جمال عبدالناصر اتفق مع عبدالحكيم وكمال الدين حسين علي صلاحيات وطلب من المجلس الرئاسي إصدار قرار بصلاحيات مختلفة عبدالناصريتخذ خطوات للتنكيل بالبغدادي وأسرته لتجرئه علي الاستقالة كمال حسين والبغدادي يستقيلان من المجلس الرئاسي احتجاجا علي تصرفات عبدالناصر فرض الحراسة علي شقيق البغدادي.. ومنع زوج ابنته وعروسه من العودة إلي لندن لاستكمال دراسة الدكتوراه كمال الدين حسين والبغدادي ينتقدان كل تصرف خاطئ لعبدالناصر فيقرر منع الزوار عنهما.. ويلغي إجراءات سفرهما للحج أصبح الجيش في قبضة المشير عبدالحكيم عامر.. أصبح هو المسيطر تماما علي كل مقدراته.. ووجد عبدالناصر نفسه وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة عاجزا عن تغيير قائد الطيران الفريق صدقي محمود علي أساس مسئوليته عن تأخر وصول الإمدادات والمظليين إلي القوات المصرية في اللاذقية.. ورفض المشير طلب عبدالناصر معلنا أنه إذا عزل صدقي فإنه هو الآخر سيستقيل.. وبدأ عبدالناصر خطواته للتخلص من عبدالحكيم عامر.. فطلب من كمال الدين حسين أن يتولي القوات المسلحة بدلا من المشير.. وقال كمال الدين حسين لعبدالناصر: إننا في ظرف لايصح معه إيجاد شقاق يظهر أمام الناس .. ولكن عبدالناصر حسم الأمر قائلا: ده أصبح غير محتمل.. مش عايز يشيل صدقي وأنا مش قادر بأه أتعاون معاه وكفاية حالة الجيش.. جميع قادة الاسلحة لازم يتغيروا. والحق أن سيطرة عبدالحكيم عامر علي الجيش بهذا الشكل أفزعت عبدالناصر وصورت له أن المشير سيقفز إلي سدة الحكم.. وبدأ الصراع علي السلطة بين الرجلين.. ورأي عبدالناصر أن يستحوذ علي الشعب ليكون قوة مناوئة لسيطرة المشير علي الجيش.. ويري كثير من المحللين أن قوانين يوليو الاشتراكية التي أفرزت تمكين العمال والفلاحين بنسبة 05٪ في البرلمان كان الهدف منها أن يضمن عبدالناصر ولاء الشعب له. وهكذا جرت الأمور بين الرئيس والمشير.. وشكل عبدالناصر مجلسا للرياسة يضم الباقين علي قيد الحياة من أعضاء مجلس الثورة، إضافة إلي الدكتور نور الدين طراف والمهندس أحمد عبده الشرباصي وعلي صبري وكمال رفعت.. وأصدر الإعلان الدستوري في عام 2691 بتشكيل مجلس الرئاسة وجعله السلطة العليا للبلاد في رسم كل سياساتها والقرارات فيه تصدر بأغلبية الآراء. ولكن ظلت العلاقة بين الرئيس والمشير متوترة.. ولم ينس عبدالناصر أن المشير عامر عارضه وهدد بالاستقالة.. بعدها عقد مجلس الرئاسة وكانت أولي المفاجآت أن عبدالناصر لم يحضر الجلسة.. تغيب عنها وتولي رئاستها عبداللطيف البغدادي بحكم الأقدمية.. وكانت المفاجأة الثانية أن البغدادي أعلن تلقيه مشروع قرار خارج الموضوعات المدونة بجدول الأعمال لتحديد سلطة القائد العام للقوات المسلحة المشير عبدالحكيم عامر في تعيين قادة الأسلحة وعزلهم.. وكان مخالفا تماما لمشروع القرار الذي اتفق عليه مع عبدالحكيم عامر في حضور كمال الدين حسين. وكان عبدالناصر قد رتب قبلها مع أعضاء المجلس الرئاسي، بحيث يصدر القرار في غيابه، ويصدر في نفس الجلسة ولا يتم تأجيل التصويت عليه.. وبالفعل صدر القرار بأغلبية المجموعة التي تدين بالولاء لعبدالناصر.. وتقرر تأجيل تنفيذه ثلاثة شهور لحين انتهاء حرب اليمن كما كان يعتقد المشير عبدالحكيم عامر إنها ستنتهي في خلال تلك الفترة ولحين انتهاء بحث كثير من بنوده. مواجهة بين عبدالناصر وكمال حسين وانسحب عبدالحكيم عامر من الجلسة.. وخرج بعده كمال الدين حسين وتوجه مباشرة إلي منزل جمال عبدالناصر. ويحكي كمال الدين حسين ماجري في بيت عبدالناصر.. قال: قلت له: إنني فوجئت بالقانون.. إنه مخالف تماما لما اتفقت عليه مع عبدالحكيم. فأجابني متظاهرا بالبراءة: إزاي ياأبو كمال.. هو ده نفس اتفاقنا. وقلت له: لأ.. ارجع للاتفاق.. إنك وضعته في درج مكتبك وهو مكتوب بالحبر الأحمر. وقام عبدالناصر وأخرج لي الاتفاق ثم قال: لك حق.. طيب نصلحه. ووجدتني أندفع قائلا له: دي مناورة لا أقبلها.. ولا يصح أنك تضعنا أمام الأمر الواقع.. أنا كنت أتصور أنني أعمل وظهري محمي ولا أتصور أنني أعمل في جو يمكن أن تنالني فيه طعنة من الخلف.. إن هذا ليس أبدا أسلوب تعاملنا في الماضي ولا أقبل أن تكون تلك طريقة جديدة للتعامل.. وكان كلامي هذا سببا في أن عبدالناصر بدأ ينظر إليًّ نظرة ضيق.. وكان يعتقد أنني منحاز مع المشير عامر ضده.. في حين أنني لم أكن منحازا إلا لمبدأ وهو أنه مهما اختلفنا فلا يصح أبدا أن يطعن أحدنا زميله من خلف ظهره. مضت مهلة الشهور الثلاثة.. ولم يستجب المشير لتنفيذ القرار.. وسانده عبدالناصر في ذلك!.. وبدأ عبدالناصر يضيق بالمناقشات في المجلس الرئاسي.. أحس أنه قيد عليه.. وعمد ألا يدعو المجلس إلي الانعقاد إلا علي فترات متباعدة.. وكان لايعرض عليه إلا توافه الأمور.. ووجد أعضاء المجلس أنفسهم قيادة جماعية شكلا ولكن موضوعيا لا شيء.. كانوا يفاجأون بقراءة أهم القرارات التي تمس سياسة البلاد في الصحف.. ووصف لي الدكتور نور الدين طراف هذه الفترة بإيجاز في جملة واحدة. كانت حكما ظاهره الديمقراطية وحقيقته الديكتاتورية. استقالة كمال حسين والبغدادي وكان كمال الدين حسين أول من استقال من المجلس وانقطع عن الذهاب إلي جلساته.. وكان البغدادي ثاني من قدموا استقالاتهم من المجلس لعدم استراحته لطريقة الحكم.. وظلت هذه الاستقالة سرا.. وفيما يلي نص استقالة البغدادي التي بعث بها إلي عبدالناصر يوم 61 مارس سنة 4691: السيد رئيس الجمهورية: بعد التحية.... إن موعد انعقاد مجلس الأمة الجديد قد قرب ومعني ذلك بداية مرحلة جديدة من مراحل ثورتنا مما يتطلب بطبيعة الحال إعادة تنظيم الأجهزة السياسية وعلي الأخص القيادات العليا منها علي ضوء تجارب الماضي.. ولما كنت غير راغب في الاستمرار في الحياة السياسية لأسباب سبق ذكرها في اجتماعنا الأخير بمنزلكم يوم 4 مارس سنة 4691 وهي تتعلق بالمرحلة الحالية من التنظيم كما تعلمون أن مبدأ القيادة الجماعية مبني أساسا علي المسئولية التضامنية والمشاركة في إصدار القرارات وهو أمر حتمي لنجاح مثل هذه القيادة في مباشرة مسئولياتها، ولكنه قد ترتب علي عدم وضع هذا المبدأ الأساسي موضع التنفيذ عدم قدرة هذا المجلس علي القيادة والقيام بواجباته الجماعية وهي في نظري أساسية وضرورية لضمان الأمن والاستقرار السياسي في بلادنا في المستقبل.. ومما لاشك فيه أن هذه النتائج لها انعكاسات علي الأعضاء في مثل هذه القيادة وقد تأثرت أنا شخصيا خلال الفترة الماضية من هذه النتيجة في تحمل تلك المسئولية الضخمة.. لذا قررت من فترة الانسحاب من الحياة العامة وعدم المشاركة في المسئولية في المرحلة القادمة من التنظيم التي تبدأ حسب تقديري من أول يوم لانعقاد مجلس الأمة الجديد في 62 مارس 4691 متمنيا لك وللزملاء دوام التوفيق. إمضاء عبداللطيف البغدادي خطوات انتقامية وأخفي عبدالناصر الاستقالة.. ولكنه انتقم بطريقته لتجرؤ البغدادي علي الاستقالة بدأ يتخذ خطوات وإجراءات للتنكيل بأفراد أسرته.. وفي يوم 42مارس 4691 أصدر قرارا بفرض الحراسة علي شقيقه سعد البغدادي رغم أنه كان قد ألغي الحراسة في 1 مارس.. وبذلك أصبح هناك قراران أحدهما بتاريخ لاحق لقانون إلغاء الحراسات والثاني سابق لتاريخ القانون.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك.. فقد استغل فرصة حضور المهندس محمد نصير زوج ابنة البغدادي في إجازة مع عروسه من لندن.. حيث كان يعد رسالة دكتوراه ومنعها من مغاردة البلاد رغم أن الاثنين كانا قد تركا الشغالة التي تعمل في خدمتهما لدي محسن عبدالخالق وكان يشغل منصب المستشار التجاري لسفارة مصر في لندن. ولم تمنع هذه الإجراءات كلا من كمال الدين حسين والبغدادي من انتقاد كل تصرف خاطئ لعبدالناصر.. كان حديثهما مع أصدقائهما يصل إليه عن طريق عيونه،. وأراد أن يمنعهما من استقبال أي زوار. ويروي عبداللطيف البغدادي هذه القصة في محاولة عبدالناصر تحديد عدد زواره، هو وكمال الدين حسين.. قال أنه فوجئ بصلاح نصر مدير المخابرات العامة يحضر لزيارته في منزله ويقول له إن عميلا مزدوجا للمخابرات المصرية ولإسرائيل أبلغه أن اسرائيل تعد خطة لاغتياله هو وكمال الدين حسين حتي ينسب اغتيالهما علي أنه من تدبير عبدالناصر.. وطلب من البغدادي عدم مقابلة أي شخص مع السماح بتشديد الحراسة عليه.. وضحك البغدادي من قلبه.. وقال لصلاح نصر: أرجو أن تبلغ سيادة الرئيس شكري الزائد لاهتمامه بسلامتنا.. وعلي فكرة أنت مش بتقول إن المعلومات دي أبلغها لكم عميل مزدوج. وأجاب صلاح نصر: آه طبعا فرد البغدادي: خلاص يبقي مفيش خوف لأنه لابد سيبلغكم بخطة اغتيالنا وحتبقوا عارفين وتعطونا خبر.. و ألا إيه ياصلاح.. وعلي كل إحنا مش هنكون أشطر من كنيدي. أما إذا كان الغرض من تشديد الحراسة ومنع الزوار هو منعنا من الكلام مع الناس.. اسمع ياصلاح.. و.. أشار بغدادي إلي فمه.. مش حا أقفله بسوستة وحافضل أتكلم.. وأتكلم طول ماأنا شايف حاجات غلط. ونفس المقابلة تمت بين صلاح نصر وكمال الدين حسين.. ونفس الكلام الذي سمعه من البغدادي.. أعاده علي مسامعه كمال حسين. وفشلت هذه المحاولة في تحديد إقامة الاثنين ومنع الزوار عنهما.. وبدأت مضايقات من نوع آخر.. تقدم كمال الدين حسين بطلب السفر لأداء فريضة الحج عام 5691 هو ووالداه.. كما تقدم البغدادي بنفس الطلب في أوائل عام 1965 واتخذوا إجراءات السفر بعد أن تمت الموافقة.. وفجأة حضر إلي منزل كمال الدين حسين ملازم ثان من قسم شرطة الدقي ومعه إشارة تتضمن وقف إجراءات سفره هو ووالديه للحجاز.. وتلقي البغدادي إشارة بنفس المعني. في الحلقة القادمة: حرب اليمن.. وكيف تورط عبدالناصر فيها؟!