أثناء تدريب أحد الصم على التصوير بالكاميرا من منا لايتذكر دور الفنان محمود عبد العزيز في فيلم "الكيت كات"ذلك العجوز الأعمي الذي لايعترف بإعاقته البصرية أو يحاول التأقلم معها فيحاول إشباع رغباته التي تطرأ عليه مثله مثل أي مبصر فنراه يقود الدراجة النارية لإرضاء فضوله الملح في اكتشاف تلك الآلة العجيبة دون التفكير فيما ينتج عن تلك المغامرة غير محسوبة العواقب. ففي أواخر العام الماضي تم تنظيم دورة لتعليم المكفوفين فن الرسم بأنواعه المختلفة وسط ذهول الكثيرين إلا أن المشتركين أبدوا مهارة فائقة مما شجع القائمين علي الدورة لخوض مغامرة تعليمهم فن التصوير الفوتغرافي وبالفعل نجحوا في التجربة وذاع صيتهم ليس في مصر فقط ولكن في بعض الدول العربية التي نقلت التجربة وقررت محاكاتها وتنفيذها علي أرض الواقع. ولم يكن الصم بأقل حظا من المكفوفين فقد تم تنظيم دورة لتعليمهم تلك الفنون أطلق عليها اسم "عين" في إطار فعاليات الاحتفال بأسبوع الأصم العربي وكأقرانهم المكفوفين اجتازوا الدورة بنجاح متناه وسط إعجاب وذهول الكثيرين. وقد استغرقت تلك الدورة أسبوعين واشترك بها أكثر من عشرة شباب تتجاوز أعمارهم العشرين عاما ولكن بالرغم من ذلك فهم يعانون من مشكلات جمة ناجمة عن صعوبة التواصل مع زملائهم وأساتذتهم مما يعرضهم إلي العديد من الأزمات النفسية. وحاولوا مرارا التغلب علي هذه المشكلات ولكن دون جدوي، فالمجتمع لايريد الاعتراف بقدراتهم ويتعمد تجاهل حقوقهم. »آخرساعة« التقت بهؤلاء المشتركين وحاورتهم مستعينة بخبير في ترجمة لغة الإشارة لتنفذ داخل عقولهم وتتعرف علي طموحاتهم وأحلامهم وكذا المشكلات التي تواجههم. وأوجه الاستفادة من تلك الدورة. أحد عشر مشتركا لاتتعدي أعمارهم الثمانية والعشرين ربيعا يجلسون صفا واحدا في تناغم واضح كأنهم يتلاحمون سويا لمواجهة نظرات المجتمع القاسية، يتابعون بتركيز شديد تعليمات ريهام أحمد وهي الأستاذة بكلية التربية النوعية والمسئولة عن تلك الدورة ، تشرح لهم الأسس والمبادئ الأولية للتعامل مع آلة التصوير الفوتوغرافية عن طريق لغة الإشارة التي أتقنتها خصيصا لتمكنها من التواصل مع طلابها يعاونها في ذلك محمود شوقي أحد مترجمي لغة الإشارة الذي استطاع أن يقيم علاقات صداقة معهم وينفذ داخل قلوبهم وعقولهم ويحصل علي المفاتيح السرية للتعامل مع تلك الفئة. فها هو أحمد سامي (27 عاما) تخرج في أحد المعاهد المتوسطة ولطالما تمني أن يحصل علي وظيفة تساعده في تأسيس عش الزوجية وبناء كيان أسري يكون سنده في تلك الحياة القاسية ولكن فور تخرجه تحطمت كل أحلامه الوردية علي صخرة اليأس فلم يتسن له الحصول علي عمل يتكسب منه فكافة الشركات لاتقبله بسبب إعاقته السمعية مما جعله يعمل كأرزقي بأحد المصانع وبمجرد علمه ببدء تلك الدورة حتي سارع بالاشتراك فيها عله يتعلم حرفة جديدة ترحمه من مذلة الأعمال الشاقة. يمسك أحمد الكاميرا الفوتغرافية بحب جارف كأنه يتغزل في معشوقته ويداعبها بأطراف أنامله ثم يحكم قبضته عليها ليلتقط صورة بديعة لقبة جامعة القاهرة فتظهر وكأنها قلعة شامخة تشق برأسها عباب السماء وشاهدة علي أزهي عصور العلم والحضارة في مصر ، ينظر إليها سعد بتفاخر فقد حازت صورته هذه إعجاب الكثيرين عندما تم عرضها في القاعة الرئيسية بالجامعة، ولم تكن تلك الصورة هي الوحيدة التي التقطها سعد بل هاهي إحدي الصور لأبي الهول رمز العزة والأنفة. وبعد التألق الذي شهده أحمد في المعرض قرر افتتاح ستديو تصوير ليمارس فيه هوايته الجديدة ويكون مصدرا ليكسب منه رزقه. ولم تكن الصور التي التقطها أحمد وحدها التي بهرت الحضور بل إن صورة أماني مصطفي التي التقطتها لأحد الأسود الموجودة بحديقة الحيوان أبهرت الكثيرين. "فأماني" تلك الشابة التي تدرس في معهد اللاسلكي في مدينة نصر تحمل قلبا دافئا يفيض بالحب وخفة دم ما أهلها لأن تقيم صداقة مع الكثيرين إلا أن العقبة الكئود التي واجهتها هي كيفية تلقي دروسها خاصة وأن الأساتذة لايراعون الفروق الفردية بين الطلاب وأنهم ينتمون إلي فئة ذوي الاحتياجات الخاصة مما أصابها بالاكتئاب ودفعها هذا لأن تقاوم هذه الحالة النفسية بالاشتراك في ورشة"عين"لتثبت للجميع أن الصم مثلهم مثل الأصحاء بل إنهم يستطيعون إشباع هواياتهم المشتركة مع الأصحاء والغريب أنها قررت تعليم تلك الهواية إلي محبيها بأجر رمزي لتمكنهم من إشباع هواياتهم وتدعيمها بشكل علمي وعملي. أما باقي الصور المعروضة في المعرض فهي لتمثال صانع الفخار الموجود بالمتحف الزراعي والذي يجلس منهكا في صناعته التي يعشقها ويبذل قٌصاري جهده ليخرج منتجات فائقة الجودة يتباهي بها أمام الجميع إلا أنه في زمننا هذا فإن مثل تلك المهن أوشكت علي الانقراض وغاب زبائنها الكثر وتلك صورة لهودج العروس الريفية والمحاط بعشرات المهنئين الذين توافدوا لمشاركة العروس فرحتها تتقدمها فتيات العائلة يحملن الأثاث المتواضع من بعض الحلل والأكواب النحاسية يسابقن الزمن ويقطعن المسافة ليوصلن العروس إلي رفيق دربها الذي ينتظرها علي أحر من الجمر. وبعد أن خضنا في عقول وقلوب بعض المشتركين في الورشة انتقلنا للحديث مع ريهام أحمد المسئولة عن التدريب فقالت: لاشك أن التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة له طبيعة مختلفة خاصة الصم والبكم وهم أشخاص يتمتعون بحس مرهف يمكنهم من التقاط صور رائعة تنطوي علي أحاسيس عالية وقيم إنسانية أيضا فكل واحد منهم له رؤيته الخاصة عند التقاط الصورة لهذا نجد تباينا واضحا للصور إضافة إلي تعامله مع كاميرا التصوير وأغلبهم يراها من أفضل الأصدقاء فقد مكنته من نقل وجهة نظره إلي العالم الخارجي. وتضيف ريهام: الصم يختلفون اختلافا جذريا عن المكفوفين فالمكفوف محروم من نعمة البصر لكنه يمتلك تخيلات عميقة وواسعة وهو ما نطلق عليه البصيرة تكون هي الدافع الأول عند التقاطه للصور أما الأصم فهو يمتلك نعمة البصر ولكنه يفتقد قيمة الإحساس بمكنون الصورة أو المنظر الطبيعي فيتوجب علينا شرح ماوراء الصورة أو القيمة الفنية التي نريد توصيلها له. وعن الصعوبات التي واجهتها تقول:ليست صعوبات بالمعني المعروف إنما تتعلق بالمشكلات المادية وتنظيم مثل هذه الورش المهمة، عادة لاتتكرر مرة أخري بسبب نقص الدعم المادي مما لايمكن الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة من خوض تلك التجربة الغريبة عليهم وبالرغم من أن تلك الورشة أقيمت كإحدي فاعليات أسبوع الأصم العربي إلا أنها لم تصل إلي الكثيرين الذين لديهم فضول وشغف لتعلم قواعد التصوير الفوتغرافي.