ليس ببعيد عن الله تعالي أن يختار من عباده. نفوساً لها من نقاء الجوهر وسلامة الفطرة ما يعدها للفيض الإلهي. والاتصال بالملأ الأعلي. ليلقي برسالاته التي تسد حاجة البشر في رقي وجدانه وسمو أخلاقه واستقامة نظامه.. وهؤلاء هم رسل الله وأنبياؤه. ولا غرابة في أن يكون هذا الاتصال عن طريق الوحي السماوي. لقد شاهد الوحي معاصروه. ونقل بالتواتر المستوفي لشروطه بما يفيد العلم القطعي إلي الأجيال اللاحقة. مما لا يدع مجالاً للشك في إمكان الوحي وثبوته. ولم يكن رسولنا صلي الله عليه وسلم أول من أوحي إليه. بل أوحي الله تعالي إلي الرسل قبله بمثل ما أوحي إليه "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داوود زبوراً". فليس هناك في نزول الوحي علي محمد ما يدعو إلي العجب. ولذا أنكر الله علي العقلاء هذا في قوله "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلي رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا". معني الوحي: يقال: وحيت إليه وأوحيت: إذا كلمته بما تخفيه عن غيره. وقد يكون بصوت مجرد. وبإشارة ببعض الجوارح. والوحي مصدر. ومادة الكلمة تدل علي معنيين أصليين. هما: الخفاء والسرعة. ولذا قيل في معني الوحي: إنه الإعلام الخفي والسريع. الخاص بمن يوجه إليه. بحيث يخفي علي غيره. وهذا معني المصدر. والوحي بمعناه اللغوي يتناول: 1- الإلهام الفطري للإنسان: كالوحي إلي أم موسي "وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه". 2- والإلهام الغريزي للحيوان: كالوحي إلي النحل "وأوحي ربك إلي النحل". 3- وما يلقيه الله إلي ملائكته من أمر ليفعلوه: "إذ يوحي ربك إلي الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا" وأوحي الله إلي أنبيائه قد عرفوه شرعاً بأنه. وهو تعريف له معني اسم المفعول. أي الموحي. ولقد عرفه الإمام محمد عبده في رسالة التوحيد بأنه: "عرفان يجده الشخص من نفسه. مع اليقين بأنه من قبل الله. بواسطة أو بغير واسطة. والأول بصوت يسمعه الموحي إليه. أو بغير صوت. والفرق بينه وبين الإلهام: أن الإلهام وجدان تستيقنه النفس فتنساق إليه دون أن تشعر من أين أتي. وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن...." وإلي اللقاء.