طالب د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر بعودة مراقبة الأمن الوطني للمساجد بشرط عدم إهانة الخطباء والدعاة حتي تستطيع أداء رسالتها بأمان، وحذر في حواره مع (آخر ساعة) من خطر الفتاوي التليفونية، داعيا إلي تحويل دار الافتاء إلي إدارة تابعة للأزهر للقضاء علي تضارب الفتاوي، علي أن يكون منصب مفتي الديار بالانتخاب وليس التعيين. وإلي التفاصيل.. أطلقت من قبل تحذيرات من اختراق الإخوان للأزهر وحذرت من خطرهم علي الدولة عموما وضح لنا ذلك؟ - في عام 1996 أصدرت أول مؤلف لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة بعنوان (قضية التكفير في الفقه الإسلامي) وقدمت نسخا إلي جهاز أمن الدولة وقتها ليستعين به في محاورة الشباب وعلاجهم فكريا أفضل من علاجهم أمنيا.. ثم تلا ذلك كتب أخري مثل (إسلام بلا فرق)، واعتزل تلك الفرق ثم بعد ذلك قضية الحكم بتفسير ما أنزل الله ثم كتاب فقه السلام في الإسلام ثم كتاب السلفية بين الأصيل والدخيل، وفتنة التكفير وفي تلك الكتب رصدت المفاهيم والمباديء للجماعات والفرق كالإخوان القطبيين والمتسلفة وأشياعهم وحذرت من أن السلفية تتحول من دعوية إلي حركية ثم إلي جهادية تدميرية تحمل السلاح ضد المجتمع وكذلك وضحت أن فكر حسن البنا في الإسلام انتهي ثم بعد ذلك سيد قطب بمعني أن التكفير نقطة ارتكاز والتقاء بين الإخوان والسلفية والتنظيمات الجهادية.. بخلاف مئات الخطب في مساجد ومراكز علمية وقصور ثقافة وكل هذه المجهودات للأسف لم يعرها الأزهر ولا الأوقاف أي اهتمام وهاهو الحصاد الآن. وما تأثير دخولهم علي الأزهر؟ - العيب ليس في مؤسسة الأزهر ولكن في بعض القيادات التي اعتلت المناصب كمهنة وليس رسالة وكان همها مصالحها الخاصة فقط والعمل الروتيني فقط دون معالجة بالإضافة إلي نظام الشلل والمحسوبية بخلاف الأداء مظهريا.. الأزهر يفشل حتي هذه اللحظة حتي في إنشاء قناة فضائية لتقديم الدين.. ودار الإفتاء تقاعست عن محاورة الشباب في إبداء الأحكام الشرعية فيما نمر به من عنف فكري.. بضعة أفراد من داخل بصعة آلاف يقومون بالتوعية الدينية من داخل الأزهر تطوعا.. قطاع كبير من الأزهر لا يبالون بالعمل التطوعي ولا يتصدون للعنف الفكري.. إذن نحن نريد ثقافة جديدة. ما الفرق بين المسميات العديدة التي تطارد أسماعنا الآن مثل الجماعة الإسلامية والجماعة السلفية والسلفية الجهادية وحزب النور والإخوان المسلمون؟ - هذه هي الفرق التي حذر منها الإسلام، قال الله تعالي:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} وكذلك قوله: {وأقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه..}.. والرسول([) قال: (سيخرج في أواخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقول من قول خير البرية يمرقون من الدين كالسهم من الرمية يدعون إلي كتاب الله وهم ليسوا منه في شيء تحقرون صلاتكم إلي صلاتهم وصيامكم إلي صيامهم يقرأون القرآن لايجاوز حناجرهم.. فاعتزل تلك الفرق).. وكل فرق لها مباديء وأجندات وأهداف تختلف عن الأخري ولكن كلهم يجتمعون علي المصالح.. فالإخوان سياستهم اعتلاء الحكم السياسي والسلفية إقصاء مصر عن دورها في العالم الإسلامي وإضعاف الأزهر أو إغلاقه.. أما المنظمات الجهادية فهي أداة في أيدي القوي الاستعمارية لإعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط الجديد.. ولكن مع ذلك فالعرب لايقرأون وإذا قرأوا لايفهمون.. وخطورة فكر الإخوان واضح في اعتلاء المناصب القيادية في الدولة كما اتضح من الأحداث التي رآها الجميع. كيف إذن يتم إصلاح فكر الأزهر وعودته لكل المسلمين؟ - يتم ذلك عن طريق أولا عدم تهميش العلماء الراسخين فيه وكذلك إعادة النظر في المناهج الدراسية والخطب الدعوية وتفريغ القيادات للأعمال الدعوية والعلمية من الأعمال الإدارية التي تستنفد الطاقات والأوقات. نفترض الآن أن يخرج علينا عالم مثل الشيخ الشعراوي ويتفرغ لتفسير القرآن للمسلمين فماذا تكون مرجعيته حتي نطمئن إليه هل بموافقة الأزهر أم ماذا؟ - الشيخ الشعراوي علامة مضيئة ندر أن يأتي من يملأ فراغة لأنه عالم وكلمة علماء ليست كلمة سهلة فيجب أن تكون هذه الكلمة بحقها فليس كل من يدعي العلم يكون عالما لأنها كلمة لها احترامها وحقها. وحتي إن خرج علينا شخص يريد تفسير القرآن الآن للمسلمين ليس الشرط موافقة الأزهر فقط ولكن يجب أن يكون عالما حقيقيا متخصصا في الأزهر الشريف ويحترم الدراسة الأزهرية التي درسها. هل توافق علي موضوع الفتاوي بالتليفون أم أنه خطأ يجب أن يتوقف؟ - الفتاوي بالتليفون خطر وخطأ.. فالمستفتي لا يستوعب السؤال جيدا ويتم الطرح بشكل خطأ وأكثر ما يقع في ذلك في العقائد والمواريث وغيرها.. ولذلك يجب التوقف عنها فورا. هل هناك مرجعيات في الإسلام وما مرجعية الأزهر الشريف نفسه؟ - العالم الإسلامي مرجعيته الأزهر الشريف لأنه صاحب الخبرة الطويلة علي مدي السنوات الطويلة الماضية وهو صاحب التاريخ العريق كما أن المسيحية الأرثوذكسية مرجعيتها كنيسة الإسكندرية أما الكاثوليكية فمرجعيتها الفاتيكان ولذلك لانجد في العالم الرعوي المسيحي. أن نجار مسلح أو ترزيا يمارس هذه الأعمال بينما في المجتمع المسلم نجد ذلك فكيف أن ترزيا ينشئ جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هؤلاء الأشياخ لا يحملون شهادات أزهرية وليسوا مؤهلين شرعيا وليست عدة دورات دينية تؤهلهم أن يكونوا علماء لأن وصف العالم وصف كبير ولاتطلق هذه الكلمة إلا علي من يستحق ولا يطلق علي أي شخص هكذا عدوانا علي الحقيقة. قلت في سياق حديثك أنه يجب أيضا الاهتمام بالمناهج الدراسية فهل هناك مشاكل في التعليم الأزهري؟ - التعليم الأزهري كله مشاكل لأن المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية تكون جرعة المواد الثقافية أكثر من العلوم الشرعية وكلها مواد أساسية ولذلك طالبت أن العلوم الثقافية في الأزهر توضع لها خطط معنية.. أما مرحلة الجامعة عبارة عن كتب تراثية تهتم بمنهج قالوا وقلنا.. وهي المناظرات بين مدارس علمية مندثرة لا وجود لها الآن مثل أهل السنة والمعتزلة ويخرج الدارس منها دون طائل.. ثم إن وضع المناهج يقوم به أكاديميون دون اشتراك التربويين. هل توافق علي دمج الأوقاف والأزهر والإفتاء تحت مسمي الأزهر الشريف؟ - أوافق بنسبة 100٪ حتي تعود المساجد لمشيخة الأزهر وتتفرغ الأوقاف لاستثمار أموال المسلمين وفق شروط الواقف. فتكون إدارة مستقلة تابعة لإشراف شيخ الأزهر وبذلك نقضي علي تضارب الفتاوي ويلتزم الجميع برأي موحد.. وكذلك شخصية المفتي يجب ألا تكون بالانتخاب لأننا لا نعين رئيس مدينة أو رئيسياً حي. ما المواصفات الواجب توافرها فيمن يعتلي منابر المساجد؟ من يعتلي المنبر لابد أن يكون أزهريا مع عدم تبعيته لجماعات وفرق ومذهبيات بالإضافة إلي أنه يجب علي وزارة الأوقاف اختيار وإلزامه بخطبة ولايترك لاختيار الخطيب والتي حولها الخطباء من ذكر الله إلي نشرة أخبار ومعارك سياسية فمئات خطباء الإخوان والسلفية يحرضون علي الجيش والشرطة.. وكذلك يجب غل أيدي جمعيات ثقافية تسيطر علي مئات المساجد لأنها تنشر أفكارها المتطرفة وتجمع أموالا طائلة دون أدني رقابة.. لأنه لايوجد لجان معتمدة بل هي لجان من داخل الجمعية. فجمعية كذا لها مساجد كذا وخطيبها يقول مبادئها وكذلك الأموال المجموعة تصب في حسابات الجمعية غير الرسمية ولذلك تمويل الجمعيات الثقافية حتي الآن تمويل تنظيم إرهابي. إذن نريد ببساطة معرفة كيفية إعادة الثقة في المساجد والعلماء مجددا؟ - العيب ليس في المساجد.. ولكنه فيمن حطم رسالة المساجد ولذلك كان يجب إحالة الوزير الإخواني السابق للتحقيقات فورا وتنحية كل هذه القيادات ووضع خطط دعوية سليمة ومحاسبة واضحة حازمة والاستعانة بكبار العلماء في المساجد الكبري.. فعلماء جامعة الأزهر معظمهم يخطب بدعوات خاصة في مساجد صغيرة وزوايا وربما في الريف وإنما كان يسمح لشيوخ السلفية والإخوانية بالخطب في المساجد الكبري فكيف يسمح لإسماعيل هنية أن يصعد منبر مسجد الأزهر الشريف ويخطب فيه فيجب أن يحاسب من سمح بذلك ويجب أن نكلم قيادات الأزهر والأوقاف رمموا شروخ الدعوة الإسلامية وأعيدوا ثقة المواطنين في المساجد وعدم استغلالها في الأعمال السياسية. هل تري ضرورة تأمين المساجد حتي تستطيع أداء رسالتها بأمان؟ - اقترح إعادة مراقبة الأمن الوطني ولكن بدون تعسف ودون جبروت وعدم إهانة الخطباء أو الدعاة ولكن توضع تقارير بين يدي القيادات حتي تكون هناك محاسبة عادلة لكل من يخرج علي ذلك.. وتأمين المساجد لأن الدعاة محاصرون في إرهاب الإخوان والإرهابيين.. فإذا قال الخطيب كلمة حق يدهسه الإخوان في المسجد ويقومون بضربه وإهانته فالأمن هنا يحقق حتي الأمان المعنوي للخطيب وكذلك أقترح إعادة إنشاء مجالس إدارات المساجد من أهل الحي لكن مع تنحية أعضاء الجماعات من الإخوان والسلفيين والجهاديين.. مع ضرورة وحتمية كتابة الخطب عناوين وعناصر ولايترك الموضوع لهوي الخطيب.. ودول الخليج العربي كلها تفعل ذلك حتي الحرم الشريف يخطب من كتاب مطبوع. أستنبط من سياق حديثك أن الأحزاب السلفية أيضا تمثل خطرا علي مصر؟ - حزب النور السلفي أسوأ من الإخوان كلاهما سيء ويتاجر بالدين ويقدم تفسيرا مغلوظا للإسلام وينطبق عليه ما قاله الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار فالفضائل السلفية أخطر من الإخوان ولابد من إبعادها جميعا عن الدعوة.