عالم خفي من الضلال ونزعة شيطانية إلي إنكار الحقائق وهدم الثوابت وإزاغة العقل. هذا هو حال الملحدين عموماً، وفي مصر بدأت تنتشر حالات غير معلنة لشباب اختار طريق الإلحاد واتخذ من الفضاء الإلكتروني ملاذاً للتستر وراء صور تنكرية وأسماء مجهولة، بهدف نشر العبث والسفسطة الفكرية. »آخر ساعة« تتبعت خلال الأشهر الماضية تحركات المجموعات الإلحادية علي مواقع الإنترنت، وتمكنت من اختراق بعضها، والكارثة التي اكتشفناها هي ترتيب بعض الملحدين لإنشاء تنظيم سري، يكون بمثابة البداية للخروج إلي النور ذات يوم والمطالبة ببعض الحقوق باعتبارهم مصريين شاركوا في ثورة يناير التي أطاحت بمبارك ونظامه القمعي، في حين أطلق جروب سري يضم في عضويته إسرائيليين بعنوان "الملحدون المصريون" ما أسموه "بيانهم الأول" لتحديد ملامح فكرهم. قبل سنوات بدأت جماعات من الملحدين المصريين تظهر علي الإنترنت عبر مواقع إلكترونية مختلفة، وراجت مع حالة التوغل الملحوظ التي أحدثها موقع "فيسبوك" بين عدد مهول من المستخدمين للموقع في مصر، وبات أمراً طبيعياً أن تظهر لك عشرات الصفحات الداعية إلي الإلحاد ونكران الذات الإلهية بنقرة بحث صغيرة، فهذه صفحة اختار مؤسسها اسم "أنا ملحد" وتلك أخري بعنوان "ملحدون ولو كره المؤمنون" وهناك جروب "مغلق" غير مسموح بالدخول إليه إلا بعد تسجيل طلب العضوية والموافقة عليه من جانب مؤسسيه، بعنوان "الملحدون المصريون" (يضم 987 عضواً) والأخير، يضم أعضاء إسرائيليين أبرزهم "جون وايت" من أورشاليم، وينشرون مشاركاتهم والتعليقات المروجة للإلحاد باللغة العبرية! الجديد هو التلويح إلي خروج أعضاء هذه الجماعات الملحدة من الفضاء السايبري الافتراضي إلي عالم الواقع، وهو ما نوه إليه أحد الملحدين، حينما قال علي صفحته علي "فيسبوك": "في يوم من الأيام سنخرج إلي العلن وسيكون العالم وقتها مضطرا للتعايش معنا" بينما تجاوز الملحدون المدي حينما طالبوا بما أسموه "حقهم في الاعتراف بهم" وهو ما يتلخص في شطب خانة الديانة من بطاقة الهوية وعدم التمييز. هذه المطالب حسب رؤية الملحدين حق أصيل لهم باعتبارهم ممن شاركوا في ثورة يناير 2011والإطاحة بمبارك ونظامه، ورغم عدم قدرتهم الإفصاح عن هويتهم الحقيقية ولو حتي لأهلهم وذويهم إلا أن انتشار هذه الجماعات الملحدة تشكل خطراً واسع المدي، وبخاصة علي جيل الشباب الأكثر تواصلاً واتصالاً بتكنولوجيا الإنترنت، ما قد يفتح المجال أمام هؤلاء الملحدين لبث سموم أفكارهم ورؤاهم الإلحادية بطريقة سهلة وسريعة الانتشار. الطامة الكبري هي أن ترك هذه الجماعات تتواصل فيما بينها وتروج أفكارها قد يؤدي إلي انتشار وتزايد عدد الملحدين في مصر، والذي لا يقدر أحد علي رصد عددهم الحقيقي، فقد يكون أحدهم زميلك في العمل أو الجامعة أو حتي شريك حياتك أو أحد أفراد أسرتك في المنزل! وتزداد الصورة قتامة حينما تدخل علي موقع "الملحدين المصريين" فتفاجأ مثلاً بدعوة أحدهم إلي تنظيم سري يجمعهم سوياً، فها هو أحد الملحدين من محافظة القاهرة يقول: "عايزين نعمل نادي حتي لو سري، ونتفق علي مكان ووقت"، بينما يعلق علي دعوته تلك آخر بقوله: "فكرة حلوة طبعاً لكن متهيألي هيكون صعب قوي.. خصوصاً إن في كتير مننا مش عايشين في القاهرة". وغيرها من التعليقات والترتيبات التي تكشف وجود تنظيمات إلحادية خاملة قد تنشط وتتحد في بؤر واحدة متقاربة، لا أحد يقدر علي التكهن بما يمكن أن تفعله مستقبلاً في نسيج المجتمع. (بيان الملحدين المصريين) وقبل أشهر تجرأ الملحدون المصريون وأصدروا ما أطلقوا عليه "البيان الأول" وفيه أوضحوا معني أن يكون الشخص ملحداً، وأوجزوه في عدة نقاط رئيسية هي: (ليس للملحدين رب أو إله يتعبدون له ويقدمون له الذبائح والبخور. ليس للملحدين رب ولكن لهم أخلاق وضمير ومنهم الصالحون النافعون. ليس للملحدين رب لكنهم يحترمون العديد من القيم والمبادئ والأشخاص. ليس للملحدين رب لكنهم ليسوا بلا دين بالضرورة. الملحدون شخصيات مثقفة, يتبعون القوانين والنظريات العلمية ومواطنون صالحون وأب وأم فاضلين. أما الأديان أو الفلسفات الملحدة فكثيرة منها الماركسية والبوذية والإنسانية والوجودية وغيرها. ومن الملحدين من لا يتبع أدياناً أو فلسفات محددة, ورغم ذلك يتفق معظم الملحدين علي بعض الأفكار والقيم والمعايير الأخلاقية). وينكر الملحدون بحسب البيان ما وصفوه ب"الكائنات الأسطورية التي حكت عنها الأديان" وقال إنها "ليست موجودة سواء كانت آلهة أو شياطين أو ملائكة أو جنا أو عفاريت أو أرواحا أو أشباحا أو ما إلي ذلك، وكل الأحداث الخارقة والمعجزة لم تحدث وإن حدثت فهي ظواهر طبيعية لها تفسير علمي و عقلي". أما عن الفلسفة والحياة فيتفق الملحدون علي الإلحاد ويختلفون فيما عدا ذلك، وهذا يعني أن لكل ملحد فلسفة خاصة به، يختارها بنفسه ولا يجبره عليها أحد، وهناك من الملحدين من لا يعتنق فكراً محدداً أو فلسفة معينة وهذا يعني أن الاختلاف بين الملحدين موجود، كما أنه موجود بين المؤمنين. ووفق البيان الصادم فإن الملحدين يبدأون إلحادهم بالإنسان وليس الله, وبالطبيعة وليس الألوهية، فالطبيعة بالتأكيد هي "أوسع وأعمق مما نعرف الآن, لكن أي كشوف جديدة ستزيد من حجم معارفنا الطبيعية. الملحد يعتبر أن الكون موجود بذاته وليس مخلوقا, ويؤمن بأن الإنسان هو جزء من الطبيعة وأنه قد نشأ نتاج عملية تطور مستمرة. وعلي هذا فإن الملحد يستمد الكثير من أفكاره ومواقفه من الفلسفتين المادية والطبيعانية". (أخطر المدونات الإلحادية) قد يفاجأ البعض حينما يعلم أن في مصر عشرات من المدونات والمواقع وصفحات الفيسبوك التي تتحدث عن الإلحاد وتتغزل في قيمته وترصد هذا العالم الوهمي من الضلال الفكري وسوء الفهم والتفسير الخاطئ لما ورد في الكتب المقدسة. "متعقل" هو عنوان واحدة من أشهر المدونات الإلكترونية علي الإنترنت تحمل في ثناياها الكثير من اللغط والتفسير الخاطئ للدين الإسلامي، ويتطاول مؤسسها بشكل فاضح علي نبي الإسلام الكريم محمد ([) ويحاول جاهداً بسذاجة مفضوحة تشويه القرآن الكريم والسنة النبوية عبر تفسيرات لا تمت حتي لمنطق العقل الذي يتشدق به أمثال صاحب هذه المدونة المشبوهة، والذي أحسب أن دراسته المادية للهندسة حسبما يشير في المدونة هي التي لعبت في رأسه، وبدلاً من أن تكون سبباً في تدبر آيات الله في الخلق، ساقته إلي الكفر والإلحاد. يتساءل هذا "المتعقل" الجاهل: لماذا أنا ملحد؟ ثم يبادر بتقديم الإجابة بقوله هذا سؤال يسأله كل من يعرف موقفي من الأديان، وقد رأيت هذا السؤال في مواقع كثيرة تطالب الملحد بالكشف عن سر إلحاده، ويبدأ "الملحد المتعقل" في توضيح وجهة نظره في الإلحاد وأسباب عزوفه عن اعتناق الأديان فيقول: "إن كلمة ملحد لها وقع خلاب علي قلبي، فبينما يظن البعض أنه يسُبني بإطلاقها في وجهي، إلا أنني أبتسم فخراً واعتزازاً حين أسمعها تطير إلي أذني، فحبي لمعني الكلمة كحب المتدينين إلي لقب (عبدالله) أو (عبدالمسيح)". وحين يشرع في الحديث عن الإيمان أو بالأحري الهجوم عليه يقول: الإيمان هو تصديق بموضوع ما بغير دليل كاف، أو بغير دليل علي الإطلاق، فالمؤمن مطلوب منه أن يؤمن ويصدق بأشياء وشخوص غيبية مثل الإله (يهوه - المسيح - الله - بوذا - كرشنا زيوس)، وعدو الإله (عزازيل - الشيطان - إهرمان - ست)، ومساعدو الإله (الملائكة - الجن - الأنبياء)، وكل هذا الكم من الغيبيات عليها دليل واحد فقط وهو (قال الإله لهذا النبي عن طريق ذاك الملاك) أي أن الفاعل غيب والفعل غيب والمفعول به غيب. إذاً حتي الدليل غيبي، وهو ما يتناقض مع التعقل القائم علي المناقشة والاستدلال والنظرية والتجربة، لذلك لم يكن لمثلي أن يُكْذِب أطنان الأدلة ليصدق (قال الله). أسباب الإلحاد يُعد الإلحاد من الظواهر المعقدة التي قد تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية. هكذا يؤكد وليد نادي (الباحث النفسي بمعهد الدراسات التربوية في جامعة القاهرة)، وفيما يتعلق بالجانب النفسي المرتبط بهذه الظاهرة يقول: نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه بقوة الآن هل الإلحاد يعد اضطراباً نفسياً؟ الإجابه أنه لم يدرج الإلحاد ضمن قائمة الاضطرابات النفسية فرغم أن علم النفس كان يناقش الأديان لكنه لم يتعرض يوماً لدراسة نفسيّة الملحد لأن كثيرا من علماء النفس كانوا ملحدين! ويوضح نادي: من أهم من تعرّض لعلم نفس الأديان كان وليم جيمز وسيجموند فرويد. كان الأول في صف الأديان، بينما كان الثاني ملحداً وكان يسمّي الدين إشباعًا لرغبة في الشعور بالأمن ضد قوي الطبيعة وأحيانا أخري إشباعًا لرغبة قديمة قدم التاريخ في أب رحيم. ورغم ذلك ثمة العديد من الدراسات والإحصائيات التي أكدت علي وجود خلفية نفسية تربوية للإلحاد وكان علي رأس هذا التيار عالم النفس الشهير بول فيتز الذي نشر ورقة بحثية بعنوان "علم نفس الشواذ" قال فيها إن كثيراً من علماء النفس يتبنون موقفاً معارضاً للدين، ولذا كانوا يعارضون أي محاولة لتسليط الضوء حول سيكولوجية الإلحاد. أيضاً هناك عوامل ودوافع أخري مرتبطة بالإلحاد منها الأب القاسي والضعيف وعدم وجود الأب، وكذلك التشدد الديني والإيمان الشديد حيث إن الفرد من فرط إيمانه بالله ومخافته في الوقت الذي يكون فيه متعطشاً جداً لارتكاب المحرمات فلكي يعصي الله دون تأنيب ضمير، يقنع نفسه بأنه ليس هناك إله وأن هذه خرافات، ومن الأسباب أيضاً التي تدفع بالمرء نحو الإلحاد الإحساس بالنقص حيث يكره الإنسان نفسه بسبب عيب ما في الخلقة فإلحاده يكون بمثابة اعتراض علي خالقه. الغرور المعرفي والثقافي أيضاً قد يقود إلي الانحراف الفكري والإلحاد، وكذلك سطوة الشهوات ومحاولة الهروب من وخز الضمير.