محاولات العبث بالتاريخ تحت ظروف العنف ليست سوي بلطجة تستهدف العقول قبل الأموال والممتلكات.. ماتتعرض له الحضارة المصرية من انتهاكات مستمرة يثير تساؤلات عديدة حول دور وزارة الآثار في الحفاظ علي المواقع الأثرية التي تم الاعتداء عليها؟ حيث تم بشكل عمدي انتهاك المومياوات الفرعونية علي يد لصوص الآثار، وهناك مناطق أخري أدي الاعتداء عليها إلي طمس حقبة تاريخية مهمة بفعل الترميم الخطأ.. في هذا التحقيق نرصد بالصورة الانتهاكات التي تتعرض لها المومياوات في منطقة أبوصير الملق بمحافظة بني سويف.. ومنطقة سرابيط الخادم التي تم محو نقوشها وتكشف (آخر ساعة) كيف يصرخ التاريخ من العبث بذاكرته. في غياب المسئولين وعلي رأسهم وزير الآثار. حرص الإنسان المصري عبر التاريخ القديم علي الحفاظ علي آثار الأقدمين الأمر الذي يتأكد من خلال الشواهد الأثرية والنصية التي تعرضنا لبعض منها. لذلك ضمت بعض مداخل المقابر نصوصاً تحذر من الاعتداء علي المقابر، كما كانت المراسيم تصدر بين الحين والآخر محذرةً من العبث بالمنشآت الدينية، ومتوعدة بانتقام الآلهة من المعتدين. وكانت بعض النصوص تحذر علي لسان صاحب المقبرة من عدم انتزاع حجر من مكانه. وفي المقابل كانت النصوص تعد الذين يحافظون علي المنشآت الدينية بالخير وبرضا الآلهة، وبنيلهم كل القرابين التي يتمنونها.ويستمر الوعيد والترهيب من قبل أصحاب المقابر حفاظاً علي مقابرهم (التي هي بيوت الأبدية بالنسبة لهم) من الهدم، وعلي محتوياتها من السرقة. وتستمر النصوص عبر التاريخ المصري القديم في التعبير عن حرص المصري علي سلامة المنشآت، وتحذير المعتدين علي هذه المنشآت مما سيصيبهم من أذي في الدنيا وفي الآخرة. كما تستمر الأوامر والمراسيم الملكية في أداء نفس الدور تعبيراً عن الحفاظ علي منشآت الأسبقين، الأمر الذي يعبر عن حرص شديد لدي المصري للحفاظ علي المنشآت، لتظل في أفضل صورة ممكنة، وعلاج ما يمكن أن يكون قد أصابه الأذي. ففي نصائح الملك خيتي الرابع لابنه مريكا رع (الأسرة 10) يقول: "لا تضر بمنشأة للغير.. اقطع الأحجار من محاجر طرة وشيد مقبرتك مما قطعته بيديك من أحجار". وتزخر اللغة المصرية القديمة بمفردات تعبر عن الترميم والتجديد، والصيانة وإعادة البناء، مثل srwd) ) التي تعني: »إعادة الإحياء، أو: الترميم، أو: الإصلاح«. ففي نص ورد في مقبرة خنوم حتب الثاني في بني حسن من عهد الملك سنوسرت الثاني، يقول: "جميل ترميم أسماء الأجداد". ومن الأسرة 18 من عهد الملك تحتمس الأول يرد النص التالي: »رممت ما كان قد تهدم«. وفي النص الشهير المسجل علي جدران اسطبل عنتر (معبد الإلهة باخت) إلي الجنوب الشرقي من بني حسن، والذي يرجع لعهد الملكة حتشبسوت، يقول النص علي لسان الملكة إشارة إلي ما قامت به من ترميم لبعض المعابد التي هدمت نتيجة لغزو الهكسوس، تقول: "لقد أقمت ما كان قد تداعي، وكذلك ما كان قد تهدم في الوقت الذي فيه الآسيويون يحكمون في أواريس في الشمال، وكانوا بجحافلهم المتجولة يعيثون بين الناس فساداً محطمين ما كان قائماً". ولكن يبدو أن الحال تبدل الآن وبات الاعتداء علي تاريخنا وحضارتنا أمراً عادياً ومتكرراً، وهو ما دفع مونيكا حنا عالمة الآثار المصرية إلي قيادة حملة لكشف ماتتعرض له حضارة مصر ومواقعها الأثرية في العديد من المناطق سافرت وصورت وفضحت المسئولين في وزارة الآثار علي الاهمال المتعمد الذي تتعرض له حضارة مصر كانت البداية منطقة سرابيط الخادم في سيناء . يعتبر معبد سرابيط الخادم أحد أهم المعابد الفرعونية ويرجع ذلك إلي طبيعته الجبلية الفريدة وموقعه المتميز حيث إنه المعبد الوحيد الموجود في سيناء ولذلك سميت بأرض الفيروز حيث كان الفراعنة يأتون لاستخراج المعادن في عهد الدولة الوسطي ولذلك سموا حتحور التي بني المعبد لعبادتها بسيدة الفيروز .كما أن هناك آلهة أخري تعبد في هذا المعبد كالإله سبت إله القمر حيث كان ارتفاع المعبد العالي يساعدهم علي رصد حركة النجوم والقمر. واستمر المعبد في البناء والازدهار حتي عهد الدولة الحديثة ولكنه لم يستعمل في العصر المتأخر والروماني. ولكن الذي حدث هناك أن مونيكا قامت بتصوير الترميم الذي أخفي معالم تاريخية مهمة والصور فضحت تعامل الآثار مع ترميم الآثار، المهم عقب نشر الصور اشتعلت حرب بين الأثريين والمرممين وتنامت التساؤلات حول سبب الهجوم في ذلك التوقيت علي المرممين حيث أكد عدد منهم أنه طوال 26 عاما والمسئولون وقيادات الترميم في سيناء تركوا معبد حتحور بسرابيط الخادم عرضة للإهمال وإهدار للمال العام في مشروعات ترميم وهمية للمعبد وكادت أحجار ونقوش المعبد هناك تمحي نتيجة للظروف الجوية التي سببت لها تآكلا يهددها بالضياع خاصة أن بعضهاحسب قول مصادر بالآثار ملقاة في الطريق. أحد المرممين قال: إن الادعاء بأن هناك طمسا للنقوش مردود عليه وهو أن هناك بالفعل مناطق بها فجوات ليس عليها نقوش من الأساس بل هي فجوات نتجت عن تأثير عوامل التعرية وحركة الرياح المحملة بالرمال مما تسبب عبر السنين في فقدان طبقات كبيرة من أسطح هذه الآثار وتتلازم هذه الظاهرة مع وجود أملاح في الحجر ذاته أثناء التكوين والتي باستمرار دورات الجفاف والبلل تخرج علي سطح الحجر مسببة تآكلا في نسيج الحجر مما يضعف هذا النسيج ويصبح الترابط بين حبيبات الحجر ضعيفة مما يؤدي بعد هبوب الرياح المحملة بالرمال إلي إزالة هذه الأجزاء من الحجر فيما يعرف alveolar erosion وهي عبارة عن فجوات صغيرة تزداد بمرور الزمن. وتابع المرمم: تم التدخل لمنع تأثير الرياح الناحرة من خلال استكمال الفجوات الخالية من النقوش من خلال استخدام مونة تتجانس مع مادة الأثر لكنها متمايزة عنها طبقا لما نادت به المواثيق الدولية (مادة 12 من ميثاق فينيسيا) ولولا هذا التدخل لانهارت باقي (الاستلات) القائمة كغيرها من عناصر أخري انهارت بفعل هذه الظواهر عبر آلاف السنين لكن منذ 1986 لم تنهر أي استلا بفضل هذا التدخل، كما أنه لم يطمس نقش وهذا أتحدي به أي خبير في العالم. المشكلة الأخري وقعت في (أبو صير الملق) وهي جبانة أثرية كبيرة ترجع إلي مختلف العصور التاريخية حتي العصرين اليوناني والروماني وكذلك العصر الإسلامي وجاء اسم ابو صير الملق من كلمة (بر- اوزير) أي بيت أوزوريس تيمنا بالإله (أوزوريس إله الموتي) وهي تقع علي بعد 10كم جنوب ميدوم ببني سويف ويوجد بها مجموعة كبيرة من المقابر المنحوتة في باطن الأرض والتي تصل إلي أعماق حوالي 14م تحت سطح الأرض وتحتوي علي حجرات عديدة ومن أهم الاكتشافات التي ظهرت في أبوصير هي تابوت من الجرانيت الأسود الموجود في منطقة ميدوم حالياً للمدعو ( باخع- اس) من العصر البطلمي. ماحدث بالضبط هو دخول لصوص آثار عبثوا بمحتويات المقابر وسرقوا ونهبوا تاريخ وتركوا المومياوات في الصحراء تنهشها الكلاب الضالة مزقوا لفائف الكتان بعثروا حضارة من آلاف السنين وحول هذه المسألة قالت مونيكا أن مايحدث في منطقة أبوصير الملق يعد كارثة متعمدة وممنهجة لنهب آثار تلك المنطقة المهمة في تاريخ مصر لأن الذي يحدث هناك لايصدقه بشر مومياوات ملقاة في الصحراء جبانات تم تقطيع حجارتها التي يوجد عليها الرسومات الفرعونية هناك تجارة رائجة للصوص الآثار والغريب في الأمر أن هذه المنطقة تتبع وزارة الآثار وحضارة مصر مبعثرة هناك علي الأرض وكأن هذه المنطقة تتبع وزارة أخري وأن صمت وزارة الآثار تجاه مايحدث يثير الكثير من الأسئلة. وفي النهاية يبقي سؤال لماذا لم تتحرك وزارة الآثار لوقف مهزلة مذبحة المومياوات هناك؟