس في جسده طبعاً لأن الله لا جسد له. ولكن في روحه الخالدة التي بها يشترك في أبدية الله. وفي عقله الذي به يفكر ويشترك في نور العقل الإلهي. وفي إرادته التي بها يمارس حريته ويضطلع باختياراته ويشترك في حرية الله. إلا أن كرامة الإنسان معرضة للامتهان. فعلي المسيحيين والمسلمين أن يتعاونوا من أجل احترامها وصيانتها ومساعدة جميع الناس علي وعيها والعيش بموجبها. وكرامة الإنسان متنوعة الوجوه: فهناك أولاً كرامة الحياة التي تجب صيانتها "بإجلال الأمومة ورفض الإجهاض والتقدير الصحيح لما يقتضيه الجسم البشري. والاعتراف الحكيم بمعانيه السامية. بتوفير أقصي العناية للمرضي. مع الاحترام الكامل لوظائف جسمهم الحيوية والاهتمام المستمر بإعادة تأهيل المعاقين جسماً أو عقلاً وتخفيف معاناتهم والحب النيِّر الذي يحوَّط به المحتضرون والرفض الجريء لكل أنواع القتل الرحيم".. وهناك أيضاً كرامة الروح التي تقتضي أن توفر لجميع الناس الوسائل الوافية للتعلم والتربية وبلوغ الثروات الثقافية في كل أشكالها.. وهناك أيضاً كرامة الضمير الذي يجب العمل علي إنمائه ليصير أكثر دقة ونبلاً وسمواً ليحمل إلي سلوك أخلاقي يتأصل ضمن الحرية الواعية في مشيئة الله المحبة للإنسان وللخليقة. وهناك أيضاً كرامة الحرية التي يجب التعاون علي صيانتها "فلا يرغم إنسان علي فعل ما يخالف ضميره في الشئون الدينية. ولا يمنع من العمل ضمن الحدود الصحيحة بحسب ضميره. في السر أو في العلن. وسواء كان فردياً أو جماعياً".. "ويعرف المؤمنون بالخبرة أن ممارسة الحرية بحكمة تفترض تنشئة وافية. وضمانات قانونية واجتماعية فعليهم إذن أن يعملوا معاً حيثما تكون الحريات مهددة بالشطط أو بالإلغاء. فيوفروا لها التربية الضرورية والضمانات المطلوبة". 3 التعاون في العمل علي تقدم المجتمع البشري وازدهاره. من كرامة الإنسان أيضاً أن يتاح لجميع الناس الإفادة أولاً من تقدم المجتمع البشري وازدهاره. والإسهام ثانياً علي قدم المساواة في هذا التقدم وفي بناء الأوطان وتطوير مؤسساتها. وعلي المسيحيين والمسلمين أن يتعاونوا ليوفروا المناخ الملائم للأسرة لتنمو في الكرامة وللمرأة لتصان حقوقها. كما عليهم أيضاً التعاون ليكون النمو الاقتصادي لخدمة جميع الناس ويزول الفقر والحرمان من العالم وهذا التعاون يدعوهم إلي استنباط مذاهب اجتماعية بالتوافق تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الوطنية الواقعية والعوائد المحلية في العمل. وتعمل علي توزيع الثروات توزيعاً أكثر إنصافاً. حتي يصير الاقتصاد سبيلاً إلي "تنمية الإنسان الكاملة". 4 التعاون في المجال السياسي: ينتج أيضاً من كرامة الإنسان المخلوق علي صورة الله أن جميع الناس مدعوون إلي الإسهام علي قدم المساواة في بناء الدولة ومؤسساتها السياسية إن الكلام علي "دولة إسلامية" أو "دولة مسيحية" نعتبره من مخلفات العصور الوسطي.. ولذلك ندعو جميع الأصوليين. من مسلمين ومسيحيين. إلي أن يميزوا بين أصول الدين وعقائده الثابتة التي يجب التمسك بها إلي أبد الآبدين. والنظم السياسية التي هي نتيجة أوضاع تاريخية واجتماعية معينة. ولابد لها من أن تتغير وتتبدل وفقاً لتغير الأوضاع التاريخية والاجتماعية علي مر العصور. فالدين يجب ألا يكون عنصر تجميد للإنسان بل هو عنصر دينامي يدفع الإنسان دوماً إلي استنباط أطر جديدة ونظم جديدة. وذلك استناداً إلي مباديء الدين الثابتة التي هي مشتركة بين المسيحية والإسلام. إن وجود المسيحيين والمسلمين في دولة واحدة. لا يمكن أن يثبت في سلام إلا إذا كان الجميع متساوين في نقطة الانطلاق. المسيحيون والمسلمون مسئولون عن تطوير الفكر السياسي لينتقل من الرغبة في إنشاء "دولة دينية" إلي التعاون معاً لإنشاء "دولة الإنسان" المخلوق علي صورة الله والمدعو إلي أن يسعي في حياته الشخصية وفي حياته الاجتماعية إلي تحقيق كمال تلك الصورة الإلهية فيه.