بعد فشل الوحدة مع سوريا.. عبدالناصر يطلب عزل قائد الطيران وعبد الحكيم يرفض! المشير يهدد بالاستقالة.. والرئيس يطلب من البغدادي وكمال حسين إقناعه بعدم الاستقالة! في الحلقة السابقة بدأنا الكلام عن الوحدة مع سوريا.. وذكرنا كيف جرت الموافقة علي الوحدة بعد مجيء وفد سوري إلي القاهرة برئاسة ضابط شيوعي يطلب الوحدة.. وهو ما يعني أن موضوع الوحدة مع سوريا لم يحظ بالدراسة الكافية والواجبة.. وإنما لجأ إليه عبدالناصر كما قال لجمال سالم مبررا قبوله الوحدة إن البلد فيه مليون مشكلة وقبولي الوحدة هو الحل الوحيد لتغطية كل الفشل.. لكن الحقيقة أن عبدالناصر سارع بقبول الوحدة ليرضي نزعة (الزعامة) داخله.. لقد كان يبحث عن الزعامة بأي شكل وبأي طريقة. ولم يكن غريبا أن ينهار مشروع الوحدة مع سوريا بأسرع مما تخيل الذين سعوا وسارعوا إليها. لكن أهم وأخطر ما أسفر عنه مشروع الوحدة مع سوريا هو تفجر الصراع بين الرئيس والمشير.. وكان ذلك بداية الصراع علي السلطة وهو أحد الأسباب الهامة التي قادت البلاد إلي نكسة 67. تلاحقت الأحداث.. وازداد سخط الشعب السوري علي الوحدة بعد صدور القرارات الاشتراكية عام 1961.. وبدأ التذمر.. ثم وقع الانفصال وقام به ضباط من مكتب المشير عامر في سوريا.. وحدثت بعض الاشتباكات وتأخر إرسال تعزيزات بالجو لقوات مصرية كانت محاصرة في اللاذقية. حتي تم أسرهم جميعا. المشير يرفض عزل صدقي! وأحس عبدالناصر بخطئه.. وأراد أن يلقي بتبعية الخطأ علي غيره.. أراد أن يلقيها علي المشير عامر علي أساس أن الذين قاموا بالانفصال ضباط من مكتبه.. ولم يشأ أن يقوم بالخطوة مرة واحدة.. بدأ بأن عرض علي المشير عزل الفريق صدقي محمود قائد الطيران علي أساس مسئوليته عن تأخر وصول الإمدادات والمظليين إلي القوات المصرية في اللاذقية.. ورفض المشير معلنا أنه إذا عزل صدقي فإنه هو الآخر سيستقيل. ولم تكن هذه أول مرة يهدد فيها المشير عامر بالاستقالة بسبب طلب عزل الفريق صدقي. فبعد عدوان سنة 1956 أراد عبدالناصر عزل الفريق صدقي.. قال له عبدالناصر صدقي لازم يمشي. ورد المشير: - صدقي مش مسئول لوحده.. أنا المسئول الأول وأنا كمان أمشي. ثم انصرف غاضبا. وهنا يقول عبداللطيف البغدادي: - إن عبدالناصر طلب منه ومن كمال الدين حسين الذهاب إلي عبدالحكيم لإقناعه بالبقاء وعدم تقديم استقالته.. وإنهما عندما نقلا إليه رغبة عبدالناصر قال لهما: - أنا راجل.. وأحب بلدي ومش دي الظروف اللي استقيل فيها. ولذلك عندما هدد المشير عامر بالاستقالة في عام 1961 أسرع عبدالناصر بالاتصال بكمال الدين حسين.. ويروي كمال حسين الحوار الذي دار بينهما: قال عبد الناصر لي: - يا أبو كمال أنا عايزك تمسك القوات المسلحة بدلا من المشير. فرددت عليه: - إننا في ظرف لايصح معه إيجاد شقاق يظهر أمام الناس. وقال لي: - ده أصبح غير محتمل.. مش عايز يشيل صدقي.. وأنا مش قادر بأه أتعاون معاه وكفاية حالة الجيش.. جميع قادة الجيش لازم يتغيروا! فرددت عليه: - أنا ما عنديش مانع أمسك الجيش والبغدادي يمسك الطيران ونشوف واحد كويس يمسك البحرية ويظل عبدالحيكم قائدا عاما للقوات المسلحة. وقال لي: - أنا مش عايز عبد الحكيم خالص. فقلت له: - أنت رئيس الجمهورية والقائد الأعلي.. مفيش مانع تبقي إنت مكان عبد الحكيم وأنا زي ما قلت أمسك الجيش والبغدادي يمسك الطيران وواحد كويس يمسك البحرية. فقال لي: - طيب.. وأنهي المكالمة. ويكمل عبد اللطيف البغدادي القصة قائلا: - واتصل بي عبدالناصر بعد ذلك مباشرة.. عرض عليّ أن أمسك القوات المسلحة بدلا من المشير.. وكانت إجاباتي عليه بنفس معني إجابات كمال الدين حسين عليه. مجلس رئاسي وعدل عبد الناصر عن تغيير المشير عامر!.. وبدأ يبحث عن وسيلة أخري للحكم استمع إلي النصائح بإعادة الحكم جماعيا والتخلي عن إنفراده بالسلطة.. وافق علي تشكيل مجلس للرياسة يضم الباقين علي قيد الحياة من أعضاء مجلس الثورة ماعدا خالد محيي الدين تم تراجع وضمه بعد ذلك وإضافة الدكتور نور الدين طراف والمهندس أحمد عبده الشرباصي وعلي صبري وكمال رفعت إلي المجلس. وأصدر الإعلان الدستوري في عام 1962 بتشكيل مجلس الرئاسة وجعله السلطة العليا للبلاد في رسم كل سياساتها.. والقرارات فيه تصدر بأغلبية الآراء.. واستبشر الكل خيرا للبلاد.. وبدأ المجلس جلساته وكان يرأسها عبد الناصر، وسارت الأمور فيه علي أحسن مايرام.. كل قرار لايصدره عبدالناصر إلا بعد موافقة الأغلبية عليه. وبدأت أولي الأزمات. أزمة المشير ويقول كمال الدين حسين: - لم ينس عبدالناصر أن المشير عامر عارضه وهدده بالاستقالة.. كانت العلاقة بين الاثنين متوترة.. ووجدت من واجبي أن أحاول التوفيق بينهما.. كان المشير عامر من أقرب الناس إلي قلبي.. أحبه ويجبني.. وجمعتنا أنا وعبدالناصر وعبدالحكيم عامر جلسة نتصارح فيها.. وكانت هذه دائما عادتي.. أجمع المتخالفين لأحاول التوفيق بينهما.. وفي هذه الجلسة كشف عبدالناصر عما يريده.. اتفقنا علي تحديد الاختصاصات وتوزيعها بين عبدالناصر بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة.. وبين عبدالحكيم عامر بصفته نائبه وقائدا عاما للقوات المسلحة وقام عبدالناصر إلي مكتبه ودوّن كل النقاط. وتلقيت دعوة لحضور جلسة مجلس الرئاسة، وكانت أولي المفاجآت أن عبدالناصر لم يحضر الجلسة.. تغيب عنها.. وتولي رئاستها الأخ عبداللطيف البغدادي بحكم الأقدمية.. وكانت المفاجأة الثانية أن البغدادي أعلن تلقيه مشروع قرار خارج الموضوعات المدونة بجدول الأعمال لتحديد سلطة القائد العام للقوات المسلحة في تعيين قادة الأسلحة وعزلهم.. وكان مخالفا تماما لمشروع القرار الذي اتفق عليه مع عبدالحكيم عامر وفي حضوري. وطلبت تأجيل نظر مشروع القرار لحين حضور عبدالناصر بنفسه.. وهمس البغدادي لمن حوله من أعضاء المجلس أن عبدالناصر طلب الموافقة علي القانون وإلا فإنه سيستقيل. ووجدتني أعارض نظر المشروع علي أساس أن الجلسة غير دستورية.. فالإعلان الدستوري بتشكيل المجلس نص علي أن يتولي رئاسة جلساته رئيس الدولة ولم ينص عمن يتولي الرئاسة في حالة غيابه مما يؤكد ضرورة أن يكون حاضرا.. وطلبت تأجيل المناقشة لحين حضور عبد الناصر. وخرج الاقتراح بالتأجيل للتصويت.. وهزم الاقتراح بخمسة أصوات مقابل ستة أصوات.. فقد وقف إلي جانب اقتراحي المرحوم عبدالحكيم عامر وكمال رفعت والمهندس الشرباصي وطبعا أنا.. أما الذين صوّتوا ضد الاقتراح فكانوا بقية أعضاء المجلس: البغدادي وأنور السادات وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعلي صبري والدكتور نور الدين طرّاف. وبدأت مناقشة القانون من ناحية المبدأ.. ووافقت عليه نفس الأغلبية وقررت تأجيل تنفيذه ثلاثة شهور لحين انتهاء حرب اليمن.. كما كان يعتقد المرحوم عبدالحكيم عامر - أنها ستنتهي في خلال تلك الفترة، ولحين أن يتم بحث كثير من بنوده. وانسحب عبدالحكيم عامر من الجلسة.. ثم خرجت بعده.